أمَل بُطرس تكتُب:-مَسيحيتي تأمُرني بعدم الكراهية ولكن مُجرد ذكر اليَهود كان يُرعبُني ولكن هل ربِح السودان بمغُادرة اليهود أم خَسِر

بقلم/أمل بطرس
كنت قد كتبت هذه المقاله في بدايات الثوره السودانيه بشهرين تقريبا العام 2018م، في عهد الرئيس المخلوع البشير، و لم أكن أدري وقتها ان حكومة البشير ستسقط و أنه سيكون هناك سيكون رأي حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل .. كانت هذه المقاله ثاني مقالاتي و قد كتبتها إهداء للنشأ الجديد من شباب أسرتي، و قد كتبت وقتها الآتي:
هذه مقدمة طويلة لمقالات قادمة إن شا الله، انا لست بصحافية ولا سياسية ولا افهم في السياسة ، كل ما في الامر اني ضد الظلم وأحب وطني السودان ، وحزينة علي ما آل اليه الوضع الان، وكل هدفي هو تسليط الضوء علي كيفية تحسين وضع السودان والنهوض به ، أنا كطفله صغيره نشأت وترعرعت في حي الاملاك ببحري، عاصرت فترة السبعينات بكل هدوئها وجمالها وظروفها وتحدياتها ، وبما ان منزل جدي والد أمي كان ملاصقًا لمنزل جدي والد أبي الذي كنا نعيش في غرفه في منزله كعادة تلك الأيام، و لهذا السبب كان من السهل علي أن اتردد دائما علي بيت جدي و جدتي من ناحية أمي رحمهما الله في وقت من النهار .
ذلك المنزل أقولها للأجيال الجديدة من عائلتي كان يتمتع بطراز غريب ، فرندات واسعة ، غرف نوم واسعة كما تسمي في السودان صالون ، حمام رئيسي واسع و كان المطبخ الكبير ذو المصاطب الأربعه يوجد خارج المنزل ، و كان بالمنزل حديقة أمامية،. كان جدي يزرع فيها بعض النباتات منها الورد البلدي وطبعا الجهنمية التي لم يكن يخلو منها بيت ، و في ركن من أركان الفناء الخارجي كان يوجد مستراح به دش للإستحمام و كان هذا المستراح أو ما نسميه بيت الراحه باللغة الفصحى مخصص للعاملين بالمنزل و أقصد بهم من يقومون بنظافته ، جدران البيت كانت عالية جدا و الأسقف لم تكن مصنوعه من الخشب الثقيل حسب العاده في تلك الأزمنه بل كانت مسلح، الحيشان كانت واسعة جدا من الممكن بناء بيتين أو ثلاثه أو أكثر من بيوت زمننا هذا التي تتميز بالضيق ، ومما يلفت النظر انه كان لهذا البيت باب حديدي قصير يؤدي إلى الفناء الأمامي المزروع ،
والغريب أنه لم يكن يوجد باب في البيت من الداخل ،بمعني انه يمكن للشخص الذي يقف بالخارج ان يري البيت من الداخل ومن الممكن ان يدخل للمنزل و يتجول دون ان يشعر به احد، ولكن هذا الامر لم يحدث مرة واحدة ولا حدث مرة ان سرق احد شيء من المنزل خاصة ان موقف انتظار باصات الحاج يوسف كان أمام هذا البيت و الباعه المتجولون كثيرون لكن أمر سرقة المنازل كان نادرا جدا مالم يكون الخادم الذي يعمل بالمنزل غير أمين،. زمن الخرطوم حينما كان يوجد أمان حقيقي و ضمير في ذلك الوقت، كان في حي الاملاك على ما أذكر حي صغير يسمي بحي العزبه كنا نمر به بعد ان نجتاز كبري الخرطوم- بحري ، وكان يوجد بهذا الحي منازل غريبة و غير معتاد عليها في تصميمها تختلف نوعا ما عن باقي المنازل الأخري ، و برغم قدمها الا أنني كنت أشتم فيها روعة وأناقة المكان ، و تحولت معظم هذه البيوت الي عيادات للأطباء في زمني و لهذا السبب أصبح بإمكاني مشاهدتها من الداخل ، كانت المنازل قريبة الشبه ببيت جدي تمتاز بالصلابة والأسقف العالية والأبواب والشبابيك الخشبية باللون الأبيض المطعم بالزجاج الذي في كثير من الأحيان يكون ملونا والبلاط الانجليزي الأنيق يجعل المكان اكثر أناقة على عكس بيت جدي الذي كان بلاط منزله باللوني الأبيض و الأسود ، في معظم البيوت التي دخلتها كانت توجد غرفة صغيرة في الركن غالبا ماكانت تستعمل كمكتب و كان جدي يوجد له مكتب أبيض في غرفة صغيره كان يستخدمها كغرفة نوم خاصه له ، و أيضا في بيت جدي كانت توجد فراندة صغيرة جدا علي شكل غرفة تبينت بعد كل هذه السنين إنها من المحتمل أن يكون سكان المنزل قبل جدي كانوا يستعملونها كغرفة ترفيهية او بإمكاننا القول انهم كانوا يستعملونها كغرفة للعب البلياردوا و هذا ما تبين لي فيما بعد بالفعل.
لم تكن هذه البيوت فقط هي الموجوده في الخرطوم القديمه ، فبخلاف هذه المنازل كانت توجد منازل مبنية علي الطراز الانجليزي القديم يوجد بها حديقة إنجليزية أو ما نسميها مبناة على التصميم الفيكتوري القديم ، و كانت بعض البيوت المبنيه في شارع المك نمر علي الطراز الامريكاني وكان بتلك المنازل مطابخ امريكانيه التصميم بلغة الجيل الان، و كان نسيب خالي له بيت بهذا الوصف لهذا تمكن لي من رؤيتها، ، هذا غير المنازل التي كانت توجد في شارع البلدية و معظمها كان مملوكا لليونانيين سكان هذا الشارع مقابل صينية جيمس.
و كانت توجد منازل عربية يتملكها عائلات تركية الأصل ،. تتميز بالجدران و السلالم الخشبيه والبهو الواسع ، و كانت تلك الجدران الخشبيه عليها نقوش منقوشة بالأرابيسك،. كان يتملكني الشعور و الإحساس بالفن العربي القديم، وكان هذا الطابع المميز للمكان يأخذني لعصور أخري جميلة ، و كان أجمل وقت حينما كان سكان هذا المنزل يفرشون الأبراش في الشوارع و يقدمون فطار رمضان .
نعم كان كل هذا التنوع المعماري موجود في السودان ، وأحيانا كنت تجد أربعة بيوت مختلفة الطراز والتراث و سكانها مختلفي الثقافه و الدين و العرق في نفس الحي متجاورين لبعضهم البعض، و كنا كأطفال من منظر المنزل الخارجي نعرف من هوية سكان كل بيت من هذه البيوت.
عشنا في بيت جدي اجمل ايام الطفولة الي ان أتى عام ١٩٨٠ علي مااذكر ، و تناهى ألى سمعي ان جدي لابد ان يرحل من هذا البيت بعد ان قضى به أكثر من عشرون عاما لأن المالك الجديد ينوي علي هدمه ولابد ان يبحث جدي عن سكن آخر .
سألت امي عن مالك البيت و هويته، فقالت لي ان مالك البيت الأصلي الذي بناه كان شخص يهودي أسمه إبراهيم ساسون، وقبل مغادرة إبراهيم ساسون للسودان باع المنزل الى شخص قبطي يدعى تادرس حتى تادرس هذا ترك السودان من فتره طويله و هاجر إلى أستراليا،
كانت والدتي كثيرا ما تقص لي بتحسر عن أيام لم أعشها و لكن رأيتها بعنيني أمي،. فكنت أستمع إلي قصصها متخيله الحفلات الراقصه التي كان يقيمها هذا إلساسون اليهودي في منزله ، و كانت والدتي تسترسل في الحديث و هي توصف أناقة بناته و عن فخامة الملابس التي كانوا يرتدينها،. و قالت لي أنها أول مره كانت ترى صابع الروج أو أحمر الشفايف حينما و ضعته بنات ساسون في شفايفهن حينما أقام والدهن حفلا كبيرا ابتهاجا بأبنه الذي عاد من أمريكا بعد أن أتم هناك دراسة الطيران، و قصت لي عن العز والترف الذي كانوا يعيشون فيه ، و قد علمت مؤخرا أن إبراهيم ساسون تنحدر أصوله من كردفان و كان من كبار تجار القطن و لهذا عرفت السبب في وجود مخازن كبيره كانت ملحقه بالمنزل تطل على الشارع الخلفي .
و ما بين ذكريات أمي و قصصها كبرت ودخلت الجامعة وسمعت عن اليهود و عن إجرامهم و عن إحتلالهم لفلسطين بأكثر تفصيل، ، و و قتها إنتفض الشعب الفلسطيني و أضرمت الانتفاضه نيرانها في أراضي فلسطين، و أخذت أردد مع جوليا بطرس وين الملايين و أدندن بأغنية منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي ،. و تابعت المسلسلات و الأغاني و الأفلام التي كلها كانت ضد اليهود ، وهنا تكونت في عقلي فكرة ان هؤلاء اليهود واي يهودي ليس الا شخص أو مجموعة من شياطين في شكل بشر وجدت في العالم لكي ما تنشر الكراهية والفتن والخصومات وتغتصب حقوق الناس ، تماما مثلما يعتقد بعض الناس أن اي مسلم إرهابي ، وأي سوداني كسول ، وأي مصري مخادع والكثير من هده المسميات.
و كما كان يأمرني ديني المسيحي بعدم الكره لم اكره اليهودي،. لكن في أعماقي كنت اخاف منه مجرد إسم يهودي كان يثير في نفسي الرعب هذه كانت الصوره التي صورها الإعلام العربي.
و لكن في نفس الوقت و للأمانه كنت اسمع من امي و حتى من صديقاتها المسلمات ذكريات حلوة مع رحمة اليهودية وأولادها يعقوب وموسي وڤيولا،. اللذين كانوا عشريين يتآلفون بسهوله و طيبه كبيره مع الجميع، , ، وحينما كنت اسأل عن سبب رحيلهم البعض كان يقول انهم تلقوا خطابات تطالبهم بالرحيل ومغادرة السودان،، وآخرون قالوا انهم خافوا من جمال عبد الناصر وقرروا الرحيل و الإشاعات و القصص كثيره و لا أحد يعلم الحقيقه .
لكن كل ما تعلمه أمي و صديقاتها أن أخبار تلك الأسره كانت قد أنقطعت ولايعلم أحد عنهم اي شيء ،وان كان هناك خبر يقول ان احدالاقباط السودانيين تقابل مع ابنة خالتي رحمةو أسمها فيولا في أمريكا ، ولا احد يعلم مصيرهم لكن في علمي أن القدر دائما يأتي بالمفاجآت وليس خفي الا وسيعلن يوما ما و لابد سيأتي يوم سنعرف فيه الحقيقه لاحقا.
بعد المقال الطويل ما زال هناك سؤال يحيرني و بجول دائما في خاطري عن من هم يهود السودان ؟ وكيف ومتى حضروا الي السودان ؟ و هل هم دخلاء ام أنهم أتوا مع الاحتلال ؟ هل كان وجودهم في السودان خير ا ام شرا ؟ هل هم فعلا أناس أشرار أم طيبين ؟ ماذا قدم هؤلاء اليهود للسودانين واي فضل قدموه للسودان ؟ هل ربح السودان بمغادرتهم أم خسر عقليات إقتصادية جبارة ؟ هل من حق يهود السودان حق المواطنة وان يعاملوا كسودانيين مثلنا مثلهم ؟ هل لو تغير الوضع في السودان سيسترد هؤلاء الناس حقوقهم وأهمها الإعتراف بهم كمواطنين سودانيين ؟ هل سلب يهود السودان موارد السودان وظلموا شعبها؟! أم ساهموا في إعمار وتأسيس دولة السودان لا لشيء الا لكونهم سودانيين وبإحساس الإنتماء لوطنهم ، هل ما زال يهود السودان يعتزون بسودنتهم ومحافظين علي بعض العادات السودانية ؟ أسئلة كثيرة تحتاج الي بحث ومشاركة في الأراء . و دمتم آمنين .