إعادة الإعمار التمويل والتجارب السابقة

مأمون حاتم الفنوب يكتب:
في مقالات سابقة تحدثنا عن الأولويات في إعادة الإعمار وذكرنا أن التعليم والصحة والبنية التحتية تعد الركائز الأساسية لتحقيق الإزدهار الإقتصادي .في هذا المقال سنتحدث عن جانب آخر لا يقل أهمية وهو كيف يمكن تمويل إعادة إعمار ما دمرته الحرب؟ كما سنتحدث عن ضرورة خلق المناخ الملائم لإعادة الإعمار، وجذب هذا التمويل.
عند الحديث عن تمويل إعادة الإعمارتجدر الإشارة إلى أن المصادر المحلية تشكل المصدر الأول لتمويل إعادة الإعمار ( على شحها بسبب ظروف الحرب) والسبب في ذلك أن أي جهة خارجية سترجع لتاريخ الدولة ورشدها في التصرف في مصادرها المحلية قبل منح أي قروض أو القيام باستثمارات في هذه الدولة.
والواقع المؤسف هو أن تاريخ السودان الحديث فيما يتعلق بقضايا الحوكمة وإدارة المال العام غير مشجع لأي مقرض أو مستثمر. وهذا يتطلب إدارة شديدة الرشد والفعالية للموارد المحلية الشحيحة مثل الضرائب بمصادرها المختلفة ، والتي تعد المصدر الرئيس لموارد الدولة في الوقت الحالي. حيث أن هذه الإدارة الرشيدة ستعطي دفعة من المصداقية تساعد على جذب الموارد الخارجية مثل القروض والإستثمارات الخارجية التي يمكن أن تكون أكبر من الموارد المحلية.
تعد المساعدات الدولية مصدرا مهما من مصادر التمويل الخارجية وتمتاز بأنها لا تشكل التزاما للدولة في المستقبل ، لكن يعاب عليها أنها تكون محدودة مقارنة بمصادر التمويل ألأخرى، كما أنها غالبا ما تأتي مشروطة بمواقف سياسية قد لا تناسب مصلحة الدولة. لذلك لا يجب التعويل عليها كثيرا.
إضافة لما سبق يمكن الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وغيرها من المؤسسات. لكن التعامل مع هذه المؤسسات يكون مشروطا بوجود حد أدنى من القبول السياسي في الساحة الدولية، كما تتطلب انظمة داخلية صارمة في الرقابة ومكافحة الفساد الإدارى والمالي لمنع تحولها إلى قروض متراكمة على الدولة دون وجود مقابل ملموس كما كان يحدث في السابق.
أيضا يمكن تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لإعادة الإعمار ، وهي شراكة يمكن أن تكون مفيدة للطرفين ، حيث أنها يمكن أن تحقق أرباحا مجزية للقطاع الخاص يتم إعادة استثمارها في الإقتصاد ، أما بالنسبة للقطاع العام فهي تحقق مصدرا مهما لإعادة إعمار البلد ، أضافة إلى الفوائد الإجتماعية والإقتصادية المتمثلة في خلق الوظائف وتحقيق الإستقرار الإقتصادي، ومرة أخرى لا يمكن تحقيق كل ما سبق من دون وجود نظام فعال للرقابة.
تجدر الإشارة إلى أن تحقيق أي نجاح مهم ومستدام في إعادة الإعمار سيكون مربوطا بتحقيق مصالحة إجتماعية وسياسية تشمل الجميع باستثناء المتورطين بارتكاب جرائم. والسبب في ذلك أن أي مانح أو مقرض أو مستثمر سيقيم استقرار البيئة السياسية والإجتماعية عند اتخاذ القرار. ولا حاجة لذكر أنه سيكون أقل حماسا إذا لمس أي احتمال معقول لعدم الإستقرار السياسي أو الإجتماعي في المستقبل. كما أن وجود شرائح ساخطة في المجتمع يشكل مدخلا لأي جهة ترغب في زعزعة الإستقرار.
أخيرا لابد من وجود استراتيجية شاملة للتنمية بعد الحرب تشمل : البنية التحتية ، المصالحة الوطنة، التعليم والصحة، والتنمية المستدامة. مع التأكيد على أهمية بناء مؤسسات وطنية تتسم بالرشد وقلة الفساد الإدارى والمالي لتحقيق ما سبق، حيث أن استمرار القروض والإستثمارات في المدى المتوسط والطويل مرهون بذلك.