اعادة الاعمار البشر قبل الحجر

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس إدارة أعمال – جامعة الخرطوم
الحرب في السودان بشعة وشرسة ، وبات واضح للعيان حجم الدمار الهائل والاثار الاجتماعية الكارثية التي خلفتها من نزوح ولجوء.
ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن هذه الماسي فهي ماثلة للجميع، وانما هدفنا من هذا المقال هو الحديث عن الكيفية المثلى لإعادة اعمار ما دمرته الحرب مستفيدين من تجارب شعوب عاشت محنا مشابهة مع محاولة اسقاط هذه التجارب على الواقع السوداني حتى لا نقوم بنقل تجارب الاخرين دون تفصيلها لتناسب وضعنا، سيكون هذا المقال مقدمة لسلسة مقالات تتحدث عن تجارب اعادة الاعمار الناجحة والفاشلة في محاولة لفهمها واستخراج ما يمكن ان يفيد منها. وبشكل عام تتشارك التجارب الناجحة في انها ركزت على اعمار البشر قبل الحجر لذلك سنتحدث في هذه المقدمة عن ضرورة اعادة اعمار البشر قبل الحجر لان البشر هم اساس اي نهضة علمية تتبعها نهضة اقتصادية. على ان نتحدث في سلسلة مقالات لاحقة عن تجارب الاعمار واعادة الاعمار حول العالم بشي من التفصيل
لعل ابرز اسباب التركيز على البشر يكمن في النقاط التالية:
النقطة الأولى أن الانسان المتعلم والمؤهل اقدر على استغلال الموارد من الانسان غير المؤهل.
اما النقطة الثانية فتكمن في توزيع المخاطر، واخيرا ضرورة التعليم وتأهيل البشر للحفاظ على السلم الاهلي واستقرار الدولة
لماذا المتعلم
ان الانسان المتعلم والمؤهل اقدر على استغلال الموارد من الانسان الجاهل او الاقل تعليما ، ولعل ابرز الشواهد على ذلك ان الانسان في العصر الحديث يعيش بشكل عام في مستوى افضل من اسلافه من حيث جودة الحياة رغم ان الموارد المتاحة الان اقل من الموارد في العصور السابقة بسبب استهلاك هذه الموارد من قبل الناس عبر الاف السنين ، والسبب في ذلك هو الانسان الان اكثر تأهيلًا من اسلافه بسبب انتشار التعليم والتدريب كما ونوعا.
وهنا تجدر الاشارة الى ان الطبقة السياسية في السودان ظلت يتردد خطابا ممجوجا عن غنى السودان بموارده مثل الاراضي الزراعية والذهب واليورانيوم وغيرها ، واهملت في تلك الخطابات عن الحديث حول المورد الاساسي للسودان ألا وهو البشر الذين يجب الاستثمار في تأهيلهم من اجل استغلال هذه الموارد التي يتحدثون عنها.
لقد نتج عن هذا الخطاب المشوه خطاب مشوه اخر وهو ان الحكومات المتعاقبة ظلت تسرق السودان الغني بموارده دون تحديد كيفية هذه السرقة بشكل دقيق، وكانت نتيجة هذا الخطاب هو نشؤ شعب غير متعلم وغير مؤهل بالقدر الكافي ويعتقد انه غني ولكنه مسروق!! وظل هذا التشخيص الخاطيء معيقا لتحقيق التنمية في السودان وهو خطاب ماثل للعيان حتى الان.
السبب الثاني لتأهيل البشر قبل تشييد الحجر هو تنويع المخاطر ، فعندما يركز متخذ القرار على تشييد ما يعرف بالمشاريع التنموية ويقدم هذه المشاريع على منح تعليم جيد للسكان تكون المخاطرة الناتجة من هذا القرار مرتفعة بسبب وضع كل البيض في سلة حفنة من المشاريع التنموية التي كثيرا ما تكون غير مدروسة بشكلٍ كاف وكثيرا ما يخالطها الفساد المالي فترتفع تكلفة هذه المشاريع وينتهي الكثير منها بالفشل، وتوجد في التاريخ السوداني العديد من هذه المشاريع التي فشلت او لم تر النور اصلا مثل مصنع البان بابا نوسة الذي كان من الممكن استخدام امواله في معالجة مشاكل التعليم في المنطقة.
يكون الوضع مختلفا عند الاستثمار في التعليم حيث تتوزع المخاطر في تعليم ملايين البشر ، وغالبا ما يخرج جزء من هؤلاء بمشاريع ناجحة يديرونها بشكل افضل من الدولة لانها تخصهم. وحتى ان فشل احدهم يكون فشله في الغالب محصورا فيه وفي دائرة مقربة منه. خلاف فشل مشاريع الدولة الذي يتضرر منه الالاف واحيانا الملايين من البشر. ويمكن ان يستمر هذا المشروع الفاشل لسنوات طويلة نتيجة انفاق الدولة ذات الموارد الكبيرة مقارنة بالأفراد عليه. وكل هذه موارد مهدرة كان من الممكن ان تستثمر في البشر.
اما السبب الثالث فهمو ان تعليم وتاهيل البشر ضروري للحفاظ على السلم الاهلي ومنع انتشار النعرات العنصرية والمذهبية والمناطقية وغيرها من وسائل التفرقة والخلاف بين البشر والتي غالبا ما تتفاقم بسبب الجهل ويلعب التعليم دورا كبيرا في حصرها في نطاق ضيق لا يكون مؤثرا على المجتمع ككل. ولعل الحرب الدائرة الان في السودان هي نتيجة لتفجر هذه الصراعات.
اخيرا تجدر الاشارة الى ان تقديم تاهيل البشر على الحجر لا يعني اهمال الثاني، ولكن تاهيل الحجر يكون من خلال انشاء مشاريع بنية تحتية تكون عونا للناس في احداث التنمية الاقتصادية. مثل الطرق والجسور وشبكات الكهرباء والمياه.
في المقالات التالية من سلسة الاعمار و اعادة الاعمار سنتطرق الى نماذج فاشلة واخرى ناجحة في اعادة الاعمار مع محاولة التركيز على اسباب الفشل والنجاح لكل تجربة وخصوصية الوضع السوداني عند محاولة تطبيق التجارب الناجحة. وكيفية تجنب الوقوع في اخطاء التجارب الفاشلة. وسنلاحظ أن تعليم وتأهيل البشر كان عاملا حاسما في هذه التجارب .