التعليم والتقدم الاقتصادي اي علاقة !!! (1)

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم
يكرر الساسة والمهتمون بالشأن العام بشكل مستمر عن زيادة الانتاج كوسيلة للاصلاح الاقتصادي ، غير أن معظمهم لا يتحدث عن كيفية تحقيق ذلك ، قلت في مقال سابق أن زيادة الانتاج تكون من خلال أربعة عناصر رئيسية هي: الاصلاح الحكومي ، التعليم ، الاهتمام بالبنية التحتية واخيرا ازالة العقبات امام الاستثمار.
في سلسلة مقالات سابقة عن الاصلاح الاقتصادي تحدثنا عن الإصلاح الحكومي وأهميته لزيادة الانتاج. أما في هذه السلسلة من المقالات سأتناول فيها اهمية التعليم واثر ضعفه علي الاقتصاد وسأخصص مقال عن تاريخ التعليم في السودان بالتركيز علي ازمة المتعلم السوداني وفي مقال ثالث وأخير سأتناول ما يعرف بثورة التعليم العالي واقتصاديات التعليم.
أثر التعليم على الاقتصاد
لعل اوضح اثر للتعليم يكمن في زيادة انتاجية الفرد بسبب المعارف التي اكتسبها، فالناظر الي دول العالم المختلفة يجد عددا مقدرا من الدول الغنية اقتصاديا لا تملك الموارد الطبيعية الكافية لتحقيق النجاح الاقتصادي، لكن هذه الدول ادركت اهمية التعليم ، لذلك استثمرت فيه جزءا مقدرا من ميزانياتها تجاوز في بعض الاحيان ١٥٪ وربما اكثر و كانت النتيجة تطورا في التعليم ، و بالتالي زيادة انتاجية الفرد ومن ثم الازدهار الاقتصادي، وهنالك العديد من الامثلة علي ذلك اخرها فيتنام.
اذا نظرنا للسودان فنجد ان التعليم في ذيل اهتمامات حكام البلاد مدنين كانوا او عسكريين ، حيث ان مخصصات التعليم والصحة دائما كانت اقل من مخصصات الأمن والدفاع ، بالطبع انتج هذا وضعا تعليميا مزريا.
أدي عدم الانفاق الكافي علي التعليم الي تدني الانتاجية في القطاعات الاقتصادية المختلفة ففي القطاع الزراعي على سبيل المثال ادى غياب التعليم الكافي لكيفية زراعة المحاصيل المختلفة الى تدني الانتاجية وارتفاع التكلفة وبالتالي ضغف القدرة على المنافسة في الاسواق العالمية ، و كثيرا ما يفشل صغار المستثمرين في القطاع الزراعي بسبب افتقارهم للمعرفة اللازمة بكيفية زراعة محصول ما. فعلى سبيل المثال يقوم هذا المستثمر بزراعة البرتقال في تربة لا تتناسب معه ويقوم بانتظار المحصول لعدة سنوات يستنفذ خلالها مدخراته في رعاية اشجار البرتقال غير المنتجة، و تكون النتيجة فشل مشروعه وضياع مدخراته . وايضا بث الاحباط في المجتمع بسبب حديثه عن تجربته الفاشلة التي كلفته شقى عمره.
ايضا يؤدي ضعف انتشار التعليم الي تصدير المواد الخام بدلا من المنتجات الجاهزة ،وبالتالي تضييع القيمة المضافة التي كان من الممكن أن يجلبها تصنيع أو معالجة هذه المواد الخام، من امثلة ذلك تصدير الحبوب الزيتية مثل القول والسمسم بشكل خام بدلا من تصدير منتجاتها، والجدير بالذكر أن العالم تطور بحيث لم تعد المصانع الكبيرة امرا ضروريا ، حيث توجد في دول جنوب اسيا ماكينات بسعات صغيرة لعصر هذه الحبوب يمكن أن تمول عن طريق التمويل الاصغر للأسر، بالطبع جلب هذه الماكينات دون التدريب و التاهيل الكافي للمستخدم سيؤدي الي فشل المشروع وتعثر المقترض مع الجهة الممولة مما ينتج مشاكل اقتصادية واجتماعية، ومرة اخري تبرز اهمية التعليم.
بث روح المواطنة
ايضا التعليم مهم في بث روح المواطنة والهوية القومية وتغليبها على القبلية والجهوية ، وهذا له اثر ايجابي من النواحي السياسية والامنية والاقتصادية. فمن الناحية السياسية ستتحول الاحزاب السياسية من احزاب طائفية اشبه بالاسر المالكة حيث تكون قيادة الحزب فيها بالوراثة وهو حال ابرز الاحزاب الان الي احزاب حديثة تجري انتخابات داخلية دورية لاختيار قادتها وذلك بناءا علي جدارتهم وليس نسبهم ، اما على صعيد الناخبين فسيكون تركيز الناخب منصبا على البرنامج الانتخابي للحزب او للاشخاص المرشحين وليس بناءا علي نسب المرشح او طائفته.
من ناحية اخرى تستفيد الدولة من انتشار التعليم في انهاء الترضيات الجهوية والقبيلة ، فمنذ الاستقلال كانت الدولة مضطرة لتقديم مناصب دستورية مثل عضوية البرلمان ومناصب مستشارين وغيرها من اشكال الترضيات للزعماء الدينين والقبليين. طبعا ادى هذا الى اضعاف الدور الحقيقي لهذه المؤسسات فالبرلمان تحول الى جسم صوري بدلا من دوره الحقيقي في التشريع والرقابة ، والسبب في ذلك افتقار اعضاءه المهارات اللازمة للقيام بهذا الدور ،حيث يفتقر معظمهم التعليم والتاهيل الكافي.
المتاجرة بقضايا الاقتصاد
ايضا ادي ضعف التعليم الي متاجرة عدد مقدر من الساسة بقضايا الاقتصاد ، حيث صارت المتاجرة بفقر الانسان السوداني من خلال ما يعرف بخطاب المواطن الذي تبنته معظم الاحزاب السودانية من اليمين الى اليسار رغم طابعه اليساري سلوكا سائدا لتحقيق الكسب السياسي السريع، ولعل ابرز سماته النظر الي الحكومة كمعيل للشعب وليس كمسهل للانتاج. وقد ساهم غياب التعليم الجيد في اساسيات علم الاقتصاد في انتشار هذا الخطاب والكوارث الاقتصادية التي جلبها مثل الدعم العشوائي للسلع وشركات القطاع العام سيئة الادارة .
ايضا يساهم التعليم في انتشار الامن ذلك لان الانسان المتعلم بشكل عام اقل اثارة للمشاكل من الانسان غير المتعلم ، ولعل ذلك يرجع للوازع الاخلاقي والديني الذي يسببه التعليم، و ايضا لادراك الانسان لعواقب افعاله ، بالطبع يعد الامن اساسيا في زيادة الانتاج ، حيث نجد العديد من المناطق الغنية بالموارد خارجة من دائرة الاستثمار وبالتالي الانتاج بسبب غياب او ضعف الامن والجدير بالذكر ان نفس هذه المناطق تعاني من غياب او ضعف التعليم.
كل ما سبق يمثل جانبا من اهمية التعليم ونتائج غياب التعليم الجيد في السودان ، ويمكن القول ان التعليم هو الاساس لاستغلال الموارد الطبيعية لاي دولة وبغيابه يكون الفقر مصير هذه الدولة مهما كان ما تملكه من موارد.