ثقافة وفنون

برعي محمد دفع الله: شيخ الملحنين السودانيين-٣-

 

بقلم صلاح شعيب 

وإن كان عبد الرحمن الريح قد أقام تجسيراً بين الذائقة اللحنية لجيل الحقيبة والجيل الذي نضجت تجربته في الستينيات حتى النصف الأول من السبعينيات، فإن برعي محمد دفع الله كان المجسر بين زمان الملحن المحترف، غير الدارس، والملحن الذي اكتسب علوماً موسيقية جديدة مهدت له توسيع آفاق التفكير والإحاطة بموازير المدارس اللحنية الشرقية والغربية. وذلك عبر المعاهد الموسيقية التي درس فيها الموسيقار.
أما إذا كان عبد الرحمن الريح أكثر حرصاً على الاحتفاظ بثراء الجملة الموسيقية، وهي سمة أساسية في تفكيره اللحني، فإن برعي طفق يجدد ثيمات التطريب إلى مستوى متقدم جدا. وحقاً يعد الملحنان ود الريح وبرعي رائدين لمدرسة التطريب الكثيف، وهما وجهان لعملة التحديث اللحني الحريص على إعطاء اعتبار كبير لخصوصية الميلودية السودانية.
إن برعي بلا شك يمثل أيضا، كما هو حاله في ريادة اللحن، رائداً من رواد الموسيقى البحتة. فعبر مقطوعات برعي، وزملاء آخرين له، تطور تذوق الناس للموسيقى البحتة. وبخلاف أن أعماله كانت تلعب دوراً في ترويح المستمعين للإذاعة والمشاهدين للتلفزيون أثناء لحظات الربط بين برنامج وآخر، وأثناء تقديم شعارات البرامج فإن المقطوعات الموسيقية التي ألفها مثلت ركناً أساسياً في تجربته. وأعطت أعماله الشجية الفرصة للموسيقيين للتأليف على نسقها، وإن ظلت مقطوعاته صعبة التجاوز نسبة لإبداعيتها العالية. ولعل ذلك الإبداع يعود إلى سرعة استخدامه لريشة العود، وقدرته على الانتقال السريع من نغمة في أعلى السلم إلى واحدة في منخفضه. كما أن احتشاد ذاكرته السماعية بالتراث الغنائي السوداني جعلت نغماته أكثر سلاسة، وتجانساً، ورشاقة.
وإذا نظرنا للمقطوعات الموسيقية للجيل الذي جاء بعد جيل برعي لوجدناها، على قلتها، أقل من ناحية كثافتها الإبداعية، وتجانس تنوعاتها. بل إن الملاحظ أن المقطوعات الموسيقية لعازفي العود توقفت عند برعي، وعلي مكي، وبشير عباس. فكل الذين تميزوا نسبياً في هذا الضرب من الموسيقيين الجدد يعتمدون في التأليف على آلات ليست من بينها آلة العود التي استطاعت أن تنقل إحساس الملحنين القدامى. والشيء المؤسف أن أجمل الأصوات التي ظهرت مؤخراً لا تجيد عزف العود، الذي كان يمثل لجيل برعي والجيل الذي تلاه مصدرا أساسياً من مصادر استنباط الألحان، والعود هو كذلك الآلة التي يجود بها المغني ضبط صوت النغمة المعنية في السلم (التون). ومن الملاحظ أن الكثير من مطربي اليوم يخرج مراراً من التون مثل خروج قليله المتكرر عن الزمن، خصوصاً عند النغمات التي تتطب (جواباً) خارج السلم و(قراراً) لمدى زمني أطول، وربما يعود ذلك لعدم عزفهم آلة العود، أو ضعف السعة الصوتية.
إن عازفي العود الماهرين يعدون على أصابع اليد برغم تعدد المغنين والعازفين في مسيرة الأغنية السودانية. وإذا كانت هناك أسماء فرضت نفسها في إتقان آلة العود فإن برعي يقف على مقدمتها بما لعب من دور ريادي في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى