انقلابُ الإنقاذ خططَ له الدكتور التُرابيّ مُنذُ الستينيّات في منزلٍ بضاحية نمرة اتنين

بقلم/مُحمدعكاشة
خواتيمُ عقدِ السبعينيّات من القرنِ الماضي غدوتُ ضُحيً أتحسسُ أغلفةَ الكُتب القديمةُ العتيقةُ تميلُ إلي الإصفرارِ بغُرفةِ ومكتبةِ والدي..ووالدي رجلٌ تعلقَ قلبهُ بالكتابِ وبفاتحةِ الكتاب.
حينذاكَ آنستُ رغبةً في الإطلاع الحُر ولأنَ والدي كان ( مُدرساً ) للغُة العربية وجدتُني أقرضُ كما النعامةِ ما حوتهُ مكتبتُه في ذا المجالِ وفي معارفَ أخري ليستلفتُني كتابٌ صغيرُ الحجم غريبُ الشكل والعنوانُ مخطوطٌ باسم محمُود مُحمّد طه وهو كاتبٌ لم أسمع به من ذي قبل لأحُاول قراءةَ سطوره في تعذُّرٍ بالغ بيّد أني قُمت حين عَييّت بفكِ أسراره بسحبهِ لأحتفظَ به حتي حين.
ثُم..
بعدَ سنواتٍ يغدو الكاتبُ والكتابُ ومُحتوي الكتابةِ حالةٌ تشغلنُي شغلةً تستفززّ بشعورٍ مُبهم لم أدُرك كنههُ حتي غداةَ جِلساتِ مُحاكمته المنقولةُ عبر التلفاز ولقد كان لموقفهِ وحضُوره الساطع أمامَ جلاوزةَ السُلطان وقُضاتهِ التالفين وسُخريتهُ بوجهِ جلاديه حافزٌ لإقتفاءِ أثرَ الرجل وفكرهِ خُصوصاً وهو يُلامس ( عقائدي ) بنظراتهِ وخطابهِ ومقاله:-
( أنا عبدُ الصُوفيةُ.. ودي عبودية ماني دايرلي منها فكاك)
ثمُ هو كان يحضُ علي الطريق يتواشجُ بالمحبةِ عند مقام الشيخ (قريب الله ) وهؤلاءِ آبائي طريقةً وقبيلةً من تلقاءِ أبي البركات سيّدي أحمد الطيّب ودالبشير.
مُنذّ منتصف الثمانينيّات قمتُ أسعي لقراءةِ الرجل وفكره وجماعتِه أتخفي ( تُقيةً ) حين قامت ( الإنقاذ ) إذ لم يكُ قادتُها يخشونَ شيئاً مثلَ خَشيتهم الرجل الذي مضي إلي صَعدائه ولقد أعجزَ فكرهُ خُصومه عن مُناجزته بالفِكر والحِجا والرأي الصحيح النجَيح.
مُنتصفُ التسعينيّات حين خرجَ الإمام الصادق المهدي مُغاضباً في ( تهتدون ) إلي العاصمةِ الارترية أسمرا أشارَ علينا الفنان عبدالرحمن بلاص في هيئةِ تحرير صحيفة ( ظلال ) في غَمرةِ إنشغالِ النظّام بأن نجعلَ العددَ القادم في يناير إحتفاءً بذكري رحيل ( الأستاذ ) لنفعلَ وفورَ صدوره يقومُ النظام بإلغاءِ ترخيص الصحيفة بأمرٍ من جهاز الأمن وليس بقرارٍ من مجلس الصحافة والمطبوعات وحينها ألتقيتُ الهولندي ميشيل هوبكن من جامعةِ امستردام يرجو مُساعدتهُ ومعاونتهُ وهو يقطعُ المسافات ويستفرغُ الوسع والوقت ليُدهشُني أنهُ جاء يستكملُ بحثه لنيل درجة الدكتوراة ولقد كانت أطروحته حولَ الرجل حياتهُ وفكره.
الأستاذ محمُود مُحمّد طه يصحبنُي لأكثر من عقدين قراءةً ومُقاربةً لأفكاره وسيرته وتلاميذه ( النُقباء ) الأفذّاذُ فما كتبهُ ويكتبهُ الدكتور عبدالله عثمان وآخرين حولَ تفصيلات حياتهِ وحيوات الذين رافقوه شَكلَ مادةٕ مُثرية أضاءت نواحي مُهمة وحينذاك أكتبُ مقالةً بصحيفة ( أخبار اليوم ) أشرتُ فيها إلي حالةِ ( الجذُب ) التي تُحيط الرجل وعن ( أحوال ) الداخلينَ إلي( الرحاب ) من التيارات والتنظيمات الفكرية الأخري يساراً ويميناً وأن حركة الإخوان الجمهوريين لم تشهدُ سوي حالةً واحدةً عكس التيار بخروج الأستاذ جمال عز الدين النور عنقرة ليقفو طريقَ الإخوان المسلمين علي غيرِ المُعتاد بالإشارةِ إلي د.النور حمد علي سبيل المثال ومثلهِ خرجَ المُحامي عمر تروس من تنظيمِ الإخوان المسلمين وكلاهما يسبقُ بكسبهِ وصلواته وحالهِ ومقالهِ في سوح الأستاذ محمُود مُحمد طه وسياحاتهِ الروحية والفكرية.
قبلَ يومين والمشهدُ السياسي تكادُ نبؤات الرجل تُصدقُ مجرياته وتحولاته نشرتُ مقالةٕ بعنوان ( عسكر في المعسكر ) فكرُتها المركزية بأن الإستيلاءَ علي السُلطة بقوة السلاح هدفٌ خططَ له بدقة منذُ خمسةِ عقود الدكتور حَسن التُرابيّ بشهادةِ البعض ولقد أوردت اسم الأستاذ عمر تروس في سياقِ الإستدلال لكنهُ ألتبسَ علي البعض ولتوضحيه ومناقشته دون إعتسافٍ أقتطعُ نصهُ نقرأهُ :-
(..الدكتور التُرابي في حلقاتِ قناة الجزيرة كانت شهاداتهُ موثوقةٌ وأنفاسهُ حَرّي ولغتهُ واضحةِ ومباشرة بخصوصِ نظام الثلاثين من يونيو وهو يؤكدُ تضاعيفُ الحوار بأن مشروعَ الحركة الإسلامية السودانية للحكم ماكان ليتأتى بغيرِ الانقضاضِ علي السُلطة وأن المسعي لأجلِ ذلك لم يكن مصادفةً وإنما وفقَ ترتيبٓ مُسبق.
الرجلُ- التُرابيّ – كانَ صادقاً وأميناً وهذا ما خططَ له ( أربعة ) أشخاصٍ هو خامسهُم نهايةَ عقد الستينيّات من القرنِ الماضي بمنزلٍ بضاحيةِ نمرة أتنين بالخرطوم وأسَروا النجوي وهؤلاءِ قضي أجلُه منهم أربعةٌ وبقي واحدٌ اتخذَ له خلوةً ببيته بمدينة أم درمان منذُ خروجه عن ( التنظيم ) غداةَ البيانِ ( رقم واحد) في الثلاثين من يونيو ولا نقولُ باسمه ورسمه برغبتهِ وطلبهِ حتي حين ولكن ذاتُ الأمرِ الإستيلاء علي السلطة بقوة السلاح همسَ به المحامي عمر تروس الذي كان مُقرباً من د.الترابي وخرج ببابهِ إلي رحاب حركة الإخوان الجمهوريين..).
الجُزئية أعلاهُ والسطرين الآخيرين بل عبارةُ( همس به) علي وجهِ التحديد هي سببُ الإلتباسِ الذي حدا بالصديق محمد عمر تروس يعُاتبني برسالة أنشرُها وهو محقِ حتي يستقيمَ توضيحي وتصحيحي بما يلزم:-
( يا محمد سلامات ومشتاقين.
أمس قريت عمود لك حايم في القروبات.
أنا اعرفك جيدا و كيف انت رجل فنان و صادق و محب للناس.
في كتابتك أشرتَ لاستاذ عمر تروس و الحقيقة الاشارة رغم ثقتي في نواياك الا انها جات في سياق لم يكن موفق.
إنت أشرت للاستاذ لعلاقة له مُقربه للترابي وفيها همس كمان و ربطها باسواء انقلاب لنظام دموي قاتل.
الحقيقة فيها تقصير منك لسيرة الرجل و الرجلُ رحمه الله من الستينيات نافحَ فكر الاخوان المسلمين كتب ابي رحمة الله مقال شهير في جريدة الايام ( البغلة في الابريق ) ضد محمكة الردة والهوس الديني.
صحيح أنه كان في صباهِ من جماعة الاخوان المسلمين في اواخرِ الخمسينيات بل كان خطيباً مميزاً و هو طالب بل كانت له علاقة مع الاخوان في مصر ثم أصبح وجودياً معتقداً في افكار جون بول سارتر الي أن ارتبط بالاستاذ محمود محمد طه وكان علي الدوام مُعارض للاخوان و الهوس الديني إلي أن لاقي ربه.
الحقيقة الظرف السياسي و التاريخي الآن حساس و أنت رجل صحفي مميز التوثيق للمعلومه مهم.
محبتي).
انتهت رسالةُ تروس ( الإبن) لتحملُني مالا أطيقُ للإستيثاق فيما نكتبُ ولما نجتهدُ بصددهِ للتوثيق الكتابي ثم رسالتهُ تؤكدُ علاقة الراحل الكبير بجماعة الإخوان المسلمين ولخروجِه منها حين كانت جبهة الميثاق الإسلامي وفي ذا ثمت توثيقٌ مفيد ضمنَ منشورات الأستاذ قصي مجدي سليم وهي متاحةِ لقارئها مبذولةٌ لمن يرغب وجديرةٌ بالقراءة غيرَ أني أعترفُ بأن إقتضابَ واجتزاءَ مارغبتُ الإستدلال به دون توضيحٍ مُستفيض لما (همس) به الأستاذ تروس بخصوص الإنقلاب ودون تفصيلٍ لتاريخِ علاقته بالدكتور الترابي وتنظيمهِ وفترتها الزمنية هو ما قد ينهضُ مأخذاً للتظّني مع ( خلوص ) النوايا ولنستيقنَ الأمرَ بآخره فإن الأستاذ تروس ( الأب ) ألتقيهُ ببيت الأستاذ يوسف قباني بحي الملازمين شهر رمضانَ عام مُفاصلة الترابي الشهيرة ليتسردَ النقاش حول نبؤة الأستاذ محمود محمد طه ( السوفات السبعة ) وكانت مُداخلته = تروس = تؤكدُ معرفتهُ (نية) الترابي منذُ مفارقتهِ له في الستينات وهو يعتزمُ بتنظيمهِ وتخطيطهِ الإستيلاءَ علي السُلطة بكل وسيلةٍ وبالانقلابِ العسكري إذا لزمَ الأمرُ وقد كان.