إقتصاد

لماذا تلجأ الحكومات الى الاقتراض من النظام المصرفي !!!

بقلم / مامون حاتم الفنوب 

بكالريوس ادارة اعمال – جامعة الخرطوم

في المقال السابق تحدثنا عن أن زيادة الانتاج هي اساس خلق الثروة والازدهار لاي مجتمع ، كما تحدثنا ايضا عن ضرورة الاصلاح الحكومي كخطوة اولي لزيادة الانتاج و بالتالي خلق الثروة.
في هذا المقال و مقالات أخرى قادمة سنتحدث بشيء من التفصيل عن المشاكل التي تواجه الاداء الحكومي في السودان والمعالجات التي يمكن ان تسهم في حل تلك المشاكل.
بشكل عام يمكن تقسيم الاصلاح الحكومي الي قسمين : اصلاح مالي واصلاح اداري ، سنتحدث في هذا المقال و المقال القادم عن الاصلاح المالي بينما تفرد مقالا منفصلا الاصلاح الاداري.
عندما نتحدث عن الجانب المالي في حكومة ما ، فاننا نقصد به ايرادات تلك الدولة و اوجه صرفها وبشكل عام تاتي الايرادات من الضرائب بمسمياتها المختلفة والقروض التي اما ان تكون في شكل سندات حكومية او من خلال الاقتراض من المؤسسات المالية المحلية و الدولية ، و اخيرا هناك وسيلة اخري لخلق ايرادات للحكومة وذلك من خلال الاقتراض من البنك المركزي وغالبا ما يكون ذلك من خلال طباعة النقود.
في حال حكومة السودان منذ الاستقلال، نجد ان الايرادات الضريبية يشكل عام كانت غير كافية لتغطية النفقات الحكومية بسبب ضعف القدرة علي تحصيل الضرائب وهذا الضعف بدوره يرجع الي عزوف و تهرب الممولين وايضا بسبب عدم شمول المظلة الضريبية لجميع قطاعات الانتاج ، حيث ان الضرائب تركز بشكل رئيسي علي الوارد و تهمل قطعات اخري مثل القطاع الخدمي ، كما ان الصرف الحكومي بشكل عام اعلي من اللازم بسبب انتشار الترضيات والمحسوبية في اجهزة الدولة ( سنتحدث عن هذا الامر بشكل اكثر تفصيلا في مقال لاحق ) . باختصار لم تكن الضرائب كافية لسد الانفاق الحكومي بسبب انخفاض الضرائب و ايضا ارتفاع الصرف الحكومي لذلك لجأت الحكومة الي الاسلوب التالي في تمويل الصرف الحكومي و هو القروض من المؤسسات الدولية المختلفة حتي بلغت هذه القروض حوالي الستين مليار دولار ، معظم هذا المبلغ فوائد و غرامات تاخير حيث ان المبلغ الاساسي لم يتجاوز الخمسة عشر مليار دولار ، الجدير بالذكر ان هذه مبالغ مقدرة من هذه القروض صرفت في مشاريع فاشلة مثل مصانع الالبان و تعليب الفواكه و غيرها ، و كما ذكرنا من قبل فان الحكومة هي اسوا مستثمر. و كانت نتيجة ذلك عدم قدرة حكومة السودان علي اخذ قروض اخري بسبب هذا التعثر في سداد القروض القديمة و ايضا بسبب العقوبات التي فرضت علي حكومة الاسلاميين .
نتيجة لكل ما سبق (عدم كفاية الضرائب و عدم القدرة علي اخذ قروض جديدة ) لجأت الحكومات المتعاقبة خلال اواخر ايام نميري وخلال فترة الصادق المهدي وفترة حكومة الاسلاميين وحتي الى يومنا هذا الي الاسلوب السهل في تمويل الحكومة وهو الاقتراض من البنك المركزي من خلال طباعة النقود وهو أسلوب عادة ما تنكره الحكومات او تتكتم عليه غير ان حكومة الاسلانيين لجأت له عدة مرات بحسب وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي حيث اكد ذلك في اكثر من مقابلة تلفزيونية .
اسلوب الاقتراض من البنك المركزي او طباعة النقود يمكن ان تلجا اليه الحكومات لكن في حدود لان له عيوب أبرزها ان طباعة النقود تؤدي الي خلق تضخم بسبب وجود كتلة نقدية زائدة تطارد نفس السلع و الخدمات ، و بالتالي تزيد الاسعار . و عند اخذ السودان مثالا فقد بلغ التضخم في بعض السنين اكثر من ٣٠٠٪؜ و كانت نتيجة ذلك تاكل المدخرات بالعملة المحلية خصوصا لدي بسطاء الناس ، و عزوف غالبية الناس عن الادخار و بالتالي الاستثمار ، كما مثل اسلوب التمويل هذا عقبة امام الاستثمار الاجنبي بسبب عدم اليقين الذي يحيط به ، اي عدم قدرة الشركات علي معرفة تكلفة السلع والخدمات التي تنتجها وبالتالي صعوبة تسعير هذه السلع والخدمات ، هناك استثناء لهذه القاعدة و هو قطاع الصادر حيث تزداد تنافسية هذا القطاع وذلك لانخفاض التكلفة بالنسبة للمصدر نتيجة انخفاض التفقات المحلية مثل المرتبات.
لكل ما سبق ، نتج عن ذلك واقع اقتصادي مزري في البلاد بشكل عام و حكومات فاسدة وفقيرة لا تستطيع وضع او تنفيذ اي سياسات.
ولكن من يتحمل مسؤولية هذا الوضع ، في تقديري الشخصي ان المسؤولية يتحملها كل الكيانات الحزبية او العسكرية التي شاركت في الحكم دون استثناء.
وحسب تقديري يمكن اصلاح الوضع المزري من خلال تقليص النفقات الحكومية وانسحاب الحكومة من الاستثمار المباشر و اخيرا وضع اليات واضحة للحوكمة في الجهاز الحكومي.
ومنعا للاطالة في هذا المقال ، سأوضح تفاصيل اضافية في المقال القادم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى