الازدهار الغائب الرأسمالية ،،، هروب ام تهرب (3-3)

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم
تطرقنا في مقالات سابقة عن عوامل قد تسهم في زيادة الانتاج وهي: الاصلاح الحكومي والتعليم والبنية التحتية.
في هذا المقال سنتحدث عن عامل رابع واخير وهو جذب الاستثمار، حيث ان جذب الاستثمار يعتمد بشكل رئيسي على العوامل سابقة الذكر ، اضافة الى عوامل اخرى لا تقل اهمية مثل توفر الامن وسيادة القانون .
لماذا الاستثمار مهم؟
تكمن اهمية الاستثمار في توفير راس المال الضروري لاي نشاط اقتصادي، وذلك من اجل شراء المواد الخام ودفع اجور العمالة وقبل ذلك اقتناء وسائل الانتاج مثل المعدات
ماذا يريد المستثمر؟
في الواقع يرغب اي مستثمر سواء كان محليا او اجنبيا في تعظيم ثروته من خلال تحقيق عائد على استثماره ، وعادة ما يتحقق هذا العائد عندما تكون الايرادات اعلى من النفقات حيث ينتج عن ذلك ربح يضاف الى ثروة المستثمر.
ما علاقة العوامل سابقة الذكر بتحقيق هذا الهدف؟
لتحقيق هدفه يسعى المستثمر اما الى زيادة الايرادات او تقليص النفقات . والواقع ان العوامل سابقة الذكر تعمل على تحقيق احد هذين الهدفين او كلاهما في نفس الوقت. مثلا يساهم الجهاز الحكومي المتطور في تسهيل انشاء الاعمال ، كما يساهم في تبني سياسيات مستقرة ومشجعة على الاستثمار ، لتحقيق ذلك يجب ان يحتوي الجهاز الحكومي على كوادر قادرة على فهم هذا الامر جيدا. وهذا بدوره يتطلب توفر خلفية في ادارة الاعمال وحسا تجاريا ، غني عن القول ان هكذا كوادر يجب ان تحصل على رواتب مجزية لتكون الوظيفة الحكومية جاذبة لها. لكن مع الاسف نجد ان الواقع ابعد ما يكون عن ذلك فالموظف الحكومي السوداني صار مرتبطا بتعطيل العمل في معظم الاحوال احيانا للحصول على رشوة واحيانا اخرى لاثبات وجوده ، بالطبع نتج عن ذلك ان السودان صار مصنفا من الدول التي يصعب انشاء وادارة الاعمال فيها وبالتالي يضعف الاستثمار.
لماذا الكوادر المتعلمة مهمة للمستثمر؟
عند الحديث عن التعليم فالمستثمر يبحث عن كوادر متعلمة كي تعمل على انجاز العمل المطلوب على اكمل وجه. كما يبحث المستثمر عن كوادر منضبطة تسهل ادارتها . لكن واقع العامل السوداني ابعد ما يكون عن ذلك ، فالعامل السوداني سواء كان في الوظائف الادارية او التقنية يتصف مع الاسف بضعف الانتاجية نتيجة لعدم جودة التعليم وايضا لشبكة الحماية الاجتماعية التي تحدثت عنها سابقا ( مع وجود بعض الاستثناءات ) ، وبالنتيجة يؤثر هذا على طرفي معادلة الثروة سابقة الذكر ( الايرادات والنفقات ) على سبيل المثال يكون هناك هدر للمواد الخام بسبب ضعف تدريب العمالة وضعف دافع العمل لديها. غني عن القول ذكر انه لن يرغب اي مستثمر اجنبي في القدوم لتبديد امواله. وحسب تقديري لا يمكن تجاوز الوضع الحالي للعامل السوداني الا من خلال تحسين نوعية التعليم ، اما مظلة الحماية الاجتماعية الزائدة فهي في انحسار بسبب زحف الحياة المدنية التي تفاقم مسؤلية الفرد بحيث يجد نفسه بالكاد يغطي نفقاته هو ومن يعولهم بمعنى ان انتهاءها مسألة وقت لا اكثر.
هل البنية التحتية مهمة لجذب الاستثمار؟
عند الحديث عن البنية التحتية مثل الطرق وشبكة الكهرباء فهي ضرورية لاي مستثمر خاصة من اجل توفير النفقات. فعلى سبيل المثال يلغي استقرار الامداد الكهربائي الحاجة لتشغيل مواد خاص وما يصاحب ذلك من نفقات وقود وصيانة غالبا ما تكون اغلى من الكهرباء العامة. كما تساهم الطرق الجيدة في زيادة الايرادات وايضا توفير النفقات من خلال توفير الوقت على سبيل المثال. ومع الاهمية الشديدة للبنية التحتية الا انها في السودان حدث ولا حرج فالطرق قديمة ومليئة بالحفر والامداد الكهربائي غير مستقر مما يؤدي الى ضرورة جلب مولدات خاصة للمصانع وما يصاحب ذلك من اعباء مالية وادارية. تزيد تكلفة المنتج.
ما اهمية الامن وسيادة القانون؟
لا يمكن اقناع اي مستثمر بالقدوم الى بلد غير مستقر امنيا او سياسيا ، ببساطة لان هذا يعني تعريض امواله للنهب والضياع ، ولعل ابرز ما يبحث عنه اي مستثمر لتحقيق هذا الامر هو سيادة القانون الذي يحفظ له حقه. وعند الحديث عن هذه الامور في السودان تجد انها في أسوأ احوالها على سبيل المثال يقع جزء معتبر من الاراضي الزراعية في مناطق نزاعات. وحتى المناطق الخالية من النزاعات يتسم اهالي جزء مقدر منها بالعدائية اتجاه المستثمر ( محليا او اجنبيا ) وعدم احترام حقه وتشكيل ما يشبه الدولة الموازية: ولعل اوضح مثال على ذلك النزاعات في الاراضي الزراعية التي تمنحها الحكومة للمستثمرين ، فكثيرا ما يجد المستثمر نفسه في نزاع مع السكان المحليين بسبب عدم وضوح ملكية الارض الممنوحة له ، وكثيرا ما ينتهي الامر بهؤلاء المستثمرين بترك الاراضي الممنوحة اهم خوفا من ظهور نزاع على الارض بعد تعميرها وصرف الاموال في ذلك. وهناك نوع اخر من السكان المحليين الذين يطلبون اتاوة من المستثمر نظير انتفاعه بالارض. بالطبع لا يقبل معظم المستثمرون ذلك وينتهي بهم الحال بترك الارض والتخلي عن فكرة الاستثمار في البلد ان كانوا من الاجانب.
ما سبب هروب راس المال الوطني؟
اخيرا نختم هذا المقال بالحديث عن ظاهرة مهمة في هذه الايام، حيث ان سوء الحال وصل درجة صار الحديث فيها عن الاستثمار الاجنبي ضربا من الترف ، وذلك لظهور ظاهرة حديثة نسبيا وهي هروب راس المال الوطني ، ولعل السبب في ذلك هو ظاهرة العولمة التي اتاحت مقارنة ظروف الاستثمار في السودان مع غيره من الدول ومع الاسف غالبا ما يخسر السودان في هكذا مقارنة ، نتيجة لذلك يصفي صاحب العمل اعماله ويتوجه الى دولة اخرى بحثا عن ظروف عمل وحياة افضل ، طبعا يؤدي استمرار هذه الظاهرة الى تفاقم الركود الاقتصادي القائم مع استمرار نزيف راس المال الوطني الشحيح اصلا وذلك بسبب تاكل القوة البشرية التي تنتج وتستهلك السلع والخدمات.