جشع التجار ،،، حقيقة أم وهم !!!

بقلم / مامون حاتم الفنوب
بكالريوس ادارة اعمال – جامعة الخرطوم
منذ ان وعينا على هذه الحياة و السياسيون في منطقتنا العربية والسودان ليس استثناءا من ذلك يطلون علينا بخطاب واحد تقريبا لتبرير الفقر والفشل الاقتصادي وهو خطاب يمكن تلخيصه في عبارتين هما (جشع التجار وغلاء الاسعار.)
يقصد الساسة بهذا الخطاب الإشارة الى أن غلاء الاسعار نتيجة لجشع التجار مما أدى بالتالي الى افقار المواطن وعدم تمكينه من العيش الكريم
المشكلة في هذا الخطاب أنه ادى الى اقتناع عام تمت ترجمته من منبر السياسية الي سياسيات اقتصادية كارثية سادت في النصف الثاني من القرن العشرين ، و يعد اتهام التجار بالجشع و من ثم استخدام هذا الاتهام لتسعير السلع من قبل الدولة مر ابرز هذه السياسات.
قبل مناقشة تسعير السلع ونتائجه الاقتصادية الكارثية يجب مناقشة مقولة جشع التجار وهل هذا الجشع موجود ام لا ؟ واذا كان موجودا هل هو محمود ام مذموم ؟
إن اتهام التجار بالجشع ليس عار تماما عن الصحة ، لكن يجب علي الناس عموما و ممتهني السياسة خصوصا ان يفهوا طبيعة البشر وسنن الكون حتي يكون تخطيطهم مبنيا علي هذه السنن و ليس علي مجتمعات فاضلة يتوهمونها و هي ليست موجودة في الواقع ، فالجشع صفة لدي البشر عموما و لدي التجار خصوصا وهي ضرورية لقيامهم بعملهم كما ستشرح الان ، فالتذمر من جشع التجار اشبه علي سبيل المثال بالتذمر من برود شعور الاطباء اتجاه المرضي وحيادهم وهو ضروري لاداء عملهم رغم انه لا انساني في ظاهره ، اوالتذمر من قدرة الجنود علي قتل اعداءهم و كل ما سبق صفات غير حميدة لكنها ضرورة لقيام كل من الجندي والطبيب بعمله
تكمن اهمية جشع التجار بساطة في ان القدرة علي كنز المال هي عصب نجاح الاعمال ،حيث ان العديد من الشركات العالمية اليوم والتي تشغل كل واحدة منها الاف البشر وتسهم في تطور الاقتصاد في بلدانها كانت نتيجة لحرص شخص واحد و رغبته في جمع المال وذلك بالطبع مع وجود فكرة ناجحة. و لتوضيح هذا الامر يمكن المقارنة بين اثنين من اهم مخترعي القرن العشرين هما توماس اديسون و نيكولا تسلا ، كلاهما كان يملك القدرة علي الاختراع لكن اديسون تفوق علي تسلا بحسه في ادارة الاعمال بما في ذلك ادراكه لاهمية جمع المال ، فكانت النتيجة انه كان اكثر تاثيرا و نجاحا من تسلا الذي لا يعرفه الكثيرون.
ان اعتراف الساسة بجشع التجار كضرورة للتنمية الاقتصادية لا يعني عدم وضع ضوابط لهذا الجشع مثل مراقبة الجودة و منع الاحتكار ووضع حد ادني للاجور، كل هذه الضوابط لا تتضمن وضع اسعار لما له من تاثير سلبي علي الاقتصاد كما سنري الان.
منذ ان كنا اطفالا وحتي وقت قريب وجدنا أن الحكومة تتدخل في تسعير العديد من السلع خاصة السلع الاساسية مثل السكر و الخبز و الوقود و النقود. و لعل القاسم المشترك بين هذه السلع و التي كانت كثيرا ما تشهد مشاكل في الامداد هو التسعير المركزي. و كانت ازمة الخبز و الوقود الخانقة في العام ٢٠١٨ م و التي اطاحت بالبشير هي ابرز هذه الازمات في الماضي القريب ، و هنا يبرز السؤال لماذا تحدث ازمات في السلع المسعرة من قبل الحكومة ؟ والجواب ببساطة ان متخذ القرار في الحكومة دافعه الكسب السياسي ولا يكترث بالاعتبارات الواقعية وأهمها تكلفة السلعة ، مثلا تراه يصر علي تسعير لتر البنزين بمائة جنيه رغم ان تكلفته حتي وصوله للمستهلك الف جنيه ، فينتهي الامر بالسلعة التي يتم تسعيرها معدومة في الاسواق و تتداول في الاسواق الموازية او السوداء ، وبالطبع تؤدي المخاطرة الناتجة عن التداول في السوق السوداء الي احجام الكثيرين عن جلب السلعة و بالتالي ارتفاع سعرها اضعاف السعر الذي كانت ستتداول به لو جلبت بشكل قانوني ، كما تفقد الحكومة قدرتها علي مراقبة سوق السلعة و تفقد ايضا الرسوم التي كانت ستحصلها لو جلبت السلعة بشكل قانوني فيزداد فقر الحكومة نتيجة لذلك و يزداد فقر المجتمع نتيجة لتحمل اعباء اضافية من تداول السلعة في السوق السوداء ، و ايضا نتيجة لشح السلعة و كما ذكرنا سابقا فان ازمة الوقود خير مثال لذلك.
ايضا تساعد الاسعار في توجيه المنتجين لمعرفة السلع التي يحتاجها المجتمع فعلا و بالتالي التركيز علي انتاج هذه السلع لان الطلب عليها سيكون عاليا و يمكن الاستدلال علي ذلك من قبل المنتجين من خلال اسعار هذه السلع و هوامش ارباحها العالية ، حيث يسارع المنتجون الي انتاج هذه السلع و بالتالي زيادة المعروض مما يؤدي الي انخفاض السعر و هامش الربح و هنا يدرك المنتجون الحاجة الي البحث عن سلعة جديدة و هكذا حتي يتوازن العرض و الطلب لمعظم السلع ، كل هذا لا يمكن في ظل وجود التسعير المركزي حيث ان التسعير المركزي لا يتيح للمنتجين معرفة السلع التي يحتاجها المستهلكون فعلا فيؤدي ذلك الي اهدار موارد هؤلاء المنتجين و بالتالي المجتمع ككل .
من كل ما سبق يمكن ان نخلص الي ان تدخل الحكومة من عمل الاسواق من حين لاخر قد يكون مبررا ، لكن لا يجب ان يكون تحت اي طرف من خلال وضع اسعار للسلع ، و انما بطرق اخري مثل مراقبة الجودة لمنع الغش،ايضا نخلص الي ان رغبة البعض لجمع المال شديدة الاهمية لانشاء الاعمال وتنميتها و بالتالي خلق الوظائف و تنمية المجتمع ككل ، وبدلا من وضع الفشل الاقتصادي علي مشجب جشع التجار يجب علي الحكومات تبني سياسات تؤدي الي زيادة الانتاج مثل الاستثمار في التعليم و البنية التحتية و ترك تحديد اسعار السلع للاسواق .