إقتصاد

أحلام مجانية العلاج

 

بقلم مامون حاتم الفنوب 

إدارة اعمال – جامعة الخرطوم

تضاعفت خلال الايام القليلة الماضية اسعار العديد من الادوية المنقذة للحياة مثل ادويةً السرطان والسكري وبلغت الزيادة في بعض الاحيان اكثر من ٣٠٠٪؜ . ورغم عدم وجود تبرير واضح لهذه الزيادات الا انها غالبا ماتكون محاولة لمواكبة الاسعار العالمية لهذه الادوية بسبب عدم قدرة الدولة على دفع الفرق. و دخل كالعادة المتاجرون بمعاناة الناس على الخط لتحقيق مكاسب سياسية دون ايجاد حلول واقعية توفق بين عدم قدرة البعض على شراء الادوية باسعارها الجديدة وعدم قدرة او رغبة الدولة في تحمل تغطية فرق الأسعار. وهذا يقودنا لسؤال مهم كيف يمكن تمويل النظام الصحي ككل لجعله متاحا للجميع.؟
مجانية الصحة:
تجد ان معظم الساسة وبعض الاعلاميين يتحدثون ليل نهار عن مجانية الصحة وانه لا يجوز ان يدفع الناس اي اموال لتلقي العلاج ، ولكن هل مثل هذا الامر ممكن ؟ الواقع ان الصحة شأنها شأن اي سلعة او خدمة تكون هناك تكاليف لتقديمها وحتى ان سلمنا ان المستشفيات يمكن ان تكون مؤسسات غير ربحية فلا زال هناك مرتبات الاطباء والتي يجب ان تكون كريمة حتى لا يهاجروا خارج البلاد كما يحدث الان ، ايضا هناك تكاليف شراء الادوية والمحاليل الطبية ، واجور العاملين من غير الاطباء مثل العاملين في التمريض وعمال النظافة وسائقي سيارات الاسعاف وغيرهم. كما توجد مصاريف اخرى في المستشفيات مثل تكاليف اعداد وجبات لائقة للمرضى. لكل ما سبق يستحيل ان تكون الخدمة الصحية مجانية ، قد يقول قائل انه ذهب الى البلد الفلاني ودخل المستشفى لتلقي العلاج ولم يدفع فلسا واحدا ، والواقع ان هذا خلط في المفاهيم بين ان العلاج مجاني وان دفع تكلفته يتم فورا ، حيث لا يعقل ان يطالب المريض خصوصا في الحالات الحرجة بدفع تكاليف العلاج فورا ، بمعنى اخر يدفع الناس تكاليف العلاج لكن بطريقة غير مباشرة .
كيف يمكن تمويل الرعاية الصحية؟