ثقافة وفنون

نائلة فزع:- أحاورُ النِّيلَ وأبثُّه لواعِجَ ذكرى نأت لمدُنٍ بعيدهْ

زينب والنيل، والبؤساء.

بقلم/نائلة فزع

 

أحاورُ النِّيلَ وأبثُّه لواعِجَ ذكرى نأت لمدُنٍ بعيدهْ…

أساررُ النجومَ همسًا حتَّى لا يسمعنا ما يحيطُ بها من مجرَّاتٍ عديدهْ…

وأُسطرُ الحروفَ علَّها تدخلُ كلَّ مساحاتِ الحياةِ وتكسوها رونَقًا وبريقًا

تعبتْ ذاكرتي وذكرياتي من التّرحالِ عبرَ المطاراتِ العتيقهْ…

تجاوزتْ روحي الوقوفَ بين الأرضِ والسماءْ…

تحمل هموم الشعراءْ… وهم يحلمونَ بذاكرةٍ خصبةٍ جديدهْ…

تسري عبرَ الخلجانِ ومنافذ البحارِ

لتمحو الظلمَ والانحيازَ وتُعيد دوزنةَ القصيدهْ…

=== === ===

كلٌّ منهم يخشى أن يفنَى،

دونَ أن يغسلَ أدرانِ البشريةِ من ظلمٍ وقهرٍ وعارْ…

وكلٌ منهم يخشى أن يَلُّفه النِّسيانُ

دونَ أن يبني للوطن بيوتًا من الأشعارْ…

يخافُ أن يسودَ الجهلُ ولا يقوى البُسَطاءُ على التَّحمَّلُِ

بلْ وتحرِقهم نَارُ الإنتظارْ…

=== === ===

هامتْ الروحُ من منفى إلى منفَى

تناستْ شكلَ صاحِبها، عيونه، ولون جِلْدِهْ…

تسامتْ عن دماءٍ تجري في عروقهِ

وانحداره من أبيهِ وَجْدِهْ…

انغمستْ في الكلِّ وأهملت الجزء

وتاهتْ من وادٍ إلى وادي…

وسمعتْ زينب تنادي:

أن يا بؤساء العالم اتَّحدِوا وتَحدُّوا الفقرَ والياسْ…

حطِّموا كلَّ قيدٍ وكلَّ خطوطِ التماسْ…

فهِي محضُ أوهامٍ، سَلوا النَّيلَ عنها

فهو شاهدٌ على بدءِ الخليقَهْ…

عالمٌ بما يعنيهِ تعاقبُ اللَّيلِ والنَّهارْ…

فاهمٌ كيفَ يُداهنُ البشر لكي يطمُسوا الحقيقهْ…

شاهدٌ على ممالكٍ سادتْ ثم اهتزَّتْ عُروشها

وحاقَ بها الدمارْ…

غابَ نجمُها فهي كملوكِها لزوالٍ واغتمارْ…

فليحدِّثْ النِّيلُ عن حاضرٍ غيبوه في وضحِ النهارْ…

وأن يجْلو سطحَه حتى نرى ونقرأ ملامَحنا فيه

بدونَ تجمُّلٍ وننفضُ عنها الغبارْ…

=== === ===

حدثْنا يا نيلُ عن خارطةٍ رسمتها أمواجَك

لتباعدْ بين الحروبْ… وتعمِّق مفهوم السلامْ…

تقرب ما بينَ الشِّمالِ والشَّرقِ وما بين الجنوبْ…

وتجعل خطوط َالتلاقي بينهم حبٍّ ووئامْ…

وذلك الغرب النازفِ في دار الفور

جفت وديانُهُ، وسالت دماءُ إنسانِهِ،

في جوْفِ الأرضِ تبحثُ عن الحقيقةِ

لتُبعدَ الظُّنونَ وتقتلَ الأوهامْ…

فالنَّاسُ هنا ذوي قيمٍ ولهمْ آمالٌ وأحلامْ…

إنسانُ بلادي حرٌّ لا يُشترى ولا يُضامْ…

 

فيا ذاتيَ القابعةَ في جَوْفِ الرُّوحِ

هاربةً من صمتِ الصَّمتِ إلى صمتِ الكلامْ…

هذي الكلماتُ في خوابي التاريخ مُعتَّقهْ…

بطمي النِّيلِ سليلَ الفراديسِ مُشبَّعهْ..

=== === ===

 

وهناك على الضفافِ تَجلسُ زينبْ

وحولَها رفيقاتٍ كُلهُنَّ شموخٍ وعزَّةٌ

يغزلْنَ على المتاريرِ ويُطرِزْنَّ على المَناسِج

ما بينَ النُّورِ والعَتمهْ…

ما بين همسِ الكلماتِ وغموضِ المعنى

ما بين افترارِ الشفاهِ وانهمارِ الدَّمعهْ…

 

يغزلنَ “بُردةً للحرِّيَّة” ليُخبِئنَها في رملِ الشطْ

وزينبُ تغزِلُ وتنظرُ في صمتْ…

وترى عبرَ الظَّلامِ جُدرانًا من الصمتْ…

أمواجًا من الأحلامِ تتقاذفُ في صمتْ…

وجبالا من الأوهامِ تتطاولُ في صمتْ…

=== === ===

سوفَ تَلِدُ زينب بطلا ليهُشَّ الجِيادْ…

ليعيدَ للوطنِ فُرْسَانًا رجَّلوهمْ عُنوةً قبلَ الميعادْ…

وتعودُ معهم كُلَّ تواريخِ النُّبوغِ والميلادْ…

تاريخٌ قدْ سرَقوه… وآخر طمسوه…

وضيَّعوا الدفاترَ بينَ الحاكمِ والجلادْ…

=== === ===

أقولها همسًا أن زينبَ حبيبتي…

وأقولها جهرًا أن زينبَ مليكتي…

وأنَّها معشوقةُ النِّيلِ وسُمَّارِ الليلْ

زينبُ تحضِنُ بذرةَ الحريَّةِ في رحمِها المِعْطاءْ…

وصدْرها الحاني يُرضِعُ الأطفالَ

معنى الصِّدقِ معنى الوفاءْ…

=== === ===

زينبُ ذاكرتُها تحوي كُنوزًا من المعرفهْ…

موسوعةٌ في الطِّبِ والتَّاريخِ وعلمِ الفلسفهْ…

وها هي تنعي حاضرًا سكنته

البطالةُ والجهالةُ وعدم المعرفهْ…

=== === ===

وتخافُ من جهلهِم في الحفاظ ِعلى الأجنة،

تخافُ أن يجْهِضوا حَمْلها

فبذرةُ الحريَّةِ لا تستطيعُ كُلَّ أُنثى حَملها

=== === ===

فغيرُ زينبَ ورفيقاتها،

كلَّ الإناثِ مخدَّراتٌ مغيَّباتٌ ضائعاتٌ لاهياتٌ

بين المرضِ والفقرِ وتفشي الفوضى…

بين الحرمانِ واللَّهوِ وارتعاشِ النَّشوى…

بين الثَّرثرةِ والنُّواحِ ونعي الموتى…

لاهثاتٌ وراءَ حبٍ عسى أن تكونَ فيهِ السَّلوى…

وعلى باطنِ الكفِّ نقوشُ حناءْ…

ظاهرُها جمالٌ وأفراحٌ وإغراءْ…

ولكن برغمٍ:

تدمعُ عيونَّهُنَّ من وراءِ نقابِ الهجرِ

في انتظارِ الغائبِ الذي لا يؤوبْ…

وبابُ الشُّرفةِ يظلُّ مفتوحًا لأعوامٍ

عساهُ يعودُ متى يشاءْ…

ليمسحَ الحُزْنَ ويهزِمَ الْجَفَاءْ…

=== === ===

إلا زينب!!!

