مقالات
أخر الأخبار

أمل بطرس تكتب:- كان لليَهُود وجود فَعّال في السودان وساهموا في بناء دولة السودان الحديثة

بقلم/أمل بطرس

تحدثت في المقال السابق عن البيوت القديمة و تنوعها في احياء الخرطوم وعن حي العزبة واليهود ، و في الحقيقه لم أكن اتخيل ان ما كتبته سيجد كل هذا الصدي لدي بعض المحبين للسودان الذين عاصروا الزمن الجميل و من اللذين لم يعاصروا هذا الزمن أيضا، ونسبة لما يمر به السودان الان والهجرة التي أضطر لها كثير من السودانيين كوضع أفضل، والتغييرات التي حدثت في المجتمع بعد الإستقلال وجهل الكثير عن التاريخ السوداني وعدم الألمام به ناهيك عن التغييرات التي طرأت في معالم الأحياء والشوارع وفي المجتمع السوداني ككل .. وذهاب ماضي جميل لن يعود مرة أخري… الكل يسمع عنه ولكن القليل من عاشه ويعرف تفاصيله، و بسبب هذا أبدي البعض الكثير إعجابة بالموضوع على الرغم من أن كتاباتي لم تكن بالمستوى الذي عليه الآن لكن بسببب الأشياء التي ذكرتها والحنين للذكريات الجميلة دخلت كلماتي قلوبهم …. و في الحقيقه قبل أن ابدء في متابعة الكتابة عن يهود السودان ، احب ان أشكر كل الذين شجعوني وعرضوا مساعدتهم لي بإعطائي معلومات عن هذه الفترة وما قبلها سواء كانوا خارج أو داخل السودان ، وكل شخص وضع بصمة خاصة بتعليق مشجع أو بإرسال رابط يحتوي على الكثير من المعلومات الخاصه بالموضوع أو من ساهم بإرسال تليفونات و ايميلات لهؤلاء اليهود اللذين كانوا في السودان و تمكنت بالفعل من التواصل معهم ، واشكر كل اللذين قصوا لي عن ذكرياتهم كتابة أو شفاهية واللذين كانوا يراجعون معي المقال قبل نشره علي الصفحة ، وأخص بالشكر أستاذ ماهر أخي الإنسان السوداني الأصيل الذي أرسل رابط لكتاب اليكتروني يحكي عن تاريخ يهود االسودان في إيجاز أسمه ” قاموس السوداني التاريخي ” والذي كتب بواسطة ثلاث كتاب هم ريتشارد لوبان، روبرت كرامر وكارولين فلور لوبان وصدر عام ٢٠٠٢ عن دار نشر أمريكية ،،، وطبعا لا يفوتني ان اشكر عم مكرم ميلاد سلامة لتصحيحه لبعض الإخطاء ووعده بإرسال بعض المعلومات المهمة لهذا الموضوع . وايضا الشكر الجزيل موصول للأستاذ / رأفت فارس سعد ميخائيل الذي طلب مني إضافته ضمن قائمة أصدقائي علي الفيس بوك وأمدني بمعلومات هامة جدا كنت أجهلها عن حي العزبة والتركيبة السكانية في ذلك الوقت أعوام الستينات ، وأستاذ رأفت شخصية مهذبة ومتواضعة تحس معه بتلقائية وبساطة الحديث والثقافة العالية في نفس الوقت ، ،وهو ينحدر من أسرة سودانية عريقة فهو حفيد الكاتب والشاعر المعروف سعد ميخائيل مؤلف كتاب ” السودان بين عهدين ” الذي توجد منه حاليا نسخة في مكتبة البطريركية الارثوذكسية بالخرطوم وبخلاف هذا الكتاب له مؤلفات وكتابات شعرية عديدة ، ، ،وسأكتب عن سيرته في مقالة أخري إن شاء الرب وعشنا ،، وبرغم ان الظروف أجبرت ألسيد / رأفت علي مغادرة السودان والهجرة الي بلد آخر لأسباب سأذكرها لاحقا ، الا انه مثله ومثل اي سوداني أصيل مازال السودان في قلبه ومخيلته ، وقد كان قبلا يشغل منصب المدير المالي لمجموعة شركات محمد عبد المنعم التجارية قبل مغادرته للسودان عام ١٩٨٩م ، ،.كتب الاستاذ رأفت في رسالة ان شريط ذكرياته طويل ولكنها ذكريات الوطن الغالي برخاء وطيبة أهله وكرمهم الذي لا يوجد له نظير في عالم اليوم.. وأخذ يكتب عن طفولته ونشأته في منزل جده لوالدته المرحوم “محارب حنا” المنزل الذي كان كائنا في حي العزبة ، و كان يعيش فيه جميع الابناء المتزوجين مع الوالدين وهذا كان حال كثير من الأسر في ذلك الوقت، كما يسمونها في علم الأجتماع نظام الأسر الممتدة، ، وكان الجميع يعيشون في محبة حقيقية مع أهلهم ومع جيرانهم، وبالرغم من إختلاف أعراقهم ومذاهبهم الا إنهم كانوا قلب واحد وكانوا جميعا كأسرة واحدة كبيرة في ذلك الوقت ،. وكان يوجد خير وفير والجميع كان يعيش مستورا وفِي مستوي جيد ، ، وكان موقع المنزل تحديدا علي الشارع الرئيسي الممتد من كوبري الخرطوم – بحري حتي حي الوابورات وحي حلة حمد ، وفِي ذلك الحين كان الترام او كما يسميه البعض ( الترماي) يمر من أمام منزلهم ناحية الشارع الرئيسي ،الذي كانت توجد فيه بيوت لعائلات قبطية ، كما كان يوجد ايضا منزل لعائلة الكردي المسلمة وكان هذا لقبهم نسبة لإصولهم الكردستانية ، و بالإضافة لتلك البيوت كان يوجد منزلان في نفس الشارع لعائلتان يهوديتان هما عائلة إلياهو شاؤول الذي كان موظفا كبيرا بشركة موبيل ( اخر شخص من عائلته كان قد هاجر الى لندن في العام ١٩٩٥م و إبنه روني شاؤول كان مرشحا لمنصب في حكومة حمدوك و هم من العائلات التي لم تغادر السودان أعوام الستينات) ، وعائلة مراد موزييه الذي كان هو وأشقائه من أكبر التجار وقتها ، وكان بالشارع أيضا عياده لدكتور يوناني إسمه الدكتور زيفوس ، وكان بيت جده المرحوم محارب يبتسم بالوسع الشديد وبه سته غرف كبيرة بخلاف الصالات وفراندا طويلة جدا وأسقف عالية وحوش واسع، وبالأضافة للباب الأمامي كان يوجد باب خلفي يفتح علي شارع صغير علي ناصيته منزل الرئيس عبود قبل ان يصبح رئيسا للسودان ، وكان البيت قريبا جدا من سينما حلفايا ومدرسة العزبة الإبتدائية وبعدها تم بتاء مبني المكتبة القبطية ببحري. وظل هذا المنزل كما هو حتي عام ١٩٩٠ ، وتحول الي بناية عالية (عمارة) بعد ان تم بيعه بواسطة الورثة..

في الحقيقة بعد هذا الكم الهائل من المعلومات المهمة عجز لساني عن شكر الأستاذ رأفت الذي جعلني أتخيل منظر الشارع بشكل مختلف تماما عن الذي محفور في ذاكرتي .

 

بعد مداخلة السيد/ رأفت أعود لرحلة كتابتي عن يهود السودان وبرغم إني وجدت الكثير من الكتاب والصحفيين السودانيين والأجانب وحتي يهود السودان أنفسهم كتبوا عن تلك الفترة وتوجد لهم أفلام وثائقية قصيرة علي اليوتيوب لمن لا يعلم ، لكن لفت نظري أتهم لم يخوضوا في تفاصيل حياتهم الاجتماعية فترة وجودهم في السودان وكيف كانت علاقاتهم مع الآخرين ، وعن ما إذا كانوا وما زالوا يتذكرون لليوم العادات السودانية وهل كانوا يمارسونها أصلا ؟ ، ، وعن رحلة خروجهم من من السودان وكيف تمت ، وحياتهم بعد الرحيل ، ، ، ، ولكي أتحدث عن حياتهم في السودان ، لابد ان أخوض في تفاصيل كيف تم دخولهم الي السودان وماذا كان السبب وتاريخ وصولهم وحقائق كثيرة ، وفي الحقيقة وبرغم من ان وجودهم في هذه المنطقة وما حولها قديما جدا ، لكن نجد في التاريخ السوداني الحديث ان وجودهم كان ملموسا وساهم في بناء دولة السودان الحديث بشكل فعال ، ، ومما ورد في كتاب ” قاموس السودان التاريخي ” ، أن اول رحالة يهودي وصل الي السودان هو ديفيد روبيني حوالي عام ١٤٩٠- ١٥٤٠ م. لكن الامر المؤكد والذي إتفق عليه الجميع انه كان هناك إستيطان يهودي صغير في عام ١٨٢١ م وهو العام الذي تم فيه فتح السودان علي يد محمد علي باشا الذي أتي بوفد من اليهود يتكون من ثماني أسر، وقد إستعان بهم لمهارتهم وخبرتهم في زراعة بذور القطن بجانب مهارتهم الفائقة في التجارة وإدارة الأعمال الشيء الذي أكده السيد / شالوم حكيم نجل السيد صاموئيل حكيم المولود في السودان في فيلم وثائقي قصير علي اليوتيوب إسمه ‘ ابناء يعقوب في بقعة المهدي ” والذي عرض بتاريخ ٢٣/١١/٢٠١٣ وقال شالوم حكيم أن السودان في الفترة ما قبل ثورة المهدي كان يسعي اليه الناس بغرض المغامرة والفرص التجارية، وهذا كان الدافع الاول لتواجد أسرته وإقامتها في السودان .،

و ظل الوجود اليهودي قائم في السودان الي العام ١٨٨٥م وهو العام الذي قام فيه السيد / محمد أحمد المهدي بثورة دينية إصلاحية ، ولكن في بداية الثورة المهدية شعر بعض اليهود و الاقباط والأرمن واليونانيون اللذين كانوا متواجدين شمال الخرطوم بالخوف من نتائج الثورة عليهم ،. و لهذا السبب قرروا الفرار الي مصر لانها كانت الأقرب لهم، وكان حالهم أفضل من حال غيرهم الذين كانوا يعيشون في جنوب وغرب الخرطوم ، اما الذين كانوا يعيشون في المناطق الآخري لم يحبذوا فكرة الخروج من السودان وآثروا البقاء لأن غوردون باشا كان يطمئنهم بأن الجيش البريطاني قادم والحكم التركي ما زال قائما الشيء الذي أعطاهم الشعور بالأمان ، اما بالنسبه لسكان كردفان ودارفور كانوا مؤمنين بان الخليفة المهدي سوف لا يستطيع الوصول اليهم، وبالرجوع لمذكرات المرحوم يوسف ميخائيل الذي كان ملازما وكاتبا للخليفه عبد الله التعايشي لعرفت ان محمد احمد المهدي لم يجبر احد علي الاسلام بل كان يود ان يحرر السودان من الحكم التركي فقط ، وقد توفي بعد قيام ثورته بثلاثة شهور فقط بسبب إصابته بمرض التيفود في ٢١ يونيو عام ١٨٨٥م. وبعد وفاة المهدي خلفه الخليفه عبد الله التعايشي الذي لم يسمح لبقية الموجودين من الاقباط والأرمن واليونانيين واليهود بالخروج من السودان بل اجبرهم علي إعتناق الاسلام ، وكان جميعهم يتزوجون من بعضهم في المنازل سرا ، ولكن عندما علم بذلك الخليفة التعايشي أجبرهم علي الزواج من مسلمات من جميع القبائل السودانية المختلفة ، وسمي حي المسالمة في أم درمان بهذا الاسم بسبب هذه الأحداث كما يقول البعض ..

استمر هذا الوضع لمدة ١٤ عاما الي أن سقطت الدولة المهدية العام ١٨٩٨، الامر الذي مكن البعض من اليهود و الأقباط و غيرهم الي العودة مرة اخري الي السودان ، والبعض منهم قرر الرجوع الي ديانته القديمة ، وكان من الذين رجعوا يهود بلغ عددهم في ذلك الوقت مابين ٨٠٠ الي ١٠٠٠ شخص تواجدوا وتمركزوا في العاصمة المثلثة، ولمن لا يعرف أن عاصمة الخرطوم سميت بهذا الأسم لكونها عبارة عن ثلاث مدن كبري هي أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري ويفصل بين كل منهم نهر النيل العظيم ….يتبع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى