الرواية وحقوق الإنسان كما يراها الروائي محمد سليمان الشاذلي

بيان إيميل زولا وآخرين أعطى للأدب بعدا إنسانيا جديدا
الدوحة : بابكر عثمان
كيف هي علاقة الرواية بحقوق الإنسان؟ هذا السؤال أجاب عنه روائي سوداني مشهور فاز بعدة جوائز عالمية، كما أن إحدى رواياته يتم تدريسها في جامعات بريطانية. يقول الروائي محمد سليمان الشاذلي والمقيم في الدوحة ( إنه بالرجوع ربما لأكثر من قرن إلى الوراء، تحديدا عام 1894، سنتعرف على تداعيات قضية أثارت فيما بعد ضجة ضخمة في فرنسا وما عُرِف يومها بقضية الفريد دريسيوس.)
ففي تلك السنة دانت إحدى المحاكم الفرنسية ضابطا برتبة نقيب بتهمة تسريب معلومات عسكرية إلى ألمانيا وتبدت القضية وكأنها مرتبطة بعملية تجسس وخيانة وطنية وقد يبدو الأمر عاديا، غير أن التعقيد نجم عما عُرِف عن القضاء الفرنسي في القرن التاسع عشر بمعاداته للسامية ولليهود، ما أدخل القضية في إطار التمييز العرقي والديني وعليه أطَّرَها بلغة اليوم داخل إطار الحريات العامة وحقوق الإنسان وقد أدى تعقد الأوضاع في فرنسا في ذلك الوقت إلى تحويل الإدانة إلى قضية شأن عام لم تلبث أن عصفت بالحياة الاجتماعية والسياسية والأدبية في فرنسا، بل قسمت الشعب الفرنسي ونخبته إلى مناصر للفرد ومُعاد له.
ما يهمنا في هذا السياق – يقول الشاذلي – هو تقاطع الأدب وفن الرواية على وجه التحديد مع هذه القضية المندرجة تماما في دائرة الحريات العامة وحقوق الإنسان. مضيفا : دونما ريب فقد أعطت مشاركة الأدباء والمفكرين الفرنسيين في الصراع حول هذه القضية،الحياة الثقافية الفرنسية صورة جديدة برزت في ظهور أول بيان في تاريخ الفكر الغربي (بيان جماعة المثقفين المعادية للفاشية)، هذا البيان غيَّر من بعد – حسب الشاذلي – دنيا الثقافة والأدب ونشر في جريدة اسمها لوب في عام 1898 ممهورا – وهذا ما يهمنا كثيرا – بتوقيع روائيين كبار جدا هم إيميل زولا وأناتول فرانس وماكسيل فورست وليون بلونغ رجل الدولة، ذلك البيان شديد الخطر، دفع بالصراع حول قضية الفريد ليكون صراعا للمشهد الثقافي الفرنسي، صراعا بين جيلين هما جيل الأكاديمية الفرنسية العريقة وجيل الروائيين واليسار الفرنسي المتجدد يوم إذن، ثم لم يلبث الصراع أن تحول إلى صراع حول مفهوم المثقف. وحسب الروائي السوداني محمد الشاذلي والذي درس الأدب الفرنسي فقد حمل هذا الصراع تيارين، تيارا يرى أن مصلحة الدولة هي الأهم وقد أرسى هذا المفهوم رجل الدولة الكاردينال دشليو، ويدعو هذا التيار إلى العمل على ترسيخ الدولة ودعمها على حساب الحريات وحقوق الإنسان، والتيار الآخر ويضم اليساريين والأدباء والذي يرى أن المثقف في جوهره ومفهومه وتعريفه هو المعبر عن المجتمع وبالتالي عليه أن يحاسب الدولة وأن يراقب ويتابع وظائفها وأنشطتها، خاصة ما يندرج في إطار الحريات العامة وحقوق الإنسان.
يقول الشاذلي: “رغم أن الأدب عموما يستمد حياته وحيويته من الطاقة الإنسانية المتنازعة بين الخير والشر بالمعنى الإنساني الأوسع والذي بالضرورة تولدت منه فكرة وأشواق الإنسان الحقوقية والفنية إلا أن هناك تقاطعات، فأيضا هناك روايات وأعمال فنية تصادر حقوق الإنسان ومكرسة للتفرقة العنصرية لدرجة سلب الإنسان إنسانيته، وثمة نماذج كبرى لذلك أهمها نجدها في رواية كتبها جوزيف كلبرت وهي رواية توضح بشاعة التعامل ما بين الأبيض والأسود، يوم أن جاء المستعمر الأبيض إلى إفريقيا والشخصية الرئيسية في هذه الرواية شخصية رهيبة. ويواصل الشاذلي تحليله للأدب الغربي المتصل بحقوق الإنسان فيقول إن كاتبا إنجليزيا آخر وهو كبلنغ نشر روايات تشعر فيها بالنزعة الاستعمارية والتي تعلي من شأن العرق الأبيض إزاء الأعراق الأخرى (الآسيويين الهنود)، لأنه عاش بالهند وكانوا يطلقون على ذلك (عبء الرجل الأبيض) وفي فرنسا يسمونها (الرسالة الحضارية) في هذا الجانب تجد كتابا كثرا وأعمالا روائية عديدة.