لا تنتظرُ من هجرَ مُختارًا

بلْ تغتالُ ذكْراه ولها تُغيِّبُ

ولا تتخضَّبْ…

أنامَلها لحملِ القلمِ لتكتبَ

وعيناها تتأمَّلُ ما تكتبْ…

ويسرحُ فِكرُها فيما لم تكتبْ…

وروحَها من أجلٍ حواء تتألَّمُ

ومن أجلٍ الطُّفولةِ تتعذَّبُ

يداها لتمسحَ جباهَ المُعدمينَ والفقراءْ…

ولأجلِهم قد هامتْ روحها بين النِّيلِ والصَّحراءْ…

وكتبت”الحرِّيَّةُ للجميعِ” عَلى الرِّمالِ وسُفُوحِ الجبالِ

ورسمتْها على سطحِ الماءْ…

لا يخدعُها انكسارِ الضَّوءِ عندَ تطابقِ الأرضِ والسَّماءْ…

يداها هزيلتانِ معروقتانْ…

ولكنَّهُما بحبِّ الشَّعبِ مدفوعتانْ…

ولأشجارٍ النَّخيلِ بقوةٍ ممدودتانْ…

فقد أصغتْ مع مريم حينَ أتاها ذاكَ النِّداءْ…

وهزَّتْ مثلَها الجذعِ فتساقطَ

الفقرُ والوجعُ والبؤسُ

على ضفافِ نيلٍ هو سِرُّ الخلودِ سِرُّ البقاءْ…

فكيفَ تغدو المسافةُ بين خطِّ البِدايةِ وخطوطِ الإِنتهاءْ…

وكيفَ تتمحورُ الفكرةُ

وترحلُ عن أرضِنا كل مسميَّاتِ الجهلِ والشَّقاءْ…

=== === ===

زينبُ مازجتْ بين حضاراتِ النِّيلِ والرَّافدينْ…

ودونتْ حضاراتِ ما قبلِ التَّاريخِ حتى القرنَ العشرينْ…

ترفضُ أن تسودَ لغةَ الإِنكسارِ ويهيمنُ حكمَ الغابْ…

تأبى ممارسةَ غسلِ العقولِ

وجعَلَ الدِّين مُتاجرةٌ وحجابْ…

تحلمُ أن تكونَ الحرِّيَّة للجميعٍ ترياقٌ وزادْ…

تخافُ أن تنامَ العقولُ وتصحُو الأجسادْ…

تخشى أن يُسجِّلَ التَّاريخَ في طياتهِ:

“كانَ هُناكَ بلدٌ اسمه السُّودانُ، سادَ ثمَّ بادْ”

وتصرخُ زينبُ مِلءَ الفضاءِ نزْفُ الفؤادْ…

لتطرد هاجسَ تشرذمِ البلادْ…

فالسُّودانُ شامخٌ في عُلاه،

وهو فوقَ المتسلِّطُونَ فوقَ الأَسْيَادْ…

=== === ===

يا زينبُ :

أشهدُ أنَّكِ مليكتي ونُيلكِ حُبِّي

أشهدُ أنَّكِ ملاذي وأرضُكِ عشقي

فهيَّا يا رفاقْ…

مع زينب ونُيلنَا الدَّفَّاقْ…

لنَعيشَه حُبًّا مُطْلَقًا

وَننبذ الفرقةَ ونسعَى للوفاقْ…

=== === ===

زينبُ تسعى لأنَّ تشيَّد ممالِكًا

شِعارُها حبَّ العملَ حُبَّ البذْلِ والإيثارْ…

تبني مؤسساتٍ للعشَّاقِ الأحرارْ…

للنِّساءِ العاشقاتِ وللعمَّالِ الأَحرارْ…

للرِّجالِ الرِّجالْ…

للشَّبابِ والأطفالْ…

=== ===

وجميعنَا نبني مملكةَ السُّودانْ…

ونتوِّجُ زينبَ مليكةً مسكونةً بعشقهِ السُّودانْ…

دمتَ يا سودانْ…

دمتَ يا سودانْ…

***** ***** *****

نائلة فزع

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى