إقتصاد

في عجز الحكومة عن تمويل التعليم المجتمع المدني بديلا

 

بقلم / مامون حاتم الفنوب 

ادارة أعمال – جامعة الخرطوم

يثبت الواقع عاما بعد عام عدم قدرة الحكومات المتعاقبة في السودان على تمويل التعليم الاساسي بالقدر الكافي أو تقديم الخدمة بالكفاءة المطلوبة، وغض النظر عن الأسباب او المبررات ولكن هذا الواقع يجعل البحث عن مسار بديل لتقديم خدمة التعليم ضرورة ملحة ، وهنا يبرز دور منظمات المجتمع المدني.
عند الحديث عن منظمات المجتمع المدني يقصد بها اي منظمات غير حكومية وغير هادفة للربح وقد لعبت هذه المنظمات عبر التاريخ البشري دورا مهما في سد العجز الذي تسببه الدولة عندما لا تقوم بما عليها من اعباء . و هنا في السودان نجد ان وجود منظمات المجتمع المدني حديث نسبيا حيث اعتمد العمل الخيري بما في ذلك التعليم على التبرعات السخية لرجال الاعمال اذ توجد العديد من المؤسسات التعليمية التي تم التبرع بها من قبل رجال اعمال في صورة اوقاف خاصة في الفترة الممتدة من الستينات الى الثمانيات من القرن الماضي ، غير ان هذه الظاهرة تراجعت في الفترة الاخيرة ربما بسبب ارتفاع قيمة الاراضي التي تقام عليها المدارس خاصة في العاصمة الخرطوم ، غير ان هذا الارتفاع يمكن ان يكون حافزا لاعادة احياء هذه الظاهرة من خلال القيام بحملة مشابهة في الولايات ، ورغم ان مبادرات مشابهة قائمة وموجودة بالفعل الا انها غير كافية لسد العجز في المدارس.
ايضا يمكن لمنظمات المجتمع المدني القيام بحملة لصيانة وتاهيل المدارس القائمة بالفعل ، كما يمكن لها ايضا المساهمة في المصاريف الادارية للمدارس الحكومية من خلال ايجاد اليات تضمن ذهاب هذه التبرعات الى وجهاتها الحقيقية ، على سبيل المثال اذا اراد احد التكفل بحوافز للمعلمين لمدرسة ما لمدة معينة يمكن مد هذا الشخص بقائمة باسماء المعلمين وكيفية التواصل معهم لتسليم هذه الحوافز. كما يمكن ان تكون التبرعات عينا كان تقوم منظمة ما بشراء الكتب المدرسية وتسليمها للمدرسة بشكل مباشر. من شان هذه الاجراءات وغيرها سد فجوة الثقة التي تشكلت بين الناس والحكومة وحتى بعض منظمات المجتمع المدني بسبب عقود من سوء الادارة والفساد.
يمكن تنظيم لجان في الاحياء شبيهة بلجان المساجد مخصصة للمدارس ، ستكون مصداقية هذه اللجان اعلى مقارنة بالحكومة ، فيمكن على سبيل المثال ان تقوم اللجنة بوضع مشروع واضح المعالم لاصلاح مدرسة الحي وتحديد ميزانية المشروع وشرحها للسكان ومن ثم تحديد نصيب كل فرد داخل الحي حسب امكاناته ، مثل هذه اللجان ستكون اكثر نجاحا في المناطق التي يعرف السكان بعضهم جيدا خاصة في الولايات ، بحيث تشكل هذه المعرفة سببا لثقة الناس في هذه اللجنة ، كما تكون رادعا اجتماعيا ضد اي فساد محتمل.
الجدير بالذكر التنبيه الى ان اختيار افضل المعلمين مقدم على تاهيل البيئة المدرسية ، خاصة عند شح الامكانيات الذي يقود الى وجوب المفاضلة بين اوجه الصرف المختلفة للموارد. حيث من الافضل ان يجلس الطالب في فصل متهالك واثاث قديم في حين يكون المعلم جيدا من العكس. ولكي تكون هناك امكانية لاختيار الافضل لابد من جعل وظيفة التعليم جاذبة من الناحية المادية. ويمكن دور المجتمع المدني في دفع مرتبات مجزية ومنتظمة للمعلمين من خلال التبرعات بدلا من تبديد هذه الاموال في اشياء اقل اهمية مثل تجديد الاثاث المدرسي، كما يمكن تشجيع ثقافة العمل الطوعي لساعات معينة في اليوم للخريجين لتدريس طلاب المدارس خصوصا ان جزء معتبر من الخريجين لا يجد وظيفة في السنة الاولى بعد تخرجه.
اخيرا يجب التنويه الى ان ابرز العقبات في الاعتماد على المجتمع المدني في التعليم هي ضعف ثقافة العمل الجماعي والميل الفطري للزعامة لدى الانسان السوداني بشكل عام ، ولعل الاحزاب السياسية السودانية التي تتكاثر عن طريق الانقسام الثنائي البسيط خير دليل على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى