الاصلاح الحكومي ،،، وجهات نظر اقتصادية (4) الترهل: أجور متدنية وكفاءات غائبة

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة أعمال – جامعة الخرطوم
في مقال سابق من سلسلة الاصلاح الحكومي تحدثنا عن المشاكل المالية التي واجهت حكومات السودان منذ الاستقلال و كانت سمة مشتركة بينها بغض النظر عن كونها مدنية او عسكرية. وفي هذا المقال وهو الاخير في هذه السلسلة سنسلط الضؤ على الجانب الاداري ، وفيه سنتناول الاخفاقات الادارية التي كانت ايضا سمة مشتركة بين حكومات السودان المتعاقبة ، وتبعات هذه الاخفاقات الادارية
لعل ابرز الاخفاقات في هذا الشأن هو الترهل الاداري ، حيث يؤدي هذا الترهل الي عدة مشاكل ابرزها خلق مناخ يشجع الاتكالية والتسيب , وذلك بسبب وجود اكثر من شخص للقيام بنفس الوظيفة. فالمكاتب الحكومية مكتظة بعدد كبير من الموظفين و يلاحظ من يدخل الى احد المكاتب ان معظم من يجلس على الطاولات لا يعمل شيئا معظم اليوم. وغالبا ما يقوم شخص واحد بمعظم العمل .
ايضا يؤدي الترهل الاداري الي منح اجور متدنية للعاملين في القطاع العام بسبب فقر الدولة وبالتالي تدني الموازنة العامة للدولة بما في ذلك بند المرتبات ، لذلك تنخفض قدرة الحكومة علي جذب الكفاءات ، واذا جذبتهم لا تحتفظ بهم لفترة طويلة بسبب تطلعهم للافضل، ويؤدي هذا الي عدم قدرة اجهزة الخدمة المدنية علي تطوير نفسها ، وهذا يقودنا الي الاشكال التالي وهو تخبط سياسات الدولة وعدم مواكبتها بسبب عدم قدرة الدولة علي جذب الكفاءات.
المستثمرون ،، ابرز المتضررين
لعل ابرز المتضررين من هذا الوضع اي تخبط سياسات الدولة هم المستثمرون واصحاب الاعمال سواء كانوا من المحليين او الاجانب ، ولعل الاجانب اكثر تضررا لانهم اقل قدرة علي المراوغة. تؤدي هذه السياسات المتخبطة الي شيوع الرشوة و الفساد في الجهاز الحكومي ، بسبب شعور الناس بان افضل طريقة للعمل في ظل هذا النظام المطرب هي الالتفاف حوله، كما تؤدي ايضا الي هروب رؤوس الاموال خصوصا الاجنبية منها بحثا عن بلد اكثر استقرارا. والجدير بالذكر ان الرشوة في الجهاز الحكومي تؤدي الي نوع من فقدان السيطرة من قبل الدولة ، حيث تعجز الدولة عن تطبيق اي سياسة او قرار اداري نتيجة لشيوع الرشوة التي اوجدها في المقام الأول السياسات المتخبطة.
ايضا يلاحظ في حكومات السودان المتعاقبة عدم وجود أي تنسيق بين الوزارات المختلفة فتجد كل وزارة تعمل لوحدها ، ولا توجد خطة شاملة تنسق بين الوزرات المختلفة ، ومن امثلة هذا الوضع غياب أي تنسيق بين وزارة التعليم العالي و باقي الوزارات حول احتياجات السودان الحقيقية من خريجي الجامعات و المعاهد المختلفة فكانت النتيجة ارتفاع البطالة بسبب عدم مناسبة الشهادات التي يحملها الخريجون لاحتياجات سوق العمل ، وايضا تخلف القطاع الزراعي السوداني ، وبالتالي عدم قدرته علي المنافسة في الخارج بسبب اعتماد الزراعة علي التكنلوجيا الحديثة التي ساهمت في خفض التكلفة وزيادة الانتاجية، فصار المنتج الزراعي السوداني اقل جودة و اغلى ثمنًا ، طبعا يؤدي هذا الي عدم قدرته علي المنافسة في الخارج.
غياب التنسيق بين أجهزة الدولة .
يجدر بالذكر هنا ان عدم التنسيق لا يقتصر علي غياب التنسيق الافقي بين الوزارات والجهات المختلفة وانما ايضا عدم التنسق الراسي عبر الزمن حيث لا توجد خطط طويلة الامد لاي جهة حكومية بسبب عدم الاستقرار السياسي ، وايضا شيوع المكايدة والتحزب حتي داخل الحزب الواحد عندما يكون في السلطة ، لذلك تجد كل شخص يتولي منصبا لا يكمل من حيث انتهي سلفه ، وانما يقوم بوضع خطة خاصة به، بالطبع يؤدي هذا الي تخبط السياسات السابق الذكر.
من كل ما سبق يتضح لنا ان حكومة السودان تمتلك جهاز اداري مترهل ينخر فيه الفساد المالي وله سياسات متخبطة وغير مدروسة ، كما لا يوجد اي تنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة. وفي تقديري يكمن حل هذه الاشكالات في: خفض الكوادر الحكومية ، الاستعانة بجهات للتخطيط و الرقابة واخيرا وجود جهاز مركزي للتخطيط والتنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة.
ذكرنا ان تخفيض العاملين في الحكومة ضروري من الناحية المالية من اجل اعادة توجيه النفقات لجهات اكثر اهمية مثل التعليم، لكن تخفيض العاملين في الحكومة له ميزة ادارية هي زيادة القدرة علي جذب الكفاءات مقارنة بالوضع الحالي للخدمة الحكومية غير الجاذبة ، و السبب في ذلك هو قدرة الحكومة علي منح مرتبات اعلي نتيجة لانخفاض عدد العاملين. لكن بالطبع تواجه اي خطة لتخفيض العاملين في الوزارات او الغاء وزارات باكملها بعقبات منها:الترضيات السياسية والمحسوبية .والجهوية.
جهاز للرقابة الادارية
كما يجب علي الحكومة ايجاد جهات للتخطيط و الرقابة تكون منفصلة عن الجهاز التنفيذي للدولة ، ولتجنب زيادة الترهل الحكومي من خلال ايجاد ذريعة لتعيين مستشارين وخلافه مما كان يحدث لايجاد وظائف بغرض الترضيات السياسية يفضل ان تكون هذه الجهات موجودة اصلا مثل المكاتب و الهيئات الاستشارية الموجودة حاليا في البلاد، ولا باس في الاستعانة بجهات اجنبية اذا لم تكن المعلومات التي يمكن ان تطلع عليها هذه الجهة ذات طبيعة حساسة. بالطبع يجنب هذا المقترح البلاد انتاج سياسات متخبطة و غير مدروسة جيدا بسبب ان الذي انتجها لم يكن له الوقت الكافي لدراسة الامر من كافة جوانبه كما يحدث الان.
اخيرا لابد من وجود جهة مركزية للتخطيط والرقابة، و حسب علمي يوجد جهاز للتخطيط الاستراتيجي لكنه مع مرور الزمن تحول الي جهاز صوري يفتقر الى التاثير في ارض الواقع، لذلك لابد من اعادة احياء هذا الجهاز ومنحه السلطات اللازمة للقيام بعمله ، فهذا الجهاز ضروري حتي لا تعمل الوزارات و الجهات المختلفة بشكل متضارب.
ختاما اعود الي تاكيد ان الحكومة التي تعمل بشكل كفؤ هي عماد التطور الاقتصادي لاي دولة.
في حلقات قادمة سنتطرق العنصر الثاني في بناء الاقتصاد وهو التعليم.