الاصلاح الحكومي ،، وجهات نظر اقتصادية 3

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة اعمال – جامعة الخرطوم
في المقال السابق من هذه السلسة عن الاصلاح الحكومي ذكرنا ان الفجوة بين الانفاق الحكومي والايرادات الحكومية أدت الي لجوء حكومات السودان المتعاقبة المدنية منها والعسكرية الي طباعة النقود لتغطية هذه الفجوة مما أدي الي تضخم مزمن في الاقتصاد السوداني.
كما ذكرنا ان سد هذه الفجوة بحسب راي يتطلب العمل على ثلاث جبهات رئيسية هي :
أولا: تقليص النفقات الحكومية او يمكن القول إعادة توجيه تلك النفقات كما سنري بعد قليل
ثانيا انسحاب الحكومة من الاستثمار المباشر وخصخصة الشركات العامة كما ذكرنا سابقا والغرض من تكراره هو تسليط الضوء علي اهميته الشديدة .
أما الجبهة الثالثة والاخيرة فهي وضع نظام حوكمة فعٌال للجهاز الحكومي و ذلك بغرض الحد من الفساد الاداري والمالي.
اعادة توجيه الصرف الحكومي
عندما نتحدث عن اعادة توجيه الصرف الحكومي من البنود غير المهمة الي البنود التي يُعول عليها في احداث التنمية وبالتالي تحريك عجلة الاقتصاد. و بقراءة التاريخ الاقتصادي لعدد من الدول نجد أن حكوماتها تلجا دائما الي تمويل مشاريع البنية التحتية من أجل خلق فرص عمل مباشرة في هذه المشاريع وايضا لتحريك الاسواق من خلال شراء المواد الأولية المطلوبة مثل الاسمنت والحديد و غيرها، كل ذلك يؤدي الي تحريك الاقتصاد و بالتالي الخروج من حالة الركود الحالية. و لعل اوضح الامثلة علي ذلك سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية للخروج من الكساد الكبير عام ١٩٢٩ م .
عند ذكر اعادة توجيه الانفاق الي مشاريع البنية التحتية يخطر سؤال مهم وهو عن ماهية الجهة المقصودة باعادة توجيه الانفاق ؟ او بعبارة اخري ما هي الجهة التي يجب سحب الاموال منها لتمويل مشاريع البنية التحتية ؟
بالطبع لا يمكن الاجابة علي هذا السؤال بشكلٍ دقيق دون الرجوع الي ميزانيات الدولة السابقة لمعرفة الجهة او الجهات التي يمكن تخفيض مصاريفها. لكن حسب تقديري توجد جهتان هما جهاز الخدمة المدنية المترهل والجيوش والاجهزة الامنية المتعددة ( اي الحكومة يشقيها المدني والعسكري )، حيث لا يوجد من ينكر اهمية الانفاق على هذين المكونين ، لكن حين تتحول الخدمة المدنية وكذلك الاجهزة العسكرية الي مكان للترضيات السياسية أو التوظيف العشوائي يكون نتيجة ذلك اجهزة مدنية وعسكرية مترهلة.يمكن ان يقوم عدد اقل بكثير من افرادها بنفس العمل.
لكن يجب التشديد علي أن كيفية ايجاد وسيلة لتمويل مشاريع البنية التحتية يجب أن يخضع لتحليل علمي دقيق لأن اختيار هذه المشاريع يجب ان يكون خاضعا في الاساس لمعيار قدرتها علي تسهيل الانتاج ، فيجب تجنب المشاريع الاستعراضية مثل بناء مدن باكملها دون سبب واضح او بناء أعلي ناطحة سحاب في افريقيا وغير ذلك من المشاريع التي لا يوجد ربط واضح بينها و بين تسهيل الانتاج للافراد و المؤسسات ، وتؤدي الي هدر المال العام او ادخال البلاد في ديون لا داعي لها.
الخصخصة ضرورة ملحة
عند الانتقال الي الجبهة الثانية وهي خصخصة الشركات الحكومية فلن اتطرق ثانية الي انها عادة ما تكون مرتعا للفساد و سوء الادار ة. لكن ساركز علي علاقة هذا الامر بالانفاق الحكومي و هي بكل بساطة ان معظم هذه الشركات اذا اصدرت قوائم دخل حقيقة ( و هي عادة لا تفعل ذلك ) فان اي ناظر الي هذه القوائم سيكتشف انها شركات خاسرة و ذلك لسببين رئيسين و هما ضعف الايرادات بسبب عدم وجود حافز لمدراء هذه الشركات للتسعير السليم ، اما السبب الثاني فهو ارتفاع التكاليف بسبب الفساد و سوء الادارة. ما يهمنا هنا هو ان خسارة هذه الشركات تغطي من قبل الحكومة مثل دفع المرتبات او اي نفقات اخري ، بالطبع يؤدي هذا الي زيادة النفقات الحكومية و بالتالي زيادة عجز الموازنة العامة للدولة.
اما الجبهة الثالثة و الاخيرة فهي استحداث نظام حوكمة فعال في الجهاز الحكومي، و قبل الحديث عن الحوكمة لا بد من التطرق الي سبب الحوجة الي الحوكمة من الاساس سواء في الحكومات او شركات المساهمة العامة او غيرهما من المؤسسات ، فالناظر الي هذه المؤسسات يجد ان بينها قاسما مشتركا و هو وجود العديد من اصحاب المصلحة و بالتالي تظهر الحوجة الي من يراعي مصالح جميع هذه الاطراف التي لا تستطيع الدفاع عن مصالحها بشكلٍ مباشر لاستحالة ذلك من الناحية العملية فلا يمكن علي سبيل المثال لجميع افراد الشعب مباشرة مصالحهم مع الحكومة بانفسهم،كما لا يمكن ايضا لجميع المساهمين في شركة عامة حضور اجتماعات تسيير هذه الشركة ايضا لصعوبة ذلك من الناحية العملية، لذلك ظهرت الحاجة لوكلاء لاصحاب المصلحة هؤلاء يمثلون مصالحهم دون ان يعمل هؤلاء الوكلاء لصالح انفسهم من خلال السلطات الممنوحة لهم ، يعرف ما سبق بمشكلة الوكالة (اي كيف يمكن التاكد من ان الوكلاء لن يخلوا بمصالح الاصلاء ) ومن هنا ظهرت الحاجة الي حوكمة المؤسسات العامة.
حوكمة الجهاز الحكومي
الحوكمة في الجهاز الحكومي ، مفهوم جديد له معايير وطرق لوضع اليات واجراءات لرقابة هذا الجهاز وكبح الفساد الاداري والمالي، وابرز تلك الاليات هي فصل السلطات بشكل لا يعطل العمل و لا يسهل الفساد . وايضا تطبيق معايير جديدة للمراجعة المالية سواء داخل المؤسسة نفسها لا تخضع لادارة تلك المؤسسة لضمان الاستقلالية وايضا معايير للمراجعة الخارجية. كل تلك المعايير والآليات تم تفصيلها في حوكمة الجهاز الحكومي ويجب الإهتداء بها
ايضا لا بد في سياق هذا المقال من الشارة الي تصريحات وزير المالية بشان توسيع المظلة الضريبية ، فالسودان بلد فقير و زيادة الضرائب دون الاجتهاد في اعادة توجيه الصرف الحكومي لتسهيل الانتاج لن يخرج البلاد من الركود الحالي ، كما ان توسيع الضرائب بالشكل الذي يقترحه الوزير يتطلب شركات منظمة وموظفين مؤهلين بشكلٍ كافي وكلا الامرين غير متاح حاليا، لذلك فان التركيز علي اعادة توجيه النفقات حسب تقديري هو الاولى
ختاما يجب الاشارة الي ان عملية الاصلاح هذه عادة ما تكون طويلة ومعقدة وتواجه معارضة ومقاومة من اصحاب المصالح الذين يرغبون في استمرار الوضع الحالي ، لذلك لا بد فيها من وجود التدرج والحسم.