السبب فى السرير..المسكوت عنه فى العلاقات الجنسية ( 3 )

د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
نسيت ان اذكر لكم مصادفة عجيبة، فان بطل قصتنا اسمه التجانى، يعنى لا يشبه التجانى يوسف بشير فى حظه فقط، وانما ايضا فى اسمه!!..
حينما دارت احداث قصته، كنت وقتها بعيدا عن كل اشكال والوان الاقفاص، الحديدية منها او الذهبية، ولكن تجانى لم يتركنى فى حالى، حالما بعالم سعيد بعد الزواج، فقد ارهبنى الرجل “ومسخ” على التفكير فى الزواج، والشاى ” المقنن” كمان، وهو يروح ويجى، يحكى الى الامه واحزانه وحرمانه، حتى جاءنى يوما على غير عادته، متهلل الوجه، فقلت له: خير .. اليوم شكلك مبسوط ..اتمناك قضيت ليلة طيبة وحققت انتصارا ..عقب الهزائم المتتالية.
اسرع واجابنى: يازول انا سوف اصبح ابا ..زوجتى حامل.
اجبته: الف مبروك يا صاحبي، لقد خدعتنى وانت شغال “موية ونور”!
تجانى: يا زول هى بعض لقاءات الواجب الاعمى الغريزى، تاتى من حين الى اخر لاسكات انات الجوع…وقد شاءالله ان ياتى منها حملا ..اتمنى ان يغير مجرى حياتى..
اجبته: اتمنى ذلك ..وانا برضو عندى ليك خبر كويس، بس عندى شرط واحد، وتعاهدنى ان تلتزم به ..ولن ابلغك بالخبر قبل ان تعاهدنى..
تجانى: مش مشكلة، اعاهدك يا صاحبى ..
فشرحت وشرحت له الخبر: تعلم يا صاحبى ان السكن الجامعى قد ارتفعت رسومه هذا العام، اضافة الى فوضى الطلاب والطالبات ..لذلك خطرت لى فكرة، وهى ان استأجر بيت كبير من اربعة غرف، ومن ثم اقوم بتأجير الغرف للطلاب، بما يزيد قليلا من اجرة البيت، وبالطريقة دى اطلع اجرة البيت والفواتير، واستفادتى هى السكن المجانى شاملا الغاز والكهرباء والمياه والهاتف…وانت عارف انا زول على قدر حالى..ومافى زول برسل لى مصاريف، بالعكس انا الذى ارسل للاسرة كل شهر …ربك يعين بس.
تجانى محذرا: ولكن قد لا تجد طلاب/طالبات، حسب مفاهيمك و ” مقاساتك” يا صاحبى ..فانت ” ترزى” واسع الخيال وصعب الاختيار ..
اجبته: الحمدالله وجدتهم وجاهزين ..وانت تعرف اننى اجيد التخطيط وادرس كل شئ بعناية باكرا ..ولا اترك شاردة ولا واردة دون حسبانها..
تجانى: اعرفك جيدا ..ولذلك انت مستشارى الخاص، فى كل شئ، ولكن لم تقول لى شرطك بعد يا صاحبي..
اجبته ضاحكا: شرطى بسيط جدا ..ما تعمل الدرب “سا ساقا” وتجينى “ناطى” كل شوية ..لان بيتى الجديد قريب من بيتك.
تجانى: والله كل ما ازعل من المدام ..احضر للمبيت معك ..
انتهرته: بالظبط دا الخايف منه ..خليك على عادتك ومرحب بيك فقط فى امسيات الويكند ..
وبالطبع ازداد حال صاحبي سوءا مع الحمل، وانا اضغطه واقول له ان هذه هى اللحظات التى تحتاجه فيها زوجته، ويجب ان يمنحها كل المحبة والعطف، وان يدعمها ويسندها ..
ولكن مصيبتى فى البيت الجديد انه اصبح عندى اكثر من تيجانى واحد ..فقد كانت هنالك شقة قريبة منى يمتلكها سودانى صديق لنا، وقد تعود ان يمنح مفتاحها لمعارفه واصدقاؤه واسرته، وخصوصا الذين يحضرون لقضاء “شهر العسل” ، لان منطقتنا سياحية وجميلة..
وصديقنا تجانى زائد “العرسان” ، عقدونى وارهبونى من الزواج، وانا زول لازلت “بعذريتى” ولا خبرة لى فى العوم ولا عندى زورق!
فقد لا حظت ان معظم العرسان فى الايام الاولى يكونوا منشرحين، متشابكى الايدى، وبعدها تراهم ماشين نحو الشقة وبينهما مسافة بعيدة، ووجوههم عابسة، وبما اننى كنت اقدم لهم كثير من المساعدات فى المنطقة، واحيانا اعزمهم على الشاى او الوجبات، كعادة السودانيين، وخصوصا وان بيتى اصبح قبلة الكل واطلقوا عليه البيت العالمى، وتجد فيه خليط من شعوب اسيا وافريقيا واوربا، وحتى الامريكتين!
وكما اسلفت، فان شقة العرسان، تكاثر وتناسل فيها “تجانيات” لدرجة مخيفة، وكان اولهم حلفاوى ظريف، داعبته بان الحناء جميلة، فوق يده ..فصاح: ميت..ن و …..ن العرس ذاتو !!
مالك يازول ..انت عريس مفروض تكون فرحان ومبسوط ..
ومن العريس الحلفاوى وعقدة “تجانى” ادركت ان معظم المشكلة تكمن فى الختان الفرعونى، الذى ليس فقط تشويه لخلق الله، بل تعداه الى تشويه “نفسى” يصاحب الفتاة طيلة الحياة، ويؤثر سلبا على مجمل حياتها، وقد يؤدى الى امراض نفسية وجسدية قاسية جدا ..وكثيرا منها ينتهى بالطلاق.
وايامها تذكرت موقف كنا نراه وقتها غريبا، ولكنى بعد الذى عايشته عن قرب، ادركت معناه، فقد كان احد اقربائي مغتربا فى الخليج وعنده ثلاثة بنات “حليوات” كلهن براءة طفولة، وقد اتفق مع زوجته على ان ختان البنات جريمة، لا تقل عن الشروع فى القتل، ويجب ان تعاهده على ان لا يتم ذلك فى حياته او مماته، فعاهدته على ذلك، ولكنها لم توفى بعهدها، عندما ضغطت عليها امها وخالاتها ” عيب السجم والرماد، تخلى بناتك غلف” .. واخبروها ان الختان قد “تطور” وانهن سوف يوصوا ” الداية” تجرى لهن ختان “سنة” وليس فرعونى ..
وبالفعل تم الختان واتفقوا مع الجميع على اخفاء الامر عن الاب، الذى عندما عاد، لسوء حظهم، وجد ان طفلته الصغيرة تعانى من التهابات حادة، وافاده الطبيب بان السبب هو الختان، فسال زوجته: فاعترفت بان السبب هو ضغط امها، ولم تستطيع ان تخالفها لان ذلك حرام، فاخبرها ان طاعة الزوج مقدمة على طاعة الام، فلم تقتنع ..فاسرع الى دولابه واخرج مسدسه، واصر على ان يذهب لنسيبته ويفرغ فى رأسها كل الرصاص، لولا تدخل الاجاويد، وانتهت المأساة بطلاق الزوجين.
عندما عايشت قصة ذلك الزوج كنت اراه زول “صعب “جدا وان الامر لا يستحق هذه “الزيطة والزمبليطة” وكمان طلاق ومسدسات، وحملت عليه كثيرا وصنفته حينها بانه معقد وارهابي ..حتى جاء الوقت وعايشت ازمة “العرسان” وصديقى تيجانى..
فقد كان الختان مشكلة ضخمة للعروس السودانية فى انجلترا واعتقد فى كثير من بلدان العام، عند بداية الزواج، وعند الانجاب ليس فقط مشكلة، بل قد تتعرض حياتها لخطر الموت ..
قد تكون هنالك حلول “سودانية” داخل البلد، اما خارجها فقد ينتهى الزواج بالطلاق قبل انقضاء “شهر العسل” ، لان كثير من الازواج يحدث بينهما تصادم وتشاجر، بسبب صعوبة الامر، فيعتقد العريس بانها ” مدلعة ومستهبلة” وكثير منهم لا يتفهم الامر، لانعدام الثقافة الجنسية اولا، وثانيا لانه يسمع من اقرانه كثير من القصص الخيالية عن ليلة “الدخلة” !
واضافة الى التشويه الجسدى ممثلا فى الختان، فان التربية ايضا تخلق تشويه نفسى، وخصوصا نحو الصغيرات، الذين تبدأ العنصرية ضدهم باكرا ..فان الطفلة الصغيرة التى ياداب تتعلم المشى، ان خلعت ملابسها فان ذلك “عيب”، على العكس من قرينها الصبى! ومن ثم يبدا ” الارهاب الجنسى” مبكرا ويكبر معها وقد يكون سبب تعاستها فى حياتها الزوجية، وكثير من اسباب الطلاق، يعلقونها فى “شماعات” عديدة ..ولكن والدى كان يرى ان معظم اسباب الطلاق فى السودان تنطلق من والى
” السرير “!!..
رغم اللف والدوران الظاهر!!
وقد ساعدت احد ” المتفهمين” من هؤلاء العرسان، وذهبت به وزوجته الى اخصائية امراض نساء سودانية، وقد افادتنا ان العروس تحتاج الى جراحة صغيرة، لانه من المستحيل الممارسة الجنسية فى وضعها هذا، وان ذلك الامر فى انجلترا يحتاج درب طويل يبدأ من طبيب المنطقة السكنية، وقد يستغرق الامر شهورا حتى تتم المعالجة، ولكنها سوف تقوم بمغامرة، قد تؤدى الى فصلها من العمل ومحاكمتها ان علمت بها ادارة المستشفى! وهى اجراء الجراحة سرا ..وقد كان وانقذنا ” المركب” من الغرق! رغم ان مراكب كثر تاهت عن الشاطئ ..ولم تجد بوصلة!.
ونرجع لصديقنا تجانى “الاصل”، وهو يذكرنى بحال الاتحادى “الاصل”! ..فان صاحبى قد سارت حياته رتيبة مملة، متخبطة، تارة هنا وتارة هنالك، فاتجه للتصوف والذكر، وبعدها اصبح مدمن متابعة مباريات كرة القدم، فقد كان يبحث عن “نسيان” همومه واحزانه وجرب كل السبل، وكنت اصبره بان ميلاد طفل/ة له ربما سوف يغير مجرى حياتهم للافضل ..
حتى جاءت لحظة مخاض زوجته، ورافقته للمستشفى، وجلست فى الصالة الخارجية، بينما دخل معها تيجانى الى غرفة الولادة، ولم يمضى وقت طويل، حتى رايت اطباء يدخلون ويخرجون ..وهواتف واتصالات …وقلق يبدو فى وجوه الكل، وعلمت منهم بتعثر الولادة، وقد كانت المشرفات عليها ” الدايات”، يعتقدن بان زوجة تيجانى لديها تشوه خلقى، ومن ثم تم استدعاء الاستشارى والذى بدوره استعان بطبيب استشارى مصرى له خبرة فى مثل تلك الحالات ..وبعد اكثر من عشرة ساعات ..خرجت مولودة صاحبي فجرا الى الحياة ..وصرختها تعانق السماء..
وخرج هو ليخبرنى، ورايت فى وجهه ما يشير بانه هو الذى كان يعانى الام المخاض وعسره، وليس زوجته!!
وكانت اول كلماته لى: ياااخ ده تشويه فظيع ..المسكينة قربت تموت ..وانا معها ..
لقد كنت على اعصابي، بسبب الختان، كان خروج المولودة امرا عسيرا …بسبب هذا الختان اللعين ..
سالته ساخرا: وهل سوف “تطهر” بنتك “سنة” مستقبلا …اليس كذلك?
اجابنى بغضب: بل سوف اقتل من يفعل بها ذلك.
وفى الحلقة القادمة نعرف ان كانت طفلة تجانى قد غيرت مجرى حياته ..ام سارت به الحياة فى دروب اخرى?
كونوا معنا..
د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
#المسكوت_عنه_والسرير