إقتصاد

الثروة الغائبة

مامون حاتم الفنوب

بكالريوس ادارة اعمال جامعة الخرطوم.

من العبارات الشائعة في الاوساط السياسية السودانية عبارة قسمة الثروة و السلطة ، و هي عبارة جري تداولها كثيرا ابان مفاوضات السلام و الحوار بين الاطراف السودانية المختلفة . و هنا تبرز اسئلة مهمة و لعل اهمها، ماذا يقصد بالثروة ؟ و ما هي طرق قسمتها ؟ و ما هو الخطا التاريخي الذي وقعت فيه المنطقة العربية في هذا الشأن و السودان ليس استثناءا ؟
لعل اقرب تعريف للثروة هو أنها السلع و الخدمات التي تنتجها الدولة ، فكلما زادت السلع و الخدمات المنتجة في دولة ما زادت ثروة هذه الدولة و بالتالي رخاء شعبها ، اما قسمة الثروة فهي مفهوم حديث نسبيا في التاريخ البشري ، حيث تفجر هذا المفهوم عندما كتب كارل ماركس كتابه راس المال والذي طالب فيه بامتلاك الدولة لوسائل الانتاج بدلا عن الافراد ، و قد احدث هذا الامر ثورة في المفاهيم الاقتصادية وأدي الي وجود نظريتين اقتصاديتين رئيسيتين لكيفية التعامل مع وسائل الانتاج وهما ملكية الدولة لوسائل الانتاح و هو ما يعرف بالنظام الاقتصادي الشيوعي او ان تكون مملوكة للافراد و المؤسسات الخاصة و هو ما يعرف بالنظام الاقتصادي الرأسمالي. في هذا المقال لا نسعي للدخول في جدل اي النظامين افضل فهو جدل حسمه التاريخ لصالح الملكية الخاصة ، لكننا هنا بصدد التركيز علي الخطأ الفادح الذي وقعت فيه المنطقة العربية و هو تجاهل خلق الثروة و التركيز علي قسمة ثروة غير موجودة كما سنفصل في ذلك لاحقا.
فعند قراءة تاريخ الدول الاوروبية و الاسيوية نجد انها اهتمت بزيادة الانتاج و لم تشغل نفسها بسؤال تقسيم الانتاج الا في وقت متاخر نسبيا من ثوراتها الصناعية و الانتاجية . ففي اوروبا علي سبيل المثال سبقت الثورة الصناعية الجدل الاقتصادي و السياسي حول قسمة الثروة و السلطة باكثر من مئتي عام . اما في الدول الاسيوية فاذا اخذنا اليابان مثالا فقد بدات ثورتها الصناعية في القرن التاسع عشر ، و كانت ثورة في العلم و المعرفة في المقام الاول حيث نجح اليابانيون في نقل العلوم الاوروبية التي استغرقت نشأتها ثلاثة قرون في ثلاثة عقود فقط و لم يدخلوا في هذا الجدل العقيم حول قسمة الثروة. كما توجد العديد من التجارب الاسيوية الناجحة حتي بعد حين بلوغ الجدل و الصراع بين الشيوعية و الراسمالية اوجه في منتصف القرن العشرين خلال الحرب الباردة مثل تجارب كوريا الجنوبية و سنغافورة و مؤخرا فيتنام. و القاسم المشترك بين هذه الدول ان حكامها ادركوا ان التفكير في انتاج الثروة يجب ان يسبق التفكير في قسمتها .
اما في منطقتنا العربية فنجد ان معظم الدول دخلت في صراعات داخلية صفرية حول قسمة ثروة غير موجودة اصلا و اتخذ هذا الصراع طابعا دمويا احيانا خصوصا الصراع بين الاسلاميين و الشيوعيين ، و الواقع ان السودان ليس استثناءا حيث دخل في دوامة من الانقلابات و الانقلابات المضادة بين الاحزاب المختلفة علي طريقة قسمة الثروة غير الموجودة. و لم يشغل اي من هؤلاء الساسة باله للإجابة حول السؤال الاهم و هو كيفية خلق الثروة ! و عندما يتحدثون عن خلق الثروة فتجدهم جميعا يطلقون عبارات عامة و غامضة لانها لا تحتاج منهم اي مجهود او عمل جاد و من هذه العبارات ( زيادة الانتاج و الانتاجية ).وذلك بالطبع دون ان يحددوا الكيفية او لم يضعوا برامج و خطط واضحة يمكن تطبيقها في ارض الواقع ، و كانت نتيجة ذلك افقار البلاد و العباد بسبب هذه الصراعات عديمة المعني في قسمة الثروة الغائبة.
و هنا يبرز سؤال شديد الاهمية و هو كيف يمكن زيادة الانتاج و بالتالي الثروة ؟ و الواقع ان هذا سؤال شديد التعقيد و ذلك بسبب ان لكل دولة خصوصيتها و لذلك فهي بحاجة الي نموذج خاص بها ، و لاهمية هذا السؤال نجد ان الدول المتقدمة تنشئ مراكز الابحاث و الدراسات و تنفق عليها بسخاء فقط للاجابة علي هذا السؤال.
لكن هنا يجب الاشارة الي ان هذا لا يعني انه لا توجد سمات مشتركة بين التجارب الناجحة سنتحدث عنها بشي من التفصيل في مقالات لاحقة . و هذه السمات هي : اصلاح الجهاز الحكومي ، اصلاح التعليم ، اصلاح البنية التحتية ، تشجيع الادخار و الاستثمار و اخيرا تشجيع ثقافة العمل لدي الافراد.
من كل ما سبق يمكن ان نخلص الي ان علي الساسة و المشتغلين في الشان العام التركيز علي كيفية خلق الثروة بدلا من تضيع الوقت و الجهد في التناحر علي كيفية قسمة ثروة غائبة لدي شعوب فقيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى