إقتصاد

الأزدهار الغائب ، البنية التحتية سببا ( 1 من 2 )

بقلم / مامون حاتم الفنوب 

بكالريوس ادارة أعمال ، جامعة الخرطوم

تعد البنية التحتية احدى الركائز الاساسية لتحقيق الازدهار الاقتصادي ، ويقصد بالبنية التحتية الهياكل الاساسية التي تساعد المجتمع على الانتاج مثل الطرق وشبكات الكهرباء والسكك الحديدية والاتصالات ، ومن غير وجود هذه المعينات يصبح الانتاج صعبا وفي بعض الاحوال مستحيلا.
في هذا المقال سنتحدث عن وضع البنية التحتية في السودان والمشاكل التي تواجهها بينما نتحدث في المقال الذي يليه عن كيفية التغلب على هذه المشاكل.
عند النظر الى البنية التحتية نجد ان بعض مشاريع البنية التحتية تم انشاءها خلال العهد الثناني ( 1899-1955 ) ولم تتطور بعد ذلك الا بقدر يسير ، وتعد السكك الحديدية اوضح مثال على ذلك. كما توجد مشاريع اخرى تم انشاء معظمها بشكل تدريجي دون المعدل المطلوب خلال فترة الحكومات المتعاقبة بعد خروج الانجليز، مثل شبكة الطرق والجسور والسدود والكهرباء.
السكك الحديدية ، المثال الأوضح
تعد السكك الحديدية من اوضح الامثلة على الاخفاق الحكومي في ادارة المشاريع في السودان ، حيث ترك الاستعمار عند خروجه سككا حديدية تغطي جزءا معتبرا من اجزاء السودان خاصة مناطق الانتاج ،واتسمت تلك الهيئة بالانضباط والكفاءة ، لكن بعد استلام السودانيين للحكم ، سرعان ما بدأت بالانهيار لعدة اسباب اهمها سوء الادارة وتحول السكك الحديدية الى مرتع للنقابات العمالية لتصفية الحسابات السياسية على حساب ادارة هذا المرفق.
اتخذ سوء الادارة عددا من الاشكال لعل ابرزها الترهل في الوظائف العمالية والادارية ، تدني اسعار التذاكر بحيث صارت لا تغطي تكاليف التشغيل خاصة الصيانة مما ادى الى تعطل العديد من القاطرات وخروجها من الخدمة ، كما ادى تاخر توصيل البضائع الى عزوف التجار عن استخدام السكك الحديدية وتحولهم للشاحنات رغم ارتفاع تكاليف الترحيل مقارنة بالقطارات.
الجدير بالذكر ان استمرار اي مشروع مرهون بقدرته على توليد ايرادات تغطي نفقاته ، وعند الحديث عن العمل في الاليات ( او الحديد كما يحلو للبعض تسميتها ) يقع الكثير من العاملين في هذا المجال في خطأ فادح وهو تجاهل التكاليف المتوقع ظهورها في المستقبل مثل الصيانة ، فتجد معظمهم عند تسعير الخدمة المقدمة يكتفون بحساب تكلفة الوقود والزيوت فقط ويتجاهلون الصيانة وتخصيص مصروف لاهلاك هذه الالية باعتبار ان لها عمرا معينا ( مثل عشر سنوات مثلا ) حتى مع الصيانة ، لذلك سرعان ما يتاكل الاسطول المملوك من الاليات سواء كانت تعمل في النقل او غيره . ومع الاسف لا يدرك معظم من يعمل في هذا المجال هذه الحقيقة . وحتى الذين يعلمون بوجوب تخصيص مبلغ للصيانة والإهلاك لا يستطيعون تحميل هذه المصاريف لسعر الخدمة المقدمة لان هذا سيؤدي الي ارتفاع السعر وخروجهم من السوق. والمحصلة النهائية عدم استمرار المؤسسات العاملة في هذا المجال كثيرا ، واذا استمرت فإنها تقدم خدمة متردية، والسكك الحديدية من اوضح الامثلة على ذلك.
ادى ضعف السكك الحديدية الى اضعاف قدرة الصادرات خاصة الزراعية منها على المنافسة في الخارج وذلك بسب ارتفاع مصاريف النقل والترحيل.

الكهرباء
يعتبر قطاع الكهرباء من اهم القطاعات المسهلة للانتاج فالطاقة الكهربائية ضرورية للقطاعات الانتاجية المختلفة خاصة القطاع الصناعي، حيث ظل هذا القطاع يعاني منذ الاستقلال من الاهمال وسوء الادارة ، ورغم تنفيذ العديد من السدود مثل سد مروي ، غير أن تلك السدود والتي شاب تنفيذها فساد مالي زاد من التكلفة المطلوبة ولكنها لم تضف الكثير الى الشبكة مقارنة بالاحتياج. كما اتسم القطاع ايضا بالترهل الاداري ، والذي نتج عنه ضعف المرتبات وبالتالي عدم قدرة الدولة على جذب الكفاءات البشرية مع وجود القليل من الاستثناءات ممن عملوا في الكهرباء لدوافع وطنية خالية من الاعتبارات المادية ، وبالطبع عدد هؤلاء القليل لا يكفي لاصلاح القطاع. والنتيجة خدمة غير مستقرة ادت الى عدم الراحة في القطاع السكني . بينما كان القطاع الصناعي هو الخاسر الاكبر بسبب حوجة كل مصنع الى مولد خاص به مما ادى الى زيادة تكاليف الانتاج وهروب ميتثمرين كثر من الولوج الى القطاعات الانتاجية بسبب ضعف خدمات الكهرباء، وكل هذا ادى الى اضعاف قدرة المصانع على المنافسة في الاسواق المحلية والخارجية،وصارت المنتجات المستوردة تنافس المنتجات المحلية رغم قطعها مئات واحيانا الاف الكيلومترات للوصول الى الأسواق السودانية ، ولعل المنتجات المصرية من اوضح الامثلة على ذلك. وبدلا من معالجة المشكلة من ناحية اقتصادية جرى شحن الناس سياسيا ضد المنتجات المصرية !!
عند الحديث عن حال الطرق، سواء الطرق داخل المدن او الطرق بين المدن ، نجد ان انشاءها اتسم بتدني المواصفات وغياب الصيانة الدورية ، مما ادى الى عدة مشاكل اقلها استهلاك المركبات لقطع الغيار بشكل كبير ، وهذا اثقل جيوب مالكي هذه المركبات خاصة المركبات الكبيرة مثل الشاحنات لارتفاع اسعار قطع غيارها ، وايضا ادى الي اهدار موارد من العملات الاجنبية لاستيراد قطع الغيار وهي موارد مالية مهدرة كان من الممكن استخدامها في صيانة الطرق .كما ادت رداءة الطرق الي انتشار حوادث السير خاصة في الطرق السفرية ، والتي راح ضحيتها العديد من البشر. ويعزى غياب الصيانة في تقديري الى شح الموارد المخصصة لذلك وايضا للفساد الذي يقود لهدر هذه الموارد.
هذه لمحة سريعة عن حال ابرز مكونات البنية التحتية في السودان ، ونختم هذه المقال بالتذكير باستحالة تحقيق الازدهار الاقتصادي دون وجود بنية تحتية تساعد المنتجين على الانتاج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى