ليزا تراس والسودان

بقلم / مامون حاتم الفنوب
ادارة اعمال – جامعة الخرطوم
ضجت الاوساط الاعلامية باستقالة رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس ، وما بين السخرية والاندهاش تناولت وسائل الاعلام وحتى بعض الساسة استقالة تراس باعتبارها صاحبة اقصر فترة لرئاسة الوزراء في تاريخ بريطانيا بفترة لا تتجاوز ال٤٥ يوما ، ولكن ماذا فعلت ليز تراس حتى توصف بالجهل وتستحق كل هذه السخرية؟
الواقع ان فشل ليز تراس اتى من بوابة الاقتصاد الذي دائما ما يعرف بالجنرال الذي يطيح بالحكام دون ان يطلق رصاصة واحدة . فعند تولي ليز تراس رئاسة الوزراء في ظل عدم استقرار سياسي ربما يكون غير مسبوق في تاريخ بريطانيا كان لها هدف واضح وهو تخفيف معاناة البريطانيين عن طريق برنامج اقتصادي يبدو انها لم تستشر فيه الجهات المختصة قبل ان تتولى رئاسة الوزراء. يقوم هذا البرنامج الذي اثار سخرية العديد من الاقتصاديين على تخفيض الضرائب من خلال خفض الضرائب لاصحاب الدخل المرتفع من ٤٥٪ الى ٤٠٪ ، وايضا ارجاع الضرائب على الشركات الى ١٩٪ بدلا من ٢٥٪ . كما تقوم هذه الخطة على دعم المحروقات بشكل مؤقت حتى تتمكن الحكومة من ايجاد بدائل رخيصة. قد يستغرب البعض ردة فعل الاسواق السلبية اتجاه هذه الخطة حيث انخفض الجنية الاسترليني الى ادنى مستوى له منذ السبعينات بينما ارتفعت اسعار القائدة على سندات الخزانة البريطانية الى ٤٪ . والواقع ان ردة الفعل هذه ترجع الى ان الجميع تساءل عن مصدر تمويل هذه الخطة التى تقوم على زيادة في الانفاق وخفض للضرائب في نفس الوقت. وكان من الواضح ان الحكومة ستلجا الى الدين لتمويل هذه الخطة لهذا كانت ردة فعل الاسواق سلبية اتجاه الخطة. وخسرت رئيسة الوزراء منصبها بسبب الشروع في تنفيذ خطة غير مدروسة جيدا.
عند مقارنة هذه الاحداث بساسة السودان نجد انه لابد من ايجاد طريقة لاقناع رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة بتولي رئاسة الوزراء في السودان ، وذلك لانها من منظور اقتصادي بحت افضل بكثير من الساسة الذين يروجون لدعم السلع بشكل دائم وليس بشكل مؤقت كما اقترحت ترس ، كما انهم لا يقترحون اي تخفيضات للضرائب بل يرون ان الدولة يجب ان تخلو من الضرائب اصلا ! لذلك تبدوا ليز ترس متحاملة على ( المواطن ) في نظر هؤلاء. طبعا النتيجة ماثلة امامنا فشل اقتصادي مزمن منذ الاستقلال.
من خلال ما سبق تتضح لنا الفجوة الكبيرة ليس فقط بين ساسة الدول الغنية والفقيرة بل ايضا بين شعوب الدول في الحالتين فكما يقال كيفما تكونوا يول عليكم. فردة فعل الاسواق شديدة السلبية لهذه الخطة تعكس ادراك المستثمر العادي في بريطانيا لتبعات هذه الخطة الكارثية على الاقتصاد، وهي نتيجة طبيعية لشعب منتج وعامل يدرك اساسيات علم الاقتصاد ليس لانه درسها في الجامعات او المعاهد بل لان الانسان المنتج ببساطة يكون له حس اقتصادي سليم يرفض من خلاله التصرفات غير المنطقية. على سبيل المثال يرفض المجتمع المنتج فرض تعرفة للمواصلات لادراكه ان صاحب الحافلة عليه التزامات يجب عليه تغطيتها ، وليس كما يروج هنا ان الحافلة ملك للشعب. لذلك تؤدي زيادة الانتاج الى رفع الحس الاقتصادي للانسان دون الحاجة الى تدريسه علم الاقتصاد.