إقتصاد

التعليم والتقدم الاقتصادي اي علاقة !!! الحلقة الثانية المتعلمون هم المسؤولون عن افساد البلاد

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم

يمكن المجادلة بأن التعليم اهم من وجود الموارد الطبيعية، فانسان الكهف كان يعيش في مناطق تحظى بموارد طبيعية اكثر من وقتنا الراهن الا انه كان افقر بكثير من الانسان المعاصر، وهناك العديد من الامثلة لدول نهضت بالتعليم دون امتلاك الكثير من الموارد الطبيعية. ودول اخرى منها السودان ظلت ترزح تحت وطأة الفقر وعدم التقدم رغم غناها بالموارد الطبيعية، وفي تقديري يمكن القول إن غياب التعليم الضروري من اهم اسباب عدم التمكن من استغلال هذه الموارد بفعالية.
وفي هذا المقال الثاني ضمن مقالات التعليم سنتحدث عن وضع التعليم في السودان منذ الاستقلال بالتركيز على سلوك المتعلم السوداني من ابناء المدن واثر هذا السلوك على الاقتصاد حتى اليوم.
عندما نال السودان استقلاله في العام ١٩٥٦م كان التعليم النظامي الحديث حكرا على ابناء المدن الكبيرة مثل العاصمة الخرطوم . حيث احتاج المستعمر لحفنة من ابناء البلد ليشغلوا الوظائف الدنيا والوسيطة . لذلك قام بانشاء بعض المؤسسات التعليمية مثل كلية غردون التذكارية التي تحولت فيما بعد لجامعة الخرطوم لتحقيق هذا الغرض. استمر هذا الوضع حتى حقبة الثلاثينات من القرن الماضي حيث بدا في هذه الفترة نوع من التمرد الحذر من هؤلاء المتعلمين . الذين ارادوا زيادة مكاسبهم في ادارة الدولة دون ان يدخلوا في مواجهة مباشرة مع المستعمر الذي منحهم هذه الامتيازات من الاساس. غير ان الظروف التاريخية ساعدتهم وذلك باندلاع الحرب العالمية الثانية التي انهكت الدول الاوروبية حتى المنتصرة منها ، وخرجت بريطانيا منها بوضع مالي مزري وبنية تحتية مدمرة ، كما شهدت هذه الفترة ظهور حركات تحرر في مستعمرات بريطانيا المختلفة مثل غاندي في الهند ، ونتيجة لهذين السببين شرعت بريطانيا منذ نهاية الاربعينات في الخروج من مستعمراتها المختلفة وكان السودان ضمن هذه المستعمرات .
وجد متعلموا السودان أنفسهم في الصف الاول . وفي تقديري لم يجد هؤلاء المتعلمون والذين أصبحوا حكاما بحيث يمجدهم التاريخ ، في الصفون الأولى دون سبب وجيه ، فقد قيل ( إنهم اخرجوا المستعمر من البلاد ) رغم ان خروج المستعمر كان أمرا حتميا ومرتبا حسب الوضع السائد في مختلف المستعمرات في تلك الفترة بقدر التحدي والمسؤولية. وذلك للاتي:
اولا : كان تدريب هؤلاء موجها للوظائف الادارية الدنيا والوسيطة ، ولم يكونوا مؤهلين لادارة البلاد ، وبدلا من الاعتراف بهذا القصور وحل هذه المشكلة بالاستعانة بخبرات من الانجليز او حتى غيرهم لادارة البلاد حتى يتم تاهيل افراد قادرين فعلا على ادارة البلاد تكالب هؤلاء على المناصب ودخلوا في صراع سرعان ما انتهى بتسليم فريق منهم السلطة للجيش لتبدا حلقة مفرغة من الانقلابات والحكم المدني ظلت البلاد تعاني منها حتى اليوم.
ثانيا : قام هؤلاء المتعلمون بتسخير امكانات البلاد لرفاهية سكان المدن والطبقة المتعلمة على حساب انسان الريف المنتج الذي يستحق المساعدة والتشجيع من خلال تعليمه وتدريبه لزيادة قدرته على الانتاج ، وانشاء مشاريع البنية التحتية والمحافظة عليها خصوصا الكهرباء الضرورية للانتاج والسكك الحديدية الضرورية لنقل هذا الانتاج الي موانيء التصدير بتكلفة اقتصادية تجعله قادرا على المنافسة في الاسواق العالمية. بدلا من القيام بما سبق صار هؤلاء المتعلمون يشترون المحصول من المنتج الفقير غير المتعلم باسعار غير منصفة ويبيعونه في الاسواق العالمية باسعاره الحقيقية ، ويمكن القول ان هذه السياسات لم تكن انانية فقط بل ايضا قصيرة النظر. وهي اشبه بشخص يعهد اليه بادارة دكانة في احدى الاسواق وهو انسان واسع الذمة ، لذلك يقوم بسرقة هذه الدكانة لكن بطريقة خرقاء تؤدي الى فضحه بعد افلاس الدكانة . هذا بالضبط ما حدث اذ سرعان ما انهار القطاع الإنتاجي واتى المزارعون الى المدن ليعملوا في وظائف هامشية تقيهم الجوع وذل السؤال. لكن ايضا فقد متعلمو المدن وضعهم المميز الذي حظوا به في الخمسينات والستينات بعد ان ذبحوا الدجاجة التي تبيض ذهبا ، ورغم ذلك ظلوا يتباكون عليه بكل وقاحة حتى يومنا هذا.
نتيجة للفشل في الملفين السياسي والاقتصادي افتقرت البلاد وظهر جيل جديد من المتعلمين من حملة الشهادات العليا ووجدوا انفسهم في وضع لا يحسدون عليه ، فالتعليم الذي تلقوه لم يصمم لتلبية احتياجات السوق مع وجود الكثير من حملة الشهادات العليا المصممة للوظائف الادارية مع غياب واضح للتعليم الفني الضروري لعملية الانتاج نفسها ، لذلك سرعان ما وجد الكثير من حملة الشهادات انفسهم عاطلين عن العمل مما اضطرهم للهجرة . ولعل السؤال الذي يبرز لماذا لا توجد مراكز تدريب كافية في المجال الفني والحرفي . ولعل السبب يكمن في سببين اولهما ان النخب المتعلمة كانت بعيدة عن الانتاج ومناطق الانتاج لذلك لم تحتك بمشاكل الانتاج اليومية وهذا ادى الى عدم وضع هذه المشاكل في الاعتبار عند وضع نظام التعليم. اما السبب الثاني فهو شعور النخب المتعلمة بالدونية بسبب عملهم تحت الانجليز لفترة طويلة ، لذلك وضعوا نظام تعليم يمنح الدرجات العليا مثل البكالوريوس والماجستير والدكتوراة كنوع من التعويض النفسي مع تجاهل التعليم الفني. وبلغ هذا الخلل اوجه في فترة النظام السابق الذي طالما افتخر بانشاء العديد من الجامعات التي اتسمت بالجودة المنخفضة للتعليم بسبب غياب التمويل الكافي ، واخطر مافي هذه الظاهرة انتاج عدد من حملة الشهادات بتعليم رديء مما اضر بسوق العمل فتجد المحاسب يضيع الاموال والطبيب لا يشفي الامراض وغيرها من الامثلة.
اخيرا تجدر الاشارة الى وجود ازمة بين حملة الشهادات من جهة والمنتجين الذين لا يحملون شهادات عليا من جهة أخرى مثل المزارعين والصناع والتجار وغيرهم، فحملة الشهادات ينظرون الى هؤلاء خاصة الاغنياء منهم بنظرة دونية لانهم لايملكون الشهادات. بينما ينظر هؤلاء المنتجون لحملة الشهادات على انهم افندية نضاف يعيشون في برج عاجي ولا يملكون تجارب حقيقية . انعكست ازمة الثقة هذه في عدم توظيف اصحاب الاعمال لهؤلاء مما ادى الي ضرر بالغ بالبلاد حيث حُرم المتعلمون من صقل شهاداتهم بالخبرة في القطاع الخاص لكن تلقفهم القطاع العام وصاروا بسبب عدم خبرتهم شوكة قي خاصرة الاقتصاد بدلا من اصلاحه ، اما اصحاب الاعمال فاتسمت اعمالهم بالعمر القصير وسوء الادارة خصوصا بعد نجاحها ، وذلك بسبب غياب فصل الملكية عن الادارة والذي غالبا ما يؤدي الى انهيار العمل بعد وفاة الجيل الاول الذي كان يتسم بالموهبة . نتج عن هذا الوضع الغريب ، هذه الفجوة بين المتعلمين وغير المتعلمين و أدى ذلك الى ضرر بالغ بالاقتصاد ، سنتحدث عنه بشيء من التفصيل في. الحلقة المقبلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى