لماذا نجحت اليابان وفشلت افغانستان 1

مامون حاتم الفنوب يكتب:
في اواخر عام ٢٠٠١ م تمكنت الولايات المتحدة بمساعدة ما يعرف بتحالف الشمال في افغان ستان من اسقاط حكم طالبان لتبدا بذلك تجربة فاشلة من الاحتلال الامريكي لافغان ستان استمرت حوالي عشرين عاما. وبمجرد خروج الولايات المتحدة في اغسطس من العام ٢٠٢٢ م عادت طالبان الحكم ، وظل البلد في التخلف العلمي والاقتصادي والعزلة الدولية التي كان عليها قبل غزو الولايات المتحدة.
وفي نموذج اخر اقدمت امبراطورية اليابان على الاستسلام للولايات المتحدة في اغسطس من العام ١٩٤٥ م ، وذلك نتيجة لخشية النظام الحاكم في اليابان من الاجتياح السوفيتي وليس بسبب استخدام القنبلة الذرية كما هو شائع لدى الجميع لتنتهي بذلك الحرب العالمية الثانية اكثر الحروب دموية في التاريخ البشري. ورغم وقوع اليابان ايضا تحت الاحتلال الامريكي الا ان مصيرها كان مختلفا تماما عن افغان ستان حيث تعد ثالث اقتصاد في العالم اليوم ، وهذا يفند نظرية ان الاحتلال الامريكي لافغان ستان هو السبب في تخلف ذلك البلد. حيث كان من اقل بلدان العالم تقدما حتى قبل الاحتلال . في هذا المقال والمقال الذي يليه سنحاول الاجابة على السؤال لماذا نجحت اليابان وفشلت افغان ستان ؟ ( ستكون البداية بتجربة اليابان ) وكيف يمكن للسودان ان يتعلم من هاتين التجربتين ، وسنرى ان بناء العنصر البشري الذي تحدثنا عنه في المقال السابق كان السبب الحاسم في احداث هذا الاختلاف.
اليابان نهضة بدات مبكرا:
في اوائل القرن السابع عشر دخلت اليابان ما يعرف بمرحلة العزلة حيث قطعت علاقتها بالعالم الخارجي ، اتسمت هذه الفترة بكثرة الصراعات الداخلية بين المقاطعات المختلفة .
في العام ١٨٥٣ م ارسلت الولايات المتحدة ٤ سفن الى الشواطئ اليابانية تحمل انذارا يطالب بانهاء سياسية العزلة المتبعة لحوالي مائتي عام وفتح البلاد للتجارة او مواجهة العواقب . ورغم الشعور بالاذلال لدى الطبقة الحاكمة في اليابان الا ان القرار اتخذ بانفتاح البلاد نحو العالم الخارجي ، كما اتخذ حكام اليابان قرارا سيغير مصير البلاد الى الابد وهو مواكبة التقدم التكنلوجي للحضارة الغربية ، لتنفيذ ذلك جلب اليابانيون الاف الخبراء والمستشارين والمعلمين في مختلف انواع العلوم ، ونجح اليابانيون في نقل ما حققته الحضارة الغربية خلال قرون في ثلاثة عقود فقط. حيث تم انشاء العديد من الطرق وخطوط السكك الحديدية والتلغراف وتوطين العديد من الصناعات .وقد ساعد الاستقرار السياسي الذي كانت تشهده البلاد وعدم وجود نزاعات لدى الساسة ( كما هو الحال في السودان اليوم ) في هذه الفترة على تحقيق تلك الطفرة العلمية والاقتصادية.
في مطلع القرن العشرين خاضت اليابان العديد من الحروب مع روسيا والصين واخيرا دخلت الحرب العالمية الثانية ضد الولايات المتحدة الامريكية والتي انتهت بهزيمة اليابان وتدمير البلاد وموت حوالي ٣ ملايين ياباني خلال فترة الحرب واخيرا سقوط اليابان نفسها تحت الاحتلال الامريكي.
ورغم الاخطاء التي ارتكبها المحتل الامريكي بل والحكومات الوطنية تمكنت اليابان من بناء ثاني اقتصاد في العالم ( في القرن العشرين ) خلال عقود بسيطة ، والسبب في ذلك ان اليابان لم تبدا من الصفر كما يوحي ذكر انها دمرت بعد الحرب ، فرغم الدمار الكبير في البنية الصناعية للبلد ( الحجر ) الا ان راس المال البشري المتمثل في العمالة عالية التدريب ظل موجودا وشكل راس الحربة في بناء اقتصاد اليابان بعد الحرب. ولعل هذا يشكل دليلا قاطعا على ان الاستثمار في البشر افضل من الاستثمار في الحجر كما تحدثنا عن ذلك سابقا.
عند مقارنة تجربة اليابان بالسودان نجد ان هناك العديد من الاختلافات بين البلدين يجب مراعاتها ، فرغم ان تاهيل البشر يجب فعله في الحالتين الا انه يجب مراعاة بعض الجوانب منها ان اليابان كبلد اقدم بكثير من السودان بحدوده الحالية التي نشات عام ١٨٧٤ م بعد ضم اقليم دارفور كاخر الاقاليم انضماما الى السودان.
ايضا تتسم الاقاليم السودانية بتباين ثقافي ومناخي ولغوي وعرقي يجعل الحكم المركزي ووضع خطط مركزية امرا في غاية الصعوبة ، وهذا يضع البلاد امام خيار الحكم اللامركزي ومنح سلطات واسعة للاقاليم ، على ان يضع كل اقليم خطط التنمية الخاصة به مع درجة من التنسيق مع الاقاليم الاخرى.
ايضا من الاختلافات الكبيرة بين السودان ودول جنوب وشرق اسيا بشكل عام بما في ذلك اليابان هو استقرار الحكم النسبي في هذه البلدان ، لذلك تمكنت بدرجات متفاوتة من النجاح من تحقيق الازدهار العلمي والاقتصادي الذي حققه الغرب في قرون في عقود قليلة، و لم تمر ( مع استثناءات قليلة) بنفس الاضطرابات والثورات التي حدثت في باقي اجزاء العالم مثل الثورة الفرنسية والواقع ان سبب هذا الاستقرار السياسي النسبي ليس مقارنة فقط بالسودان وانما ببقية دول العالم هو محل بحث في مجال العلوم الاجتماعية والسياسية لانه حسب تقديري اهم اسباب نجاح هذه البلدان.
في المقال التالي سنتحدث عن النموذج الافغاني
الذي كان ايضا تحت الاحتلال الامريكي وكيف انه انتهى الى نتيجة مختلفة تماما واسباب ذلك .