1958،،، أجواء مثيرة سبقت وأد الديمقراطية !!!! ( 2- 2 ) مواقف الأحزاب المؤيدة والعارضة لانقلاب الفريق عبود

1958،،، أجواء مثيرة سبقت وأد الديمقراطية !!!! ( 2- 2 )
مواقف الأحزاب المؤيدة والعارضة لانقلاب الفريق عبود
بقلم / بابكر عثمان
(الديمقراطية لا بواكي لها ) هكذا عنٌون الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه الفصل قبل الأخير من كتابه الموسوم ب (الظروف والاحداث التي سبقت انقلاب 17 نوفمبر 1958 في السودان )
ورغم أن الانقلاب جاء بموافقة من حزب الأمة وبمباركة من السيد عبدالرحمن المهدي ، غير ان السيد علي الميرغني كان أول المهنئين بالانقلاب وحسب الكتاب فقد أذاع محمد عثمان الميرغني نيابة عن والده بيانا من فقرتين ، كانت الأولى ( لقد تلقينا نبأ تسلم جيش السودان زمام الأمور وإننا نأمل ان تتضافر الجهود وتخلص النوايا لتحقيق الطمأنينة في النفوس وتوطيد الأمن والاستقرار في بلادنا ) بينما كانت الفقرة الثانية ( دعاء وابتهالا بأن يجعل الله فيما حدث خيرا كاملا ) … هكذا هم المراغنة إما مسارعة في دعم الباطل أو تباطؤ عن نصرة الحق
أما حزب الأمة فقد كان مزهوا بما حدث ولكنه تأخر في اذاعة بيان الامام عبدالرحمن المهدي ، وكان البيان الذي تلاه نيابة عن الامام ، السيد عبدالرحمن على طه ( والد محرر الكتاب ) فقد احتوى على مبررات لاستلام الجيش للسلطة منها خشية الحزب من ضياع استقلال السودان وأن الحكومات الاربع المتعاقبة على السلطة فشلت في تحقيق ( ما جاهد وصبر من أجله الشعب ) لذلك وحسب البيان ( خشي المخلصون للسودان والحادبون على استقلاله ان يكفر الشعب بمعاني الاستقلال ) كما خشي أولئك الحادبون ايضا من ان ( يفلت الاستقلال من ايدي الأمة ) بسبب ما أطلق عليه البيان ( فشل القادة السياسيين الذين تعاقبوا على كراسي الحكم )
جرى بث هذه البيانات من اذاعة امدرمان ، وكان قائد الانقلاب قبلها قد زار زعيمي السودان آنذاك ( المهدي والميرغني ) و ( التمس مباركتهما لحركة الجيش وقد فعلا ذلك ) حسب الكتاب
ولكن ما هو موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي يترأسه اسماعيل الأزهري ، لقد توارى الأزهري عن الانظار تماما وجلس في منزله ويشاهد صباحا وهو يسقي اشجار حديقته المنزلية ولكن خضر حمد حسب ما ورد في كتاب دكتور فيصل عبدالرحمن على طه فقد أورد في مذكراته برقية بعث بها الى الفريق عبود في 18 نوفمبر 1958 وجاء في بعض فقراتها ( أهنئك أن قمت بحركتك دون إراقة دماء ) ثم مضى قائلا ( لقد كنا نعمل جميعا وجادين لاستقرار السودان ) ودعا الفريق عبود لمحاربة الفساد ( الذي استشرى حتى شمل دواوين الحكومة ) وتطلع ( لزج أولئك المفسدين أمام المحاكم السريعة
موقف الاخوان المسلمين
الملفت للنظر ان الاخوان المسلمين أيدوا بشدة انقلاب الفريق ابراهيم عبود ، كان يترأس التنظيم في ذلك الوقت الرشيد الطاهر بكر وهو محامي ,واتهم في العام التالي بالمشاركة في انقلاب ضد النظام الذي ايده اول مرة وحكم عليه بالسجن 5 سنوات ، كما ايد جعفر نميري واصبح رئيسا للوزراء في عهده لفترة قصيرة.
جاء في كلمة بصحيفة الأخوان المسلمين بتاريخ الأول من ديسمبر 1958 وتحت عنوان ( كلمة الأخوان ) تأييدا قويا لما أطلق عليها ( ثورة الجيش ) تحدثت الكلمة عما أطلقت عليها ( النجاة ) وعن ترحيب المواطنين ( الذين سئموا تلكم الأوضاع ) وعن ( معالم الطريق للقضاء على الفوضى والفساد والانحدار ) ثم عرجت الى ما اطلقت عليها ( الخطوات الحاسمة لحل المشاكل التي تمس حياة الأفراد ) ومنها ( تخفيض ايجارات المساكن وتشديد الرقابة على التجار الجشعين )
لاحظوا ان هذه المعاني هي تماما ما اشتملت عليها الكلمة الخبيثة التي اذاعها البشير بعد ذلك بثلاثين عاما
موقف الحزب الشيوعي
لوحظ ان الجهة الوحيدة التي عارضت الانقلاب هم الشيوعيون ولكن تلك المعارضة لم تكن ضد مبدأ الانقلاب أو تأييدا للديمقراطية ولكن لأن الانقلاب حسب بيان صدر عن الحزب الشيوعي حينها ( انقلاب رجعي ) و ( تم تحت اشراف القيادة الرسمية للجيش ولم تقم به هيئة مناوئة من الضباط كما جرى في مصر او العراق)
يقول الدكتور فيصل عبدالرحمن على طه ( لا جدال في أن الحزب الشيوعي هو الوحيد الذي عارض انقلاب 17 نوفمبر من يومه الأول وتعرض كثير من كوادره للاعتقال ) ويقرر أن تلك المعارضة سببها ( أن الحزب افتقد فيه العناصر التي ذكرها تفصيلا في بيانه بتاريخ 18 نوفمبر 1958 )
طبعا لاحقا وبعد نحو عشر سنوات أيد الحزب الشيوعي المجموعة التي انقلبت على الديمقراطية في 25 مايو 1969
عبدالله خليل ،،، تاييد مطلق
ذهب عبدالله خليل الى منزله مرتاحا بعد ان سلم الحكم الى قائد الجيش ( ابراهيم عبود ) وكان خليل بالاضافة الى رئاسته للوزراء فإنه يشغل ايضا وزير الدفاع وقد اصبحت عملية التسليم والتسلم مثار جدل قانوني فيما بعد
ولكنه وبعد نحو تسعة ايام أجرى معه مراسل صحيفة لوريون الصادرة باللغة الفرنسية في بيروت مقابلة صحفية ، اعيد نشرها كاملة في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية في 27 نوفمبر 1958 ، وصف خليل في تلك المقابلة الانقلاب بأنه ( خطوة عظيمة للأمام ، وحركة نقية لا تشوبها اي علاقات بأي قوى خارجية )
ويبدو انه كان متخوفا وقتها من ان المصريين يدبرون لانقلاب ، لأنه اتهم قوى في الشرق الأوسط ( بأنها ظلت تعمل مع بعض ضباط الجيش طيلة الأشهر الثلاثة الأخيرة لتدبير انقلاب يمس باستقلال السودان ) كما أشار ايضا ان تلك القوى قامت ايضا ( بشراء الصحافة السودانية ودفع البلاد الى حالة من الفوضى عبر الوسائل التقليدية التي فرضت بها ضغوطها على الدول العربية الأخرى ) وعندما ألح عليه المراسل في الكشف عن تلك الدولة التي تدبر للانقلاب أو عما اذا كان يقصد بها الجمهورية العربية المتحدة ( مصر ) والرئيس عبدالناصر أجاب قائلا ( أذا ذُكر المعتدي في الشرق الأوسط فإن جميع الأصابع تتجه اليه)
وهكذا تم تاييد استلام الجيش للسلطة التي ظل متشبسا بها لسنوات لاحقة وحتى اليوم
ملحوظة : كل الاقتباسات من الكتاب جاءت بين قوسين وما عدا ذلك فإن الآراء الواردة ليس لصاحب الكتاب شأن بها