حين هتف وردي..أشوف الماضي فيك باكر..أريت(شاكر)يكون هسسه
بقلم/محمدعكاشة
الإعتياد علي التلقي الشفاهي عوضاً عن التدوين الكتابي لتاريخ الغناء والتراث السوداني أضاع إرثاً عظيماً كان من الممكن أن يفيد منه الباحثون المؤرخون بمايصل الأجيال بماضيهم التليد.
الغناء حامل للثقافة يكشف الحراك الاجتماعي عبر الحقب التاريخية المختلفة وحقانية هذه الحقب في الدلالة علي حاضر وحضارة الأمم.
الباحث الموثوق الطيب محمد الطيب إبتدر موضوعة التوثيق للتراث عبر التلفزيون من خلال برنامجه (صور شعبية) بيد أنه نهض بآخره إلي التوثيق الكتابي يتعقب (الرواة) الظاعنين في الفلوات ليستصدر عدداً من الكتب تعد الآن مرجعاً ذا إعتبار.
الموسيقار شاكرعبدالرحيم في نقاش بديع يبحث أهمية التوثيق للموسيقي السودانية وهو إذ يفعل إستناداً علي تجربته المستمرة في حقل الموسيقي بلا انقطاع وبلافجوات.
الرجل حين شب وهو تلميذ في المدارس الثانوية يرعي موهبته ويبرع في الجماعات والفرق الموسيقية لكبار الفنانين مزاحما المهرة من العازفين جاء يقدل بحقه يقدم (إضافات) بآلة الجيتار علي بعض الأعمال اللحنية المستقرة مسبقاً.
شاكرعبدالرحيم لأول الأمر تدفع به شقيقته الدرامية مني عبد الرحيم وزميل دراستها بالمعهد العالي للموسيقي الفنان عركي البخيت إلي فضاءات الإبداع وهوثم يافع غرير ليجد نفسه عازفاً ضمن مجموعة مصطفي سيداحمد وزينب الحويرص التي تكونت إبان حضور مصطفي سيد احمد من بورتسودان حين كان يعمل بها (مدرسا) ليتم إنتدابه الي معهد المعلمين العالي ووقتذاك يتم إبتعاث المعلمين للتدريب وللإفادة من دراسة مناهح أخري مثل الرسم والموسيقي ليظفر الملحن محمد سراج زوج مني عبدالرحيم شقيقة شاكر بالشاب مصطفي سيداحمد في قسم الدراما ليشهده ذات مرة وهو يدندن بصوت شجي ليقوم بتوجيهه الي قسم الموسيقي ومن ثم يقدمه في أول ظهور عبر(السمحه قالوا مرحلة) ومن بعدها(الشجن الأليم) وحينها تصادف أن يقوم تلفزيون السودان بتغطية منشط ثقافي لمعهد المعلمين تغني فيه مصطفي سيداحمد ليسطع نجمه ونجم الشاب شاكرعبدالرحيم عازفا متميزاً يلفت نظر الفنان محمد وردي.
طالب الثانويات وقتها شاكر عبدالرحيم يجد نفسه عازفا أساسياً ضمن فرق عركي ومحمدميرغني وخليل اسماعيل في حفلات مستمرة سوي أنه ذات مرة يطلب إليه الموسيقي عوض حرقل مشاركتهم حفلا للفنان محمدوردي في مدينة أمبدة لتغيب عازف الجيتار صلاح خليل لظرف خاص في مغامرة عدها شاكر حينذاك عملاً خطيرا يتهيبه الأفذاذ من العازفين.
حضر الفنان وردي إلي مكان المناسبة أو الحفل ليلمح شاباً صغيراً ليعاجله جعفرحرقل بالتعريف بالعضو الجديد.
حرقل يعرف وردي جيدا ووردي يثق بحرقل فأن تدفع بعازف إلي فرقته بلا إختبارلايستطيعه أحد سوي حرقل.
وردي يومئ بالقبول بأنه شاهده مرة في التلفزيون ثم يسأله:- (إنت حافظ جميلة ومستحيله؟!.) يجئ الرد بالايجاب فهو يحفظ كل أغنياته وألحانه وقبل ذلك كانت الفرقة تهمس همساً مرتابة بأمر الشاب فلا أحديعرفه من ذي قبل ثم الفرقة تترجي الموسيقار وردي بالعدول عن أداءها لغياب العازف صلاح خليل وهي أغنية تعتمد في لحنها علي آلة الجيتار ليعلن وردي للفرقة بأن تبدأ بها الحفل ليتجلي الفتي المغمور ليس بعزفها بطريقة صحيحة وإنما بالإضافة المثرية علي لحن صقل تنويعاته ملحن في قامة محمد وردي وعبقريته.
ثم..عقب إنتهاء الحفل طلب الفنان الكبير من الشاب الموهوب الإنضمام إلي فرقته والسفر معهم غداً الي مدينة بورتسودان وأمر بمده بجدول الارتباطات الممتد لشهور داخل وخارج السودان. الأستاذ شاكرعبدالرحيم يجد نفسه (منظوم)في عقد فرقة الفنان محمدوردي الموسيقية قبل أن يصقل موهبته بدخول معهد الموسيقي بل ويقدم (إضافات) لحنية لبعض أعمال الموسيقار وردي قبل أن تتقادم تجربة العمل معه و(الإضافات) هذه عبر (لوازم) الألحان فيما يتصل بآلة الجيتار ووردي للذي يعرف إعتداده لا يماري في تجربته غير أنه يذعن لما يثري تلك التجارب من عمل نوعي وإضافة ثرة ليستمر شاكر عبدالرحيم معه سوي أن حالة من (سوء التفاهم) بينهما وحالة من (أحوال) شخصية شاكر نفسه و(تمرداته) وتفوقه علي ذاته حدت به إلي مغادرة الفرقة.
شاكرعبدالرحيم يعكف ببيته رغم توسل الكثيرين من معجبي محمدوردي ووساطة المقربين منه من الموسيقيين ومن شعراءه ومنهم الشاعر العظيم محجوب شريف سوي أن (شاكرا) يشكرالناس ويستميحهم الأعذار وهو يعترف بأن (وردي صنع نجوميتي) وذات يوم يطلب إليه الفنان خوجلي عثمان مشاركته حفلاً ببيت السفير النيجيري بحي كافوري ليستجيب لطلبه والحفل كان يتشاركه مع الفنان محمد وردي وحين وفد خوجلي عثمان وفرقته الي بيت السفير كان وردي في المسرح وهو يشدو بأغنية (أقابلك) وحين لمح شاكر عبدالرحيم صدح صوته:-. أشوف الماضي فيك باكر..
أريت شاكر يكون هسسسسسه… وسط دهشة الحضور وفرحة العازفين.
الموسيقار شاكرعبدالرحيم من بعد مغادرته وردي ظل عاكفاً علي بعض التجارب الموسيقية لا ينفك يقدم جهده للشباب والمجاميع الموسيقية ثم هو ضمن مشروعه تقديم كتابات في النقد الموسيقي والتوثيق لسيرة بعض العازفين الكبار الذين قدموا إضافات نوعية في مسيرة الغناء السوداني وتناول تجارب الملحنين السودانين بالتحليل الموضوعي والنقد البناء والتوثيق الكتابي.