إقتصاد

هل يمكن تكرار التجربة اليابانية في السودان

مامون حاتم الفنوب يكتب

يجري الحديث في كثير من الأوساط في هذه الايام عن امكانية تكرار التجربة اليابانية في السودان بعد الحرب ، استنادا إلى وجه الشبه في ان كلا البلدين جرى تدميره بشكل كبير نتيجة للحرب . في هذا المقال نحاول الاجابة عن إمكانية تكرار التجربة اليابانية في السودان . 

عند الحديث عن التجربة اليابانية لابد من الإشارة إلى انه توجد لا توجد نهضة يابانية واحدة وانما اثنتان. الاولى ما عرفت بنهضة ميجي ( ان صح التعبير ) بينما الثانية والتي يبدو انه يتم التركيز عليها في هذه الايام فهي نهضة اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن هنا لسنا بصدد القيام بسرد تاريخي مفصل عن التجريبيتين حرصا على عدم الاطالة وانما سنتناول السمات العامة لكل نهضة وايها اقرب إلى وضع السودان الحالى.
عند الحديث عن النهضة الاولى لابد من الإشارة إلى ان اليابان ظلت مغلقة امام التجارة الاجنبية حتى منتصف القرن التاسع عشر. وقد ظل. الوضع على هذا الحال حتى وصول سفن حربية أمريكية بقيادة ماثيو بيري تحمل انذارا من الحكومة الامريكية بفتح البلاد امام التجارة او مواجهة العواقب، وبعد ان تداولت الطبقة الحاكمة في اليابان الامر قررت الاستجابة للمطالب الامريكية. غير ان هذا الحدث كان مهينا للكرامة اليابانية ودافعا رئيسيا في تبني اصلاحات ميجي التي بدات عام ١٨٦٨ م.
عند الحديث عن اصلاحات ميجي بشكل عام فقد ركزت هذه الإصلاحات على اصلاحات اقتصادية مثل الغاء النظام الاقطاعي ، ونشر التعليم ( وهو الاهم في تقديري ) والعمل على انشاء بنية تحتية مثل الطرق وخطوط التلغراف وغيرها.
اما النهضة الثانية ( وهي بحسب تقديري ما يدور الحديث عنها الان لوجود الدمار كوجه للشبه ) فقد حدثت في أعقاب استسلام اليابان للولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية لتبدأ عملية بناء البلاد المدمرة، الجدير بالذكر ان الحكومة بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن بحاجة إلى بناء الانسان حيث كان لديها ما يكفي من العمال والمهنيين المهرة، وكل ما كانت تحتاجة الحكومة اليابانية التمويل الكافي لاعادة الإعمار ( وهو الأسهل في حال توفر العمالة الماهرة والنزيهة ) وبالطبع يفتقر السودان لهؤلاء.
عند النظر إلى الوضع السوداني نجد انه لا يمكن الحديث عن تطبيق النموذج الياباني بعد الحرب العالمية ( النهضة الثانية ) لان البلاد لم تحقق النهضة الاولى قبل اندلاع الحرب، ويمكن القول ان احد اسباب الحرب في الاساس هو الفشل في بناء الإنسان السوداني.
من هنا تجدر الاشارة إلى ان ابتعاث الطلاب إلى الخارج والذي يجب ان يكون موجها للطلاب المميزين وغالبا لفترة تمتد لشهور عديدة او سنوات ينهل فيها الطالب علما حقيقيا ليرجع ويفيد به بلده تحول إلى برامج تدريبيه وبعثات قصيرة مثل ال( الرحلات العلمية إلى ماليزيا) التي اجتاحت البلاد قبل انفصال جنوب السودان وصارت هذه الرحلات مجرد ترضيات للموظفين والطلاب لا ينهل المبتعث منها علما حقيقيا يمكن ان يفيد به بلده لقصر مدة الرحلة وضعف الحافز للتعلم ، واخشى ان تكون اليابان هي ماليزيا الجديدة.
خلاصة القول انه يجب على المتحدثين عن النهضة اليابانية قبل الحديث عن نهضتها بعد الحرب العالمية الثانية ان يدرسوا وبعمق النهضات العلمية وكيفية بناء الانسان في اليابان وغيرها من البلدان ، ومن ثم استخلاص نموذج يصلح للسودان ويراعى وضعه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى