التعليم والتقدم الاقتصادي اي علاقة !!! الحلقة الثالثة مجانية التعليم الجامعي هي أساس البلاء

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم
في اطار اهمية التعليم لتحقيق التقدم الاقتصادي ، يمكننا القول إن التعليم يتيح للفرد مهارات جديدة تمكنه من انجاز عمل اكثر قيمة وبالتالي يرتفع دخله وينتج عن ذلك ازدهار المجتمع ككل، ولكن هل يجب ان يكون التعليم مجانيا خصوصا ما يتجاوز مرحلة الأساس !!!
في هذا المقال سنتحدث عن نقطة مهمة وهي كيفية تمويل المراحل التعليمية المختلفة. ولكن وقبل الاجابة على هذا السؤال لابد من ان نتساءل لماذا يحتاج التعليم الجيد الى المال في الاساس. وماذا عن مجانية التعليم الشعار الذي طالما رفعته الحكومات وتغنت به.
الواقع أن التعليم يحتاج الى المال لبناء المدارس وتجهيزها بالوسائل المختلفة مثل المعامل والملاعب الرياضية، كما يحتاج ايضا الى المال في تدريب المعلمين ودفع رواتب مجزية لهم حتى تكون وظيفة التعليم جاذبة للاشخاص المؤهلين وايضا حتى تكون للمعلم هيبة ضرورية للقيام بعمله على الوجه المطلوب. لذلك تجد الدول تنفق مبالغ مقدرة من ميزانياتها على التعليم ، فالمنطقة العربية تنفق حوالي ١٢٪ من ميزانية حكوماتها على التعليم ، مقارنة بدول شرق اسيا والمحيط الهاديء التي تنفق ١٧٪ تقريبا ، فإذا اخذ في الاعتبار حجم الميزانية ككل يتضح حجم الفجوة الكبير بين المثالين حيث ان ميزانيات هذه الدول مثل اليابان اعلى بكثير من ميزانيات الدول العربية .اما السودان فينفق على التعليم حوالي ١١٪ من الميزانية حسب البنك الدولي، بالطبع تكمن المشكلة في انخفاض الميزانية نفسها، وايضا الفساد الاداري الذي يحد من القدرة على الاستفادة من هذه الموارد، من كل ماسبق يتضح لنا ان التعليم لا يجب ان يكون مجانيا
تمويل التعليم في الحالة السودانية
وفي الواقع نجد أن التعليم الحكومي عادة ما يمول من موارد الدولة المختلفة وعلى رأسها الضرائب، لكن في حالة السودان نجد ان هناك عدة مشاكل تعوق مثل هذا التمويل وعلى رأسها ضعف الايرادات الحكومية وسوء صرف هذه الايرادات نتيجة لترهل الخدمة المدنية والعسكرية على السواء ، فالوظيفة العامة في السودان ينظر اليها على انها غنيمة ما إن يحوزها سياسي ما حتى تجده حريصا على تقسيمها على من ساعده في الوصول لها ، بالطبع ينتج عن ذلك ارتفاع الصرف الحكومي على هذه الترضيات السياسية على حساب البنود الاكثر اهمية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. والنتيجة هي تعليم حكومي رديء لا يفلت منه الا القادرون على الحاق ابناءهم بمؤسسات التعليم الخاصة.
عند الحديث عن التعليم الالزامي والمجاني عادة ما يقصد به التعليم الاساسي. اما التعليم الجامعي فعادة ما يكون على نفقة الراغب فيه ، وهذا هو الحال في معظم دول العالم مع وجود القليل من الاستثناءات. اما في السودان فقد ظل التعليم الجامعي برسوم رمزية منذ الاستقلال حتى وقت قريب ، بينما كانت ملكية وادارة أبرز الجامعات السودانية تحت سيطرة الحكومة حتى يومنا هذا والنتيجة تدهور مستمر في البيئة الجامعية وترك عدد مقدر من الاساتذة الجامعيين لوظائفهم في الجامعات الحكومية بحثا عن فرص افضل غالبا في دول الخليج او الدول الاوروبية . وتدهور البحث العلمي وتحولت البحوث التي يقوم بها أساتذة الجامعات لنيل الدرجات المختلفة الى اجراء شكلي لا يقوم الباحث بالمجهود المطلوب في معظم الاحيان . ويرجع ذلك الى عدم وجود الوقت الكافي لهولاء الأساتذة لاجراء البحوث العلمية بسبب انشغالهم بالقاء المحاضرات والتحضير لها معظم اليوم ، كما انهم لا يملكون الوقت للتحقق من ان بحوث طلاب الدرجات المختلفة تمت بمجهودهم ام انها مجرد اقتباسات من الانترنت جرى دمجها سوية مع مجهود يسير من الباحث. هذا مثال واحد من عدة امثلة لمًا يمكن ان يحدث نتيجة لضعف امكانات الجامعات اي ضعف نوعية التعليم.
نتائج أخرى مدمرة
لا تقتصر نتائج أزمة مجانية التعليم العالي على تدني النوعية وانما تتبدى ايضا في تكدس سوق العمل بحملة لشهادات جامعية دون وجود وظائف لهم، في الوقت الذي تتسع فيه الحاجة الى شغل الوظائف الفنية مثل فنيي الكهرباء وغيرها من الوظائف المهنية
علاقة مجانية او بالاصح رمزية رسوم الجامعية بهذا الوضع تتضح من خلال مقارنة هذا الوضع بالدول المتقدمة ، ففي دول متقدمة وغنية مثل الولايات المتحدة يضطر الطالب بعد انهاء المرحلة الثانوية للعمل من اجل جمع المبلغ المطلوب لتمويل دراسته الجامعية، وقد يضطر طلاب آخرون الى الالتحاق بمعهد فني يستطيعون دفع مصاريفه، وهكذا تخلق الرسوم الجامعية التوازن المطلوب في سوق العمل بين الوظائف الفنية والادارية.
اما الذين يحصلون على التعليم الجامعي بسبب ارتفاع امكاناتهم او عزيمتهم التي تدفعهم للعمل بجد حتى يحصلوا على الرسوم الجامعية فسيجدون في انتظارهم تعليما رفيعا بسبب سخاء الانفاق عليه، كما لا يعاني هؤلاء لايجاد وظيفة لائقة بسبب قلة الخريجين الجامعيين مقارنة بغيرهم من اصحاب الشهادات الفنية ، وكل هذا يؤدي الى توازن بين احتياج سوق العمل وحملة الشهادات. ويمكن القول باختصار إن دفع الطلاب لرسومهم الجامعية لم يساهم في تمويل العملية التعليمية فحسب وانما ايضا ساهم في تنظيم سوق العمل.
اعتقد ان هناك ضرورة قي السودان لتحويل ملكية الجامعات الحكومية لتصبح منظمات غير ربحية تقدم التعليم ، والغرض من هذا التحول ضمان عدم قيام الحكومة باستغلال موارد هذه الجامعات لتمويل بنود اخرى في الميزانية كما يحدث غالبا.
حساب جودة التعليم.
ختاما لابد من التذكير بان التعليم يعد حسب راي من الركائز الاساسية الاربعة لتحقيق الازدهار الاقتصادي في اي بلد ( الاصلاح الحكومي ، التعليم ، اصلاح البنية التحتية وجذب الاستثمار) ، وان تحقيق اي ازدهار اقتصادي يكاد يكون مستحيلا في بلد لا يتمتع شعبه بكم ونوع التعليم المطلوبين. في الجزء التالي من هذه المقالات سنتحدث عن البنية التحتية.
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم
في اطار اهمية التعليم لتحقيق التقدم الاقتصادي ، يمكننا القول إن التعليم يتيح للفرد مهارات جديدة تمكنه من انجاز عمل اكثر قيمة وبالتالي يرتفع دخله وينتج عن ذلك ازدهار المجتمع ككل، ولكن هل يجب ان يكون التعليم مجانيا خصوصا ما يتجاوز مرحلة الأساس !!!
في هذا المقال سنتحدث عن نقطة مهمة وهي كيفية تمويل المراحل التعليمية المختلفة. ولكن وقبل الاجابة على هذا السؤال لابد من ان نتساءل لماذا يحتاج التعليم الجيد الى المال في الاساس. وماذا عن مجانية التعليم الشعار الذي طالما رفعته الحكومات وتغنت به.
الواقع أن التعليم يحتاج الى المال لبناء المدارس وتجهيزها بالوسائل المختلفة مثل المعامل والملاعب الرياضية، كما يحتاج ايضا الى المال في تدريب المعلمين ودفع رواتب مجزية لهم حتى تكون وظيفة التعليم جاذبة للاشخاص المؤهلين وايضا حتى تكون للمعلم هيبة ضرورية للقيام بعمله على الوجه المطلوب. لذلك تجد الدول تنفق مبالغ مقدرة من ميزانياتها على التعليم ، فالمنطقة العربية تنفق حوالي ١٢٪ من ميزانية حكوماتها على التعليم ، مقارنة بدول شرق اسيا والمحيط الهاديء التي تنفق ١٧٪ تقريبا ، فإذا اخذ في الاعتبار حجم الميزانية ككل يتضح حجم الفجوة الكبير بين المثالين حيث ان ميزانيات هذه الدول مثل اليابان اعلى بكثير من ميزانيات الدول العربية .اما السودان فينفق على التعليم حوالي ١١٪ من الميزانية حسب البنك الدولي، بالطبع تكمن المشكلة في انخفاض الميزانية نفسها، وايضا الفساد الاداري الذي يحد من القدرة على الاستفادة من هذه الموارد، من كل ماسبق يتضح لنا ان التعليم لا يجب ان يكون مجانيا
تمويل التعليم في الحالة السودانية
وفي الواقع نجد أن التعليم الحكومي عادة ما يمول من موارد الدولة المختلفة وعلى رأسها الضرائب، لكن في حالة السودان نجد ان هناك عدة مشاكل تعوق مثل هذا التمويل وعلى رأسها ضعف الايرادات الحكومية وسوء صرف هذه الايرادات نتيجة لترهل الخدمة المدنية والعسكرية على السواء ، فالوظيفة العامة في السودان ينظر اليها على انها غنيمة ما إن يحوزها سياسي ما حتى تجده حريصا على تقسيمها على من ساعده في الوصول لها ، بالطبع ينتج عن ذلك ارتفاع الصرف الحكومي على هذه الترضيات السياسية على حساب البنود الاكثر اهمية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. والنتيجة هي تعليم حكومي رديء لا يفلت منه الا القادرون على الحاق ابناءهم بمؤسسات التعليم الخاصة.
عند الحديث عن التعليم الالزامي والمجاني عادة ما يقصد به التعليم الاساسي. اما التعليم الجامعي فعادة ما يكون على نفقة الراغب فيه ، وهذا هو الحال في معظم دول العالم مع وجود القليل من الاستثناءات. اما في السودان فقد ظل التعليم الجامعي برسوم رمزية منذ الاستقلال حتى وقت قريب ، بينما كانت ملكية وادارة أبرز الجامعات السودانية تحت سيطرة الحكومة حتى يومنا هذا والنتيجة تدهور مستمر في البيئة الجامعية وترك عدد مقدر من الاساتذة الجامعيين لوظائفهم في الجامعات الحكومية بحثا عن فرص افضل غالبا في دول الخليج او الدول الاوروبية . وتدهور البحث العلمي وتحولت البحوث التي يقوم بها أساتذة الجامعات لنيل الدرجات المختلفة الى اجراء شكلي لا يقوم الباحث بالمجهود المطلوب في معظم الاحيان . ويرجع ذلك الى عدم وجود الوقت الكافي لهولاء الأساتذة لاجراء البحوث العلمية بسبب انشغالهم بالقاء المحاضرات والتحضير لها معظم اليوم ، كما انهم لا يملكون الوقت للتحقق من ان بحوث طلاب الدرجات المختلفة تمت بمجهودهم ام انها مجرد اقتباسات من الانترنت جرى دمجها سوية مع مجهود يسير من الباحث. هذا مثال واحد من عدة امثلة لمًا يمكن ان يحدث نتيجة لضعف امكانات الجامعات اي ضعف نوعية التعليم.
نتائج أخرى مدمرة
لا تقتصر نتائج أزمة مجانية التعليم العالي على تدني النوعية وانما تتبدى ايضا في تكدس سوق العمل بحملة لشهادات جامعية دون وجود وظائف لهم، في الوقت الذي تتسع فيه الحاجة الى شغل الوظائف الفنية مثل فنيي الكهرباء وغيرها من الوظائف المهنية
علاقة مجانية او بالاصح رمزية رسوم الجامعية بهذا الوضع تتضح من خلال مقارنة هذا الوضع بالدول المتقدمة ، ففي دول متقدمة وغنية مثل الولايات المتحدة يضطر الطالب بعد انهاء المرحلة الثانوية للعمل من اجل جمع المبلغ المطلوب لتمويل دراسته الجامعية، وقد يضطر طلاب آخرون الى الالتحاق بمعهد فني يستطيعون دفع مصاريفه، وهكذا تخلق الرسوم الجامعية التوازن المطلوب في سوق العمل بين الوظائف الفنية والادارية.
اما الذين يحصلون على التعليم الجامعي بسبب ارتفاع امكاناتهم او عزيمتهم التي تدفعهم للعمل بجد حتى يحصلوا على الرسوم الجامعية فسيجدون في انتظارهم تعليما رفيعا بسبب سخاء الانفاق عليه، كما لا يعاني هؤلاء لايجاد وظيفة لائقة بسبب قلة الخريجين الجامعيين مقارنة بغيرهم من اصحاب الشهادات الفنية ، وكل هذا يؤدي الى توازن بين احتياج سوق العمل وحملة الشهادات. ويمكن القول باختصار إن دفع الطلاب لرسومهم الجامعية لم يساهم في تمويل العملية التعليمية فحسب وانما ايضا ساهم في تنظيم سوق العمل.
اعتقد ان هناك ضرورة قي السودان لتحويل ملكية الجامعات الحكومية لتصبح منظمات غير ربحية تقدم التعليم ، والغرض من هذا التحول ضمان عدم قيام الحكومة باستغلال موارد هذه الجامعات لتمويل بنود اخرى في الميزانية كما يحدث غالبا.
حساب جودة التعليم.
ختاما لابد من التذكير بان التعليم يعد حسب راي من الركائز الاساسية الاربعة لتحقيق الازدهار الاقتصادي في اي بلد ( الاصلاح الحكومي ، التعليم ، اصلاح البنية التحتية وجذب الاستثمار) ، وان تحقيق اي ازدهار اقتصادي يكاد يكون مستحيلا في بلد لا يتمتع شعبه بكم ونوع التعليم المطلوبين. في الجزء التالي من هذه المقالات سنتحدث عن البنية التحتية.