بابكر عثمان
تجمع مئات المدعوين في قاعة كبيرة بفندق لومريديان الدوحة لمشاركة السفارة الأمريكية الاحتفال بمرور 246 عاما على الاستقلال الأمريكي ٫ وكان احتفال هذا العام ( 21 سبتمبر 2022 ) مميزا لانه اضيف اليه احتفال آخر هو مرور خمسين عاما على العلاقات الدبلوماسية بين قطر والولايات المتحدة
كانت احتفالات السفارة الامريكية بالدوحة والتي تنظم ضمن برتكولات امنية مشددة يحضرها عادة حشد من الشخصيات العامة ولكن احتفال هذا العام مع وجود السفير الامريكي الجديد ( تيمي ديفيس ) كانت اكثر حشدا وقد تمت ملاحظة ذلك من قبل موظفي السفارة أنفسهم و قد حدثني دبلوماسي يعمل بالسفارة قائلا (إن كل المدعوين لحفل هذا العام احتشدوا هنا دون تخلف احد )
وقف السفير الأمريكي الجديد تيمي ديفيس وهو من أصول افريقية في مكان بارز في بهو القاعة وهو يستقبل ضيوفه ممن يريد ان يلقي عليه التحية ورأيته جالس على احدى ركبتيه ليتحدث مع شابة قطرية من ذوي الاحتياجات الخاصة وهي جلسة علي كرسي متحرك فحدثها مطولا ( نحو 5 دقائق ) وتمثل هذه الانحناءة قمة التواضع والاريحية
علاقات استراتيجية
حرصت الولايات المتحدة خلال الخمسين عاما الماضية على بناْء علاقات متطورة مع دولة قطر ، ولم تبلغ درجة الاستراتيجية الا خلال السنوات الثلاث الماضية عندما تأكدت الولايات المتحدة من عدم وجود اي شبهات لانتهاكات حقوق الانسان في هذه الدولة الخليجية ، حيث تعج دول الخليج الأخرى بانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان بدءا من اضطهاد العمالة الوافدة ومرورا باضطهاد النساء وانتهاء بقمع غير المسلمين.
حدثني مسؤول قطري رفيع كان يشغل مناصب كبيرة سابقا في وزارة الاقتصاد والتجارة انه ذهب مع وفد حكومي في مطلع القرن الواحد والعشرين للتباحث مع الامريكيين في خلق علاقة تجارية استراتيجية ، يقول ( دلفنا الى قاعة في وزارة التجارة الامريكية بواشنطون ونحن نحمل في ايدينا ملفات حول فرص عقد الشراكة الاستراتيجية ، ولاحظنا عند دخول الوفد الامريكي ان ايديهم خالية من اي اوراق او ملفات ماعدا رئيس الوفد والذي كان يحمل ملفا ) يضيف ( جلسنا كوفدين متقابلين وبعد التحية والمجاملات ، فتح رئيس الوفد الامريكي ذلك الملف الذي كان يحمله ، ولاحظنا ان الملف ملئي بقصاصات مصورة من صحف قطرية ، عرفنا فيما بعد ان بعضها يعود الى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين وبدأ المسئول الامريكي يقرأ من تلك القصاصات والتي تتضمن اخبارا وقصص عن خادمات تقدمن بشكاوى من معاملة فظة من كفلائهن او عمال يشتكون سؤ المعاملة، وبعد ان انتهى من سرد لبعض تلك القصص والمنشورة في الصحافة القطرية ، قال بلهجة حاسمة ( إن الولايات المتحدة لا يمكنها ان تصنع شراكة استراتيجية مع دولة فيها انتهاكات لحقوق الانسان ) يختم المسؤول القطري قائلا ( انتهى الاجتماع ونحن لم نفتح تلك الملفات التي نحملها ولم نناقش بندا من بنود العلاقات التجارية وعدنا الى الدوحة ورفعنا تقريرنا الى الحكومة بما جرى بالضبط )
ملف حقوق الانسان
عرفت قطر منذ ذلك الوقت ان ملف حقوق الانسان هو الأولوية الكبرى التي يجب ان تعمل على ترقيته اذا ارادت اندماجا في المجتمع الدولي أو ارادت ان تلعب دورا اقليميا او دوليا في القضايا السياسية او الاقتصادية أو ارادت في نهاية المطاف ان تخلق علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة.
قد يتصور البعض ان حقوق الانسان تعني خلو السجون من المعتقلين او حرية التعبير او حرية الصحافة فالأمر اكبر واعمق من ذلك بكثير مما يصعب شرحه او تفصيله
ولكن عندما جاء عام 2017 كانت قطر قد حققت نجاحات عظيمة في هذا الملف ، فخطت الولايات المتحدة خطوات لترسيخ علاقاتها بدولة قطر فتم في عام 2019 تدشين العلاقة الاستراتيجية التجارية وعندما جاء عام 2022 اعلن الرئيس الامريكي ان قطر حليف استراتيجي للولايات المتحدة وهي مرتبة لا تحظى بها الا دول قليلة في العالم .
وهكذا لا يمكن لدولة ان تتقدم دون ان تحترم شعبها ، وهكذا وقف السفير الأمريكي في الدوحة أمام حشد كبير ليقول إنه يشعر بالفخر أن يصبح سفيرا للولايات المتحدة في دولة قطر.
