إقتصاد

كيف تخرب القبلية الإقتصاد؟

 

مأمون حاتم الفنوب يكتب:

ما زال السودان يعاني منذ اكثر من عام من حرب كارثية ، قتلت عشرات الألاف  ، وهجرت الملايين ، ودمرت البنية التحتية للبلد ، غير ان إحدى أخطر إفرازات هذه الحرب عودة القبلية بقوة إلى الحياة العامة في خطوة كبيرة الى الوراء.

عند الحديث عن أضرار تفشى القبلية (أو أي شكل من أشكال التحزب على أساس آخر يضر بالهوية القومية للبلد) فلا يمكن حصر هذه الأضرار في مقال واحد. غير أننا  في هذا المقال سنتناول الاثار السالبة للقبلية من منظور اقتصادي.

لعل اوضح الاثار السالبة للقبلية هو غياب البيئة الآمنة للاستثمار ، حيث سرعان ما تؤدي القبلية إلى مطالبة كل قبيلة بمنطقة ما او مساحة من الارض ، تصنع فيها دولة داخل الدولة مما يجعل المستثمر مضطرا للتعامل ليس فقط مع الأجهزة الرسمية للدولة ( وهي مهمة ليست سهلة في السودان ) وانما ايضا مع القادة القبليين والأهليين ، غالبا ما يفرز هذا التعامل أعباءا مادية تكون كفيلة بتنفير هذا المستثمر، والقناعه بالإحجام عن الاستثمار بسبب إضعاف الجدوى الإقتصادية مقارنة بالمخاطرة.

كما تؤدي القبلية إلى صعوبة تبني سياسة متكاملةللاستثمار من قبل الدولة ، والسبب في ذلك هو تجاهل أومعارضة القادة المحليين لاي سياسيات مركزية تتبناها الدولة ، طبعا يخلق هذا بيئة معقدة يصعب فيها إنشاء مشاريع بنية تحتية عابرة بين الولايات مثل الطرق والسكك الحديدية وشبكات الكهرباء.

كذلك تؤدي القبلية إلى ضعف او غياب الامن خاصة في المناطق البعيدة عن المراكز الحضرية بسبب انتشارالمليشيات المسلحة التي كثيرا ما تكون مصاحبة لهذه الظاهرة ، ولا حاجة للقول أن رأس المال جبان.

لا يقتصر تأثير القبلية على المستثمرين بشكل مباشر ، بل ايضا تؤثر القبلية بشكل غير مباشر من خلال تشجيع المحاصصة في مؤسسات الدولة فتصبح كل مؤسسة او وزارة تابعة لقبيلة او منطقة بعينها ( كان هذا الوضع موجودا قبل الحرب لكن سيزيد بعدها إذا بقيت الأمور على وضعها الحالي) ، وغالبا ما يكون التنافس هو اساس العلاقة بين هذه الوزارات والمؤسسات بدلا من التكامل لوضع سياسات اقتصادية شاملة.

من ناحية اخرى تؤدي المحاصصة في المؤسسات إلى زيادة الفساد ، والسبب في ذلك أن المحاصصة بدلا من تداول السلطة والمناصب تؤدي إلى غياب الرقابة ( الجميع في مركب السلطة ولا يوجد من يقوم بالرقابة )

أيضا تؤدي القبلية إلى تقديم الولاء القبلي على الكفاءة مما يزيد من تدهور الاداء الحكومي وضعف البنية المؤسسية.

من منظور سياسي تقود القبلية إلى عدم الإستقرار السياسي بسبب أن ممارسة السياسة تكون على أساس القبيلة أو الطائفة الدينينة وليس على أساس البرنامج السياسي ، مما يؤدي إلى ضعف البرامج السياسية (إن وجدت) بسبب ضعف الحافز لإنتاجها ، ويصبح الإستقطاب الذي يقود إلى عدم الإستقرار السياسي وغالبا ما يتبعه الأمني أسهل.

اخيرا اود الإشارة إلى ان بناء مؤسسات قوية هو الاساس لاي تنمية اقتصادية ، حيث تكون المؤسسات القوية والمستقرة العقل المحرك لعوامل التنمية الإقتصادية الأخرى ، وبالطبع يستحيل هذا البناء مع تفشي القبلية والتحزب الجهوي. ولعل افضل علاج للقبلية هو تبني الخطاب الوطني أو القومي من قبل العاملين في الشأن العام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى