مقالات

دينق ديت ابوك:-أيتها المرأة السوداء، أنتِ جميلة وجمالك في سوادك

حضارةٌ ضد السواد والمرأة السوداء

بقلم/دينق ديت ابوك

الحضارة الغربية لا تُريد أن تدعنا وشأننا. إنها تطاردنا ليل النهار. إنها تطاردنا من كل مناحي الحياة.

تعليمياً، الحضارة الغربية اكتشفت كل شيء، واقترعت كل شيء، لكنها لم تقترع هندسة بناء الأهرامات أو التحنيط أو علم الفلك وقراءة حركة النجوم في الفضاء. العلماء جميعاً بيض. توماس أديسون مقترع المصباح الكهربائي رجل أبيض، الكسندر فيلمينغ مكتشف البنسلين رجل أبيض، أيزاك نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية رجل أبيض، البرت أنشتاين صاحب النظرية النسبية رجل أبيض، الفلاسفة أرسطو، أفلاطون، هيغل وآخرون ينتسبون للحضارة الغربية.

كريستوفر كولمبس هو من اكتشف أمريكا رغم وجود الناس فيها قبله، وصمويل بيكر وديفيد ليفنغستون هما من اكتشفا منابع نهر النيل، رغم وجود الناس على الطول نهر النيل قبلهم.. إلخ. School books are full of lies الكتب المدرسية مليئة بالأكاذيب، كما قالت سارافينا في فيلمها النضالي الذي جسدت فيه دور نيلسون مانديلا.

من الناحية السياسية، أتوا بفكرة حقوق الإنسان. ومع أن فكرة حقوق الإنسان فكرة نبيلة، إلا أنها وسيلة لاستغلال القارة الإفريقية والعالم ككل.

أتذكر أن هذه الحضارة دفعت بالرئيس الليبيري السابق، شارلس تيلر، والرئيس اليوغوسلافي السابق صلوبودان ميلوسوفتش، ورادوفان كراديتش إلى المحكمة الجنائية الدولية، لارتكابهم جرائم كانت انتهاكات لحقوق الإنسان، بينما لم يتم تقديم جورج بوش وتوني بلير وبول بريمر لذات المحكمة على خلفية جرائمهم ضد مبدأ احترام حقوق الإنسان في العراق وأفغانستان وغيرها من الأماكن.

من الناحية الاقتصادية، أنشأوا مؤسسات نهب اقتصادية تسمى دولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي)، بعد أن كتب آدم سميث كتابه الشهير Wealth of the Nations (ثروات الأمم)، فأصبحت تلك المؤسسات الاقتصادية مؤسسات لإستغلال ثروات الأمم وجمعها في أمريكا، ووسيلة للحكم على الأمم عن طريق أخذ قروض من تلك المؤسسات، ونجحوا بذلك في وضع نير القروض الثقيلة على أعناق الأمم واستعبادها، وكل من رفض أخذ القروض حكموا عليه بالموت، كما فعلوا بتوماس سانكارا وغيره.

في أفريقيا، قامت حضارات سوداء، فقاموا بحملات استعمارية وكسروا أنوف تماثيل الحضارة السوداء، في محاولة يائسة لتدمير الهوية وتغيير التاريخ، لكن أبو الهول في الجيزة، لا يزال يحمل ملامح الإنسان الأسود ويشهد على أن تاريخ الحضارة السوداء صامدة، رغم أنه فقد أنفه على يد نابليون بونابرت، كما يحكيها السكان الذين حلوا مكان أصحاب هذه الحضارة السوداء.

اجتماعياً، بعد الحملات الاستعمارية واسترقاق الإنسان الأسود، وقيام الثورة الصناعية، فكرت الحضارة الغربية في تدمير البشرة السوداء عالمياً، فشرعت المصانع الكيماوية في صناعة مساحيق تغيير البشرة السوداء. وتم تصدير تلك المساحيق إلى القارة السوداء (ليست القارة السمراء) كما يُقال تجنباً لاستخدام كلمة السوداء، التي هي كلمة جميلة.

حين نشأتُ في الريف في التسعينات، لم تكن النسوة في الريف تعرفن المساحيق. كانت أُمهاتنا تستعملن زيوت (الكاركار) لدهن البشرة، وكانت الدنيا جميلة غاية الجمال.

لكن عقد التسعينات شهد تطوراً سريعاً في صناعة المساحيق، فأقبلت عليها المرأة السوداء بعد حملات الدعاية والترويج من الشركات الصانعة.

كانت الدعاية تعمل على ترويج البشرة الفاتحة أو البيضاء كمقياس للجمال. كانت هذه حرب ولاتزال حرب نفسية باردة ضد المرأة السوداء، لضرب إيمانها بنفسها وبشرتها السوداء التي هي هبة الله لها.

مع تكرار الدعاية والترويج للبشرة الفاتحة كمعيار للجمال، فقدت أعداد كبيرة من النسوة السوداوات الإيمان في بشرتهن السوداء، وأنغمسن في استخدام تلك المساحيق، فنجح هؤلاء المروجون في نزع الحكمة من عقولهن والسواد من جسمهن والمال من أيديهن!

إن هذا العالم يبدو لي أنه ملئ بالسذاجة كثيراً. ليس من الحكمة أن نغير لون بشرتنا استجابة لحرب باردة مدروسة وممنهجة تُشن ضدنا وضد لوننا الأسود.

ليس من الحكمة أن تصنع حضارة أُخرى سلاحاً لتدمير لوننا الأسود وتقوم بالترويج له، فننبهر بالترويج والدعاية، ونستجيب لأجندتها الدنئة الخسيسة وتستخدم المرأة السوداء تلك المساحيق، بعد أن تسمح حكوماتنا بتوريدها إلى داخل القارة السوداء، وتتعرض المرأة السوداء لحملة التشويه بتلك المساحيق التي تشتريها بمالها!

لا حكمة البتة في تغيير أخواتنا وأمهاتنا للبشرة السوداء أو ارتداء الشعر المستعار، ليس سعياً وراء الجمال (لأنهن أصلاً جميلات بلا أدنى شك)؛ بل سعياً وراء التجمل. وهناك فرقاً بين الجمال والتجمل.

في ظل تقدم الصناعات الكيماوية في العالم، أصبحت هناك مساحيق خطيرة يتم حقنها في الجسد عن طريق الحقن لتقوم بالتغيير الجذري ينتهي بالتشويه الكامل بحيث تفقد المرأة السوداء الجميلة بريقها وجمالها الإلهي، أو توزع تلك المساحيق الحقنية السرطان في الدم، وتكون النهاية موت رخيص!

رباه! هذه حرب ضدنا. هذا ظلم في الأرض.

بالله عليكم، أليس هذه حرب باردة وافقنا عليها بكامل إرادتنا؟

غالباً ما يتم رمي اللوم على المرأة فيما يتعلق بمساحيق تبييض وتغيير البشرة. لكن هذا ليس صحيحاً وليس عدلاً.

إن كانت ثمة لوم، فليس على المرأة وحدها، فهي مجرد مستخدمة. الذي يستحق اللوم هي حكومات الدول السوداء التي فتحت الأبواب على توريد تلك المساحيق والسماح بادخالها إلى أسواق القارة السوداء.

في واقع الأمر، الذين يستحقون اللوم هم بعضنا نحن الرِّجَال الذين نعرف أن تلك المساحيق ضارة، ونعلم أنها بمثابة سلاح فتاك صُنِع خصيصاً ضد بشرتنا السوداء في نساءنا، ورغم علمنا نحن ساكتون. وأحياناً نشجع استخدامها بميولنا نحو النساء ذوات البشرة الفاتحة وأهمال السوداوات. لا عيب في الأمر إن كنا نختار نساء فاتحات البشرة طبيعياً، لكن equilibrium التوازن مهم أيضاً لأنه قانون الطبيعة.

من الذي علمنا أن نكره لوننا الأسود نساءً ورجالاً؟ كيف قبلنا أن نكره أنفسنا؟ كل البشرية على اختلاف ألوانها فخورة بلون بشرتها إلا الجنس الأسود، ماذا أصابنا بالضبط؟

رغم أن هناك حملات ضد استخدام المساحيق من وقت إلى آخر، إلا أن تلك الحملات لا تفلح في تحقيق غرضها النهائي. ينبغي أن تكون الحملات المضادة للمساحيق مستمرة. ينبغي وصم استخدام المساحيق بالعار مثلما تم وصم مرض الأيدز في التسعينات بالعار. ولا ينبغي أن يقف الأمر في وصمها فحسب، بل ينبغي إيقاف توريدها نهائياً.

قبل خمس أو ست سنوات، كانت ملكة جمال جبال النوبة، نتالينا يعقوب، قد بدأت حملاتها ضد استخدام المساحيق في السُّودان. وكان المنهج الذي اتبعته في ذلك جميل جداً. كانت تحث النساء السوداوات على حب الذات وحب اللون الأسود وعدم النظر إلى أنفسهن بالدونية وتقبيح أنفسهن على حساب البشرات الأُخرى.

دعت نتالينا النساء إلى التمسك بالجمال الطبيعي، وفكت الرباط بين الجمال وطول الشعر الصناعي. فكت الرباط بين الجمال والبشرة الفاتحة. فكت الرباط بين الجمال ومحاربة اللون الأسود باسم التجمل. ودعت المرأة السُّودانية في كامل أرض السُّودان إلى الاقتناع بنفسها وتكون لديها القناعة بحقيقتها، والثبات على فكرة أن السواد جمالٌ لا يضاهيه جمال في الأرض.

التحية للملكة نتالينا يعقوب حيثما تكون. والتحية لكل امرأة لا تستخدم المساحيق ضد جمالها. والتحية للتي استخدمتها فيما مضى واستجابت لصوت العقل وتخلت عنها نهائياً. التحية لملكة جمال شلو في مصر مونيكا جوزيف أجانق التي تدعو النساء إلى التسمك بالجمال الطبيعي، وقد جعلتها واحدة من أهدافٍ التي تسعى إلى تحقيق إيقافها عبر التوعية.

السواد جمال .. نحن لسنا (سمر) كما في مسمى القارة السمراء أو مناداتنا بالسمارة في مصر. ولسنا (زرق) كما في مسمى السلطنة الزرقاء أو كما حاول الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني وصفنا في العام ٢٠٢٠م .. نحن سود كما في حضارة كوش السُّودانية .. نحن سود كمان في حضارة وادي النيل السوداء.

إن الذي علمنا أن السواد هو قبح أو نقص أو تأخر أو دونية، مجرم بلا شك. الذي علمنا أن اللون الأسود يجب أن يتم تغييره بالمساحيق مجرم بلا شك.

كيف يكون السواد قبحاً وها هي عارضة الأزياء السوداء نياكيم قاتويش تتربع على عرش الجمال عالمياً؟

كيف يكون اللون الأسود عيباً وها هي عارضة الأزياء السوداء أدوت أكيج ملكة الجمال على رأس العالم المتحضر بأسره؟

كيف يكون لوننا الجميل عاراً وقد كانت أليك ويك في التسعينات عارضة أزياء تنافست على جمالها الشركات في كسبها لعرض أزيائها ظاهرياً، لكنها كانت تعرض جمال لوننا الأسود في حقيقة الأمر؟

أيتها المرأة السوداء، أنتِ جميلة وجمالك في سوادك. كوني واثقة في نفسكِ ولا تستجيبي لحملات الكره ضد بشرتك ولا تفسدي جمالك بمالك. قاطعي منتجات تبييض البشرة، أجعلي تسويقها أمرٌ مستحيل بقرارك.

لم يُخطئ خالقك حين كساكِ بالبشرة السوداء. كوني قنوعة بخطة الخالق، وأرفضي فكرة الإنسان السلبي.

دعيني الآن أختم كلمتي بهذه العبارة: السواد جمال Black is beauty

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى