عبدالحفيظ مريود يكتب:-حين سألت وجدي ميرغني عن أسباب فصلى أجابني..والله مذكرة رفعها لينا منتصر يطالب فيها بإبعادك

بدون زعل
وجدى ميرغنى – الأخيرة
بقلم/عبدالحفيظ مريود
سيدنا الإمام على قال ” لا تطلب الخير من بطون جاعت ثم شبعت، فإن الشح فيها باق…بل اطلب الخير من بطون شبعت ثم جاعت، فإن الخير فيها باق”..
شايف؟
والقصة الظريفة أن والى أعالى النيل، قبل الإنفصال، لما بلغه أن على عثمان محمد طه، النائب الأول للرئيس، وقتها، يبحث عن بديل له، بعد أن تواترت أخبار فساده المالى، ركب الطائرة من ملكال لمقابلة على عثمان..”يا شيخ على : أنا أكلت وشبعت، بعد دا ح أشتغل تنمية..داير ترفدنى، وتجيب زول ياكل تانى خمسة سنة”..والغريب – تؤكد الرواية – أن “شيخ على” تركه.
والجوع والشبع، ليسا متعلقين بالأكل فقط..تتسع حقول اشتغالهما لتشمل: السلطة، الإدارة، النساء وغيرها. ذلك ما يجعل تخطيط مدينة المتمة الإثيوبية دقيقا. حين تعبر الجسر، من القلابات، داخلا، فإن أول ما تصادف، بعد إرتكازات الشرطة، الإستخبارات وغيرها، هو أكواخ الدعارة والبارات الرثة..يعرفون “جوع” السودانيين القادمين..يستقبلونك بما جئت لأجله، فيعودون راجعين، قبل مغيب الشمس، إلى القلابات، مترنحين، يعيدون ربط أحزمتهم على الجسر، فاعرف ذلك، أيدك الله، وأقر بلابلك.
حتى استلام إبراهيم أحمد الحسن زمام الإدارة فى سودانية ٢٤، كانت الإدارة مزاجا بشريا، لا غير. صحيح أن الطاهر يمكن أن يستعين بمن يراه مناسبا، ولكن “حالته المزاجية”، واستلطافاته الشخصية، هى سيدة سيدة القرار. أن تنقل سودانية من مزاجية الفرد، إلى المؤسسية هو، بالضبط، مثل محاولات عثمان عجبين، لإقناع السودانيين أن أغنية الحقيبة تكرار واجترار، وأن الفنان الحقيقى الوحيد هو معتز صباحى..إذ على المستوى النظرى، والمنطق الأكاديمى، تتماسك براهين عجبين..لكن نخلى الحقيبة؟ دا كلام تانى.
“العبور الآمن والمستقر للفترة الإنتقالية”..الكثير من الورش والاجتماعات..الشرح والنقاش، وإعادة خلق منطلقات تأسيس موحدة. ستجرى عملية نقل المدير التنفيذى، الأستاذ منتصر النور ليقوم بتأسيس “الإخبارية”، فيما يحل محله حاج عمر، لمدة أسبوع، ثم يحل لؤى بابكر صديق فى الموقع. بوصفى مديرا لإدارة التدريب، يطلب إبراهيم أن أكون قريبا من لؤى، المدير التنفيذي.. وفضلا عن تصميم إستمارات إعادة تقييم الكادر، يتوجب إخضاع القادمين الجدد لامتحان. لنكون مهنيين فى وضع الخطط التدريبية ينبغى أن نعرف مواطن العجز لدى الكادر، حتى لو اقتضى ذلك إخضاعه للاختبارات الضرورية..
لكن الأهم من ذلك، فى تلاطم المد الثورى، وضع سياسة تحريرية. فالقناة لا تملك مرجعيات مكتوبة، سوى “الوثيقة الحاكمة” و “الهوية”، وبالتالي يمكن أن تقع فى تناقضات “الخطاب الإعلامى وتضاربه”، لا سيما وأنها أصبحت وسيلة لبعض الناشطين والحزبيين وطالبى المجد..قمت بوضع السياسة التحريرية للقناة. تم عرضها ومناقشتها وإجازتها. قدمت مشروعا وثائقيا ضخما يمكنه أن يرفد القناة بمادة بصرية مختلفة وعائد مادى، فى حال الدخول فى شراكات إنتاجية، كما سيؤهلها للمشاركات الإقليمية والدولية، وثائقيا، ويؤرخ للزراعة، حقل إشتغال السيد رئيس مجلس الإدارة، الرئيس.
كان المدير التنفيذي، وقتها، مشغولا بإخراج سودانية ٢٤ بلس…التى يتوقع أن تبث على نايلسات، فيما سيتم إفراغ القناة من محتواها..وقد وضع خارطة للقناة بإعادة دمج عدد من البرامج، بلا مسوغات منهجية، وعمد إلى القيام بعمليات إحلال برامجى، وتعطيل الاستوديو الأرضى، بلا بديل، بحجة إعادة تأسيسه، فى ظل عجز مالى، أصاب البرامج بالشلل، شبه الكامل…
شايف كيف؟
بإجراء تغييرات طفيفة، صرت مديرا للبرامج، لثلاثة أشهر..هى المرة الأولى التى أجلس على كرسى يخصنى، وأباشر مهامى داخل مكتب..قابلت السيد وجدى مرة واحدة لعرض ومناقشة رؤيتى للبرامج، وما أريد تنفيذه، والعقبات والمعينات المطلوبة. وقد كان متشوقا ليرى “القناة السياحية” بأسرع وقت..فى ذات الوقت الذى سأعيد فيه ترتيب البيت من الداخل..فالقناة لا تملك مؤهلات عرض إخبارى، أساسا..لا بشريا ولا فنيا..كما أن الاستوديو الارضى خارج الخدمة..
شايف كيف؟
يمكنك ان تتبين أزيز معركة مكتومة فى المنطقة. لم يكن كل شيئ فى مكانه، تماما..أوضحت لإبراهيم بأننى لا أعارك، مطلقا..ما يهمنى هو أن أقدم معارفى المتواضعة لتكون القناة بالمستوى المطلوب، برامجيا، وأن يتمكن كادرها من تقديم أفضل ما لديه..ولأننى بينهم، طوال أربعة أعوام، آكل معهم “الفتة”، واشرب قهوة “دستا” الحبشية، فإننى أعرف مستوى ما يعيشونه من عدم الأمان الوظيفى، وعدم الشعور بالانتماء. لست أطلب الإدارة..أيا كانت..فقد دخلت بلا أطماع وظيفية، وقد نلت حظى من ” مدير” هذه، فى أعرق مؤسسة إعلامية فى السودان..
إبراهيم الذى جاء إلى سودانية من “الرئيس التنفيذى” لشركة زين، لا أعتقد أنه يبحث عن أمجاد إدارية فى سودانية..كان يقول ” كلكم لقيتكم هنا…لا معرفة سابقة لى بكم..ولا قرابة..لذلك لا أنحاز إلا إلى المهنية والكفاءة”..لكن (حدس ما حدس)، ووجدت نفسى بعد ثلاثة أشهر مديرا للتشغيل والعمليات الفنية، فيما شغل لؤى منصب مدير البرامج..وذلك يعنى أن تعطى الميكانيكى مهام تركيب السراميك على أرضية قصرك المنيف، وتطلب إلى “معلم السيراميك” أن يصلح سيارتك..وفى الوضعية هذه، لا خاسر إلا أنت وقصرك، فلماذا بنيت القصر، أصلا؟
شايف كيف؟
تتداخل فى المعركة المكتومة أسلحة عديدة..ويتوقف استخدامها على الأخلاق، أولا، وقبل كل شيئ..”القولات”، هى مدفعية العاجز الضعيف الثقيلة، واستقطاب “عناصر” من داخل مجلس الإدارة، لإحداث تأثير على الرئيس..وهى أسلحة المعركة التى استبعدها الطاهر حسن التوم، لأول عهد القناة..بالنسبة لى: حين يتعلق الأمر بالمحتوى، بأساليب وطرائق الصياغة، بمعالجة الفكرة، لن يوقفنى كوني مديرا للتشغيل..أتدخل واعالج، يطلب المنتجون والمعدون مشورتى، فافعل..يمكنني أن أدقق نصا أو أعيد تسجيل صوت فيه أخطاء كارثية..
خالد سعد، رئيس قسم التشغيل، يصر : يا مريود…”الحفر” دا إنت ما شايفو؟ الناس ديل عندهم تعليمات بإلغاء أى برنامج تأخر دقيقة عن موعده، بسبب التشغيل، حتى لو كان مسجلا، لمراكمة إيميلات ضد الادارة، والمقصود إنت…ومدير الهندسة، ضياء الدين..تريدنى يا خالد سعد أن أحبط مساعى وجهود “الزملاء الاعزاء” فى الإطاحة بى؟..لن أفعل..
يقربه مدير البرامج، بعد واقعة تسليم الديكور الذى صنعه والده، ولم تجر إجراءات تسليم وتسلم..المؤسسية تقضى أن تدخل المعدات، الديكورات، الاثاثات، وتخرج، وفقا لاجراءات تسليم وتسلم..أن تجلب والدك ليصنع ديكورات للقناة، تتسلم المال، نيابة عنه، تدخل قطع الديكور كما لو أنك اشتريت أثاث منزلك، ثم يكون على إدارة التشغيل أن توقع على أوراق الاستلام؟ شخصيا لن أفعل ذلك..والتقرير أمام المدير العام لم يفتحه، والقطع الناقصة المتعاقد عليها لن تعود..يقول لخالد سعد ” استعد لتستلم الادارة، لأن مريود سيرجع إلى مكانه الطبيعى”..خالد سعد يجيئنى قلقا..ساخرا، أقول له “الجماعة ديل ما يكونوا مرجعنى نيالا، مكانى الطبيعى د؟..يستدعيه المدير العام ويستوثق من الحادثة، معقبا ” زى الكلام دا مفروض ما يتقال…عشان ما يعمل بلبلة فى القناة”…
شايف كيف؟
لاحقا يؤكد وجدى ميرغنى شخصيا، لى، حين سألته عن أسباب فصلى ” والله مذكرة رفعها لينا منتصر يطالب فيها بإبعادك”…جيد جدا…
ومثل قضايا ختان الإناث، حين تتصدى له نشاطات العمل النسوى، إذ من يتولى كبر المسألة هن النساء أنفسهن..الحبوبات، الخالات، العمات، نسوان الحلة…وتقوم الناشطات بإطلاق حملات لتوعية الرجال بمخاطره..الله !!!…من يقومون بختان الإعلاميين هم الإعلاميين أنفسهم…فيما يلقون اللوم على الآخرين..
ما علاقة وجدى ميرغنى بهذا؟
يستقدم وجدى ميرغنى والرأسماليون، عموما، خدم المنازل، ظنا منهم أنهم قد يسهمون فى دفع عمليات تقدم المجتمع، نشر الوعى، زيادة فرص الاستثمارات، لكن لأن الرأسمالية بعيدة نسبيا، عن تعقيدات واقع الخدم…لا تعرف من كان ماذا…كما يقول ماركيز، فإنها توفر مناخا معتبر للخدم لإخراج الضغائن والحزازات…تصفية الحسابات،
بحيث تكون المشاريع فاشلة، تماما، على الأقل فيما يتصل بالمؤسسية وقيم العدل والنزاهة وصناعة الرأى..ففاقد الشيئ لا يعطيه.
شايف كيف؟
ثمة نضالات كبيرة خضتها داخل سودانية، لإجلاس الكادر، فنيين، مذيعين، محررين ومعدى برامج، كلها باءت بالفشل…وهى أبسط إلماحة إلى مسألة “خدم المنازل” هذه…بحيث أن رئيس مجلس الإدارة حتى اليوم، إن أراد أن يجتمع بالعاملين، لن يتم ذلك إلا وبعضهم وقوفا، أو متراكبين على الكراسي…مثل أى مدرسة ريفية فى شرق دارفور، ينتظر الواحد منهم زميله لينتهى مما فى يده، ليجلس…بلا كرامة.
المهم…حدس ما حدس
*ملحوظة:
الصورة تعبر عنى، تماما.فتاة من البنى عامر…