1958 ,,,أجواء مثيرة سبقت وأد الديمقراطية !!!! ( 1- 2 )

1958 ,,,أجواء مثيرة سبقت وأد الديمقراطية !!!! ( 1- 2 )
بقلم / بابكر عثمان
أهداني ابن أختي احمد عبدالرحيم مكاوي ( مدير الدار السودانية للكتب ) عددا من الكتب السودانية الصادرة حديثا، كما هي عادته دائما ولفت نظري بينها كتاب صغير ، بعنوان طويل هو ( الظروف والاحداث التي سبقت انقلاب 17 نوفمبر 1958 في السودان )
والمؤلف هو الدكتور فيصل عبدالرحمن علي طه ( مواليد 1939 ) كان والده _ عبدالرحمن على طه – اول وزير للمعارف بعد الاستقلال ، كما كان وزير للحكم المحلي ( حزب أمة ) قبيل استيلاء الفريق ابراهيم عبود على السلطة في 17 نوفمبر 58
لخص الكتاب الأجواء التي سبقت الانقلاب ونكتشف فيها كيف ان جمهورية جمال عبدالناصر كانت متآمرة على الدولة السودانية وانها كانت تخطط لانقلاب منذ فبراير 1958 ومارست ضغوطا مشددة على حكومة عبدالله خليل ومن ذلك حشد القوات لاحتلال مثلث حليب في 18 فبراير 1958 بدعوى أن ( يشمل الاستفتاء على رئاسة الجمهورية مناطق حلايب وشلاتين) وهي مناطق حدودية سودانية متنازع عليها وطلبت مذكرة رسمية سحب الكتيبة السودانية الموجودة هناك الى جنوب خط 22 درجة
ولكن حكومة السودان فاجات المصريين بتصعيد الامر الى مجلس الامن الدولي في رسالة بتاريخ 20 فبرايرتبلغ فيها بأن التقارير تشير الى حشود عسكرية مصرية على الحدود المشتركة وأن مصر تصر على اجراء استفتاء في اقليم سوداني ، وان السودان عازم على حماية اقليمه )
اجتمع مجلس الأمن في 21 فبراير لبحث الشكوى السودانية ليتفاجأ الجميع بقيام مندوب مصر في مجلس الأمن بتلاوة بيان صحفي اصدرته حكومته ، اعلنت بموجبه (تأجيل بحث مسألة الحدود الى ما بعد الانتخابات السودانية ) يقول المؤلف ( وتبعا لذلك فقد أجل مجلس الأمن بحث النزاع حتى يتسنى للبلدين ايجاد تسوية وتركت شكوى السودان معلقة في جدول اعمال مجلس الأمن حيث لا تزال الى يومنا هذا )
وقبل ان تهدأ نيران الخلاف على مناطق حلايب ، احتجت مصر على قيام السودان بالبدء في حجز المياه في خزان سنار في تاريخ 2 يوليو مدعية ان ذلك مخالف لاتفاقية 1929 وانه سيؤثر في زراعة 750 الف فدان من اراضي الحياض وستترتب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية ، ولكن حسب وزير الري السوداني في مذكرة ارسلها للوزير المصري قبل اسبوعين من بدء الحجز ( أن هذا الإجراء سواء في حجمه او مدته لن يكون له أثر يذكر على مصر )
يبدو ان مصر ومن خلال اثارة هذه القضايا الخلافية ( حلايب – ومياه النيل ) ارادت ان تمارس ضعوطا شديدة على حكومة السودان وان تهئ الجو السياسي لانقلاب عسكري ،وفي 15 يوليو بعثت بدبلوماسي يدعى علي خشبة ليعمل ضمن الكادر البولماسي في السفارة والتي تضم نحو 37 دبلوماسيا وهو عدد كبير للغاية في ذلك الوقت ولكن الحكومة السودانية وبعد وصول خشبة بيومين امرته بمغادرة البلاد خلال 24 ساعة ، بالطبع جرت مساجلات بين البلدين حول هذا الأمر ولكن أورد الكتاب نص برقية بعثت بها السفارة البريطانية بالخرطوم الى وزارة خارجيتها في 20 يوليو أنه وفقا للسلطات السودانية فإن ( علي خشبة مشهور بأنه منظم انقلابات وانه كان متورطا في محاولة اغتيال ملك دولة عربية كبرى ) واورد الكتاب ايضا فقرة من تقرير امريكي بتاريخ 23 يوليو 58 موجه الى قادة الأركان الامريكية المشتركة ( أن عبدالناصر يخطط لانقلاب في السودان في غضون اسبوعين ) رفعت السرية القصوى عن هذا التقرير وافرج عنه في 21 فبراير 2014 حسب المؤلف
ثم يأخذنا الكتاب الى الرحلات التي قام بها حزبيون الى القاهرة دون علم الحكومة او التنسيق معها ومنهم اسماعيل الأزهري رئيس حزب ( الوطني التحادي ) المعارض وعلي عبدالرحمن زعيم حزب الشعب ( المؤتلف مع حزب الامة في حكومة عبدالله خليل ووزير التجارة فيها ) وقد ذهب الاخير الى القاهرة دون ان يخطر رئيس الوزراء بهذه الزيارة ، ومحمد امين السيد مبعوثا من علي الميرغني
ومن القاهرة بعث السفير السوداني آنذاك يوسف مصطفى التني ببرقية عاجلة في 15 نوفنبر أن قطبي الحزب الوطني الاتحادي ( الأزهري ) وحزب الشعب الديمقراطي ( على عبدالرحمن ) قد التقيا في حضرة الرئيس المصري وتوصلا الى اتفاق بالغ الأهمية ) ثم اردف في برقية اخرى انه حصل على معلومة من مسؤول مصري سابق بأن مصالحة تمت في القاهرة برعاية مصرية رسمية بين الحزبين ( الوطني – الشعب ) وبموجب ذلك سيأتلفان لتشكيل حكومة تخلف عبدالله خليل وتتحالف هذه الحكومة مع مصر ) وحسب الكاتب دكتور فيصل عبدالرحمن على طه ، فقد سبق قرار تسليم السلطة للجيش هذه البرقية ولكن ربما تكون رسالة السفير التني ( قد عجلت بتنفيذه )
حسب الكاتب فإن تسليم السلطة الى الجيش كان قرار حزب الأمة و أن عبدالله خليل ( ظُلم بتقديمه كبش فداء ، وتحميله وحده مسؤولية تسليم السلطة المدنية للجيش ) يضيف الكاتب ( إن حزب الأمة كمؤسسة هو الذي سلم السلطة المدنية للجيش بالتعمد أو التقصير ويتحمل مسؤولية ذلك )
هذا الكتاب حول انقلاب ابراهيم عبود رائع لأنه يأخذنا الى اجواء تلك الفترة التي سبقت الانقلاب من خلال التصريحات والبرقيات التي صدرت في تلك الأثناء من سياسيين ومسؤولين ودبلوماسيين وصحافيين ، ومنهم تعليقات لبعض الصحافيين الامريكيين قال أحدهم فيها ( إن الديكتاتوريات في البلاد الحديثة كالسودان لا تعد أمرا مفاجئا حيث لا يجيد سوى 10 في المائة من السكان القراءة والكتابة )
وانا بدوري اقول إن هذه النسبة في عشية استيلاء البرهان على السلطة عام 2021 لم تزد كثيرا ، فما زال 31% من الشعب لا يجيد القراءة والكتابة
في الحلقة القادمة والاخيرة سنكشف ردود فعل الاحزاب السودانية على الانقلاب مما سيشعركم بالدهشة ، كما اوردها كتاب (الظروف والاحداث التي سبقت انقلاب 17 نوفمبر 1958 في السودان)