إقتصاد

الأزدهار الغائب البنية التحتية ومصيدة الديون ( 2 من 2 )


بقلم / مامون حاتم الفنوب 

بكالريوس ادارة أعمال ، جامعة الخرطوم

في الحلقة السابقة تطرقنا الى اهمية البنية التحتية كعامل مساعد على الانتاج. كما ذكرنا ان مشاريع البنية التحتية غالبا ما تكون ذات تكلفة مرتفعة لا يقدر القطاع الخاص على المساهمة في تمويلها خاصة في الدول الفقيرة. وهذا يعني ضمنيا ايلولة تنفيذ وادارة هذه المشاريع الى الدولة . لكن حتى الدولة تفشل في التمويل دون اللجوء للمنح والقروض. والتي كثيرا ما توقع الدول في دوامة من الديون يمكن ان تستمر لعشرات السنين كما هو الحال مع السودان.
في هذا المقال سنحاول الاجابة على الاسئلة التالية: ماهي افضل الطرق لتمويل البنية التحتية ؟ ولماذا تقع اغلب الدول الفقيرة في فخ الديون عند تمويل هذه المشاريع ؟ وكيف يمكن تقليل خطر هذه الديون؟
يمكن القول إن الوضع المثالي في تمويل مشاريع البنية التحتية هو الاعتماد على الموارد الذاتية للدولة مثل الضرائب ،ولكن يعاب على هذا النوع من الموارد ان اجزءا كبيرا منها يتم توجيهه لدفع التكاليف الادارية للدولة مثل مرتبات موظفي القطاع العام، خصوصا مع الترهل الاداري والفساد المالي في معظم الدول الفقيرة ، وبالتالي لا يوجد فائض لتمويل مشاريع البنية التحتية ، لذلك تلجا معظم الدول للقروض لتمويل هذه المشاريع. هناك سبب اخر للجوء الدول للقروض لتمويل مشاريع البنية التحتية وهو اختصار الوقت ، فعلى سبيل المثال اذا احتاج تمويل طريق من منطقة لاخرى ١٠٠ مليون دولار وكان الفائض السنوي لدى الدولة حوالي ٢٠ مليون دولار ، فإن الخيار السليم هو اخذ قرض طويل الاجل وتنفيذ الطريق فورا بدلا من الانتظار لخمس سنوات. لذلك يمكننا اختصار القول بان الدولة تلجا للقروض لسببين اساسيين هما شح الموارد وكسب الوقت.

المنظور السياسي وليس الاقتصادي
مما سبق يتضح لنا انه في حال تخطيط الدولة جيدا لا يشكل الاعتماد على القروض مشكلة ، بل يساهم في توفير الوقت وبالتالي تسريع وتيرة النمو الاقتصادي. لكن في الواقع ، كثيرا ما تاخذ الدولة قروضا بغرض تشييد مشاريع لكنها تتعثر في سداد هذه القروض. ويرجع هذا في تقديري الى عدم وجود خطة واضحة للسداد منذ ابداية ، واعتماد التعامل بنظرية ( رزق اليوم باليوم) والنظر الى هذه المشاريع بمنظور سياسي بدلا من النظر الى مردودها الاقتصادي.
لكن قبل كل ما سبق يتضح لنا عدم فهم ان دور مشاريع البنية التحتية هو المساعدة على الانتاج مثل انشاء طريق يربط بين منطقة ما واقرب مدينة لهذه المنطقة لجعل نقل المنتجات سريعا وميسورا. ومن ثم توسيع المظلة الضريبية نتيجة الازدهار المتوقع في هذه المنطقة واستخدام هذه الضرائب لسداد القرض. بدلا من ذلك نجد الدولة تقوم بانشاء مشاريع ذات طابع سياسي وتديرها بشكل مباشر وغالبا تفتقر هذه الادارة للكفاءة ، لذلك ينهار المشروع بعد سنوات قليلة ولا يبقى منه الا القرض والذي تتحمل الاجيال اللاحقة تسديده. لعل المشاريع التي جرى انشاؤها في السبعينات في زمن الرئيس الأسبق جعفر نميري من اوضح الامثلة على ذلك. مثل مصنع البان بابانوسة.
من ناحية اخرى تستخدم القروض لدعم السلع الاساسية مرة اخرى بغرض الكسب السياسي وارضاء سكان المدن الذين يحسب لهم الحاكم الف حساب. بالطبع يتم هدر القروض المستجلبة من الخارج دون جدوى . لذلك نجد ان الجهات المقرضة تشترط الغاء دعم السلع قبل منح اي قروض جديدة.

مقولات شائعة
من المقولات الشائعة في السياسة السودانية ( مافي حكومة بدخولها السجن) وتقال هذه المقولة لتبرير اخذ القروض دون وجود خطة للسداد. والواقع ان الحكومات تدخل عدة سجون منها سجن عدم ايجاد مقرضين جدد وبالتالي تضييع فرصة اخذ قروض جديدة وتوجيهها في مسارها السليم ، كما تتعرض الدولة الى عقوبات بسبب التأخر في سداد القروض، كما يمكن ان تستخدم هذه القروض كوسيلة ضغط للتدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية للدولة بذريعة حماية اموال المقرضين.
اخيرا تجدر الاشارة الى ان المؤسسات المالية الدولية لها مصلحة في فشل الدول في سداد القروض ، وذلك كي تقوم باخذ قروض جديدة لسداد القديمة وبالتالي تتراكم الفوائد ويزداد اصل الدين.

الهروب من المصيدة
على الرغم من اخفاق معظم الدول الفقيرة في تجنب مصيدة القروض الا ان هناك امثلة لدول نجحت في انشاء مشاريع البنية التحتية الخاصة بها دون الوقوع في هذه المصيدة ، ولعل النمور الاسيوية خير مثال على ذلك ، وفي تقديري يمكن تجنب مصيدة القروض بعدة طرق منها: تجنب الاقتراض او الحد منه على الاقل ، دراسة المشاريع جيدا قبل اخذ القروض لتنفيذها واخيرا ايجاد صيغ اخرى لتمويل مشاريع البنية التحتية عدا القروض.
لعل افضل الطرق لتجنب مصيدة القروض تكمن في الحد من الاقتراض من الاساس وذلك من خلال الفعالية في ادارة ايرادات الدولة وهذا بدوره يمكن تحقيقه من خلال تجنب الترهل الاداري وايجاد اليات للحد من الفساد المالي.
من ناحية اخرى يجب زيادة موارد الدولة بطريقة مدروسة لا تؤدي الى شل النشاط الاقتصادي كما يحدث في السودان. حاليا
عند اخذ القروض لتمويل مشاريع البنية التحتية يجب ان تكون لدى الجهة التي اخذت هذا القرض فكرة واضحة عن كيفية سداد هذه القروض حتى لا تتراكم الفوائد ويتضخم المبلغ المستحق السداد . مثلا في حال استخدام القرض في انشاء محطة للكهرباء يجب سداد القرض من فائض ايرادات المحطة بعد سداد التكاليف، غير ان ضعف الحس التجاري لدى العاملين في القطاع العام وغياب مفاهيم بسيطة مثل وجوب ان تغطي النفقات الايرادات من جهة والرغبة في الكسب السياسي والاجتماعي السريع من جهة اخرى يحول دون هذا الامر.

نظام البوت
اخيرا يمكن للدولة ايجاد طرق لتمويل مشاريع البنية التحتية دون اللجوء للقروض ، ولعل ابرز هذه الطرق نظام البوت وفيه تقوم جهة ما بانشاء مشروع مثلا محطة للمياه ومن ثم تقوم بادارة هذا المشروع حتى تسترد اموالها اضافة الى هامش ربح مرضي بالنسبة لها ، وبعد ذلك تنقل ملكية المشروع الحكومة . و لتطبيق هذه الطريقة ، هناك شروط يجب توفرها واهمها سيادة حكم القانون في الدولة حتى تكون امنة في نظر المستثمرين ، وهذا مع الاسف غير متوفر الان في السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى