تجريف العقول ورؤوس الاموال خسارة السودان المخفية .

مامون حاتم الفنوب يكتب
منذ اندلاع الحرب في السودان انحصرت التغطية الإعلامية الشحيحة أصلا في الجانبين العسكري والإنساني للنزاع ، اما الجانب الاقتصادي فلم يكن له نصيب يذكر رغم التبعات الاقتصادية الهائلة للحرب التي ستستمر لسنوات عديدة بعد انتهاءها. ولعل ابرز هذه الخسائر الاقتصادية يتمثل في تدمير البنية التحتية ونهب وتخريب المؤسسات الصناعية والتجارية والزراعيّة ، غير ان اهم هذه الخسائر حسب تقديري هو تجريف العقول ورؤوس الاموال ، وهنا تعمدت استخدام مصطلح تجريف لان استخدام كلمة هجرة لا يعطي وصفا دقيقا لما يحدث. في هذا المقال سنتحدث عن تداعيات تجريف العقول ورؤوس الاموال على الاقتصاد السوداني خصوصا بعد انتهاء الحرب.
عند الحديث عن تجريف العقول تجدر الإشارة إلى ان هذه الظاهرة ليست وليدة الحرب الحالية ، وانما كانت مستمرة لسنوات عديدة قبل الحرب ، وكان تردي الأوضاع الاقتصادية خلال فترات الحكم المتعاقبة سببا رئيسا لها. ورغم هذه الهجرة المكثفة للعقول إلا ان نسبة مقدرة من اصحاب المؤهلات ظلت داخل السودان لأسباب مختلفة مثل تراجع الجدوى الاقتصادية للاغتراب ، وصعوبة الهجرة وأثرها السلبي المحتمل على هوية الأجيال التالية من المهاجرين . غير ان اندلاع الحرب غير هذه المعادلة حيث صار البقاء في السودان شديد الصعوبة بسبب انعدام الامن وضعف سبل الكسب ، مما أدى إلى موجة كبيرة من اللجوء شملت غير الراغبين في الهجرة ، ومع انشغال الناس بالحرب غاب الحديث عن الاثار الاقتصادية والاجتماعية المهولة لهجرة معظم العقول القليلة المتبقية في البلد ، مع الأخذ في الاعتبار ان من ذهب ونجح في صنع حياة بديلة وهو امر يزيد احتمال حدوثه مع تطاول زمن الحرب يصعب إقناعه بالعودة حتى لو انتهت الحرب .
هناك نوع آخر من الهجرة لا يقل خطرا عن هجرة العقول وهو هجرة رؤوس الاموال ورواد الأعمال بحثا عن فرص افضل للاستثمار، وهذا الأمر ايضا سيكون له تداعيات كبيرة بعد الحرب ، رغم ان الارباح العالية المتوقعة بسبب قلة رؤوس الاموال المتبقية في البلد يمكن ان تجذب المستثمرين للعودة مرة اخرى.
وهنا يبرز سؤال مهم وهو هل يمكن استعادة العقول ورؤوس الاموال بعد انتهاء الحرب ؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك ؟
في الواقع كلما طال زمن الحرب قلت الفرصة في استعادة العقول بسبب بناء حياة جديدة كما ذكرنا ، ونفس الأمر ينطبق على رؤوس الاموال حيث ان الزمن يؤدي إلى دخول صاحب المال في استثمارات جديدة في بلدان اخرى وما يتطلبه ذلكً من شراء أصول ومعدات قد يصعب بيعها بسعر مجز لاحقا ، إضافة إلى ان ضبابية الرؤية في الفترة التي تعقب انتهاء الحرب ستزيد من فرص احجام اصحاب الاموال عن العودة .
رغم العقبات سابقة الذكر يمكن استعادة العقول ورؤوس الأموال إذا توفرت الإرادة والرؤية السليمة من خلال العمل على استعادة المنظومة التعليمية وتاهيل البنية التحتية التى كانت تعاني من التهالك والإهمال حتى قبل الحرب، واخيراً العمل على إغراء الأفراد المؤهلين للعودة ، وإزالة العقبات التي كانت تعيق الاستثمار قبل الحرب وهو أمر يصعب تصور حدوثه طالما بقيت القيادات الحالية في المشهد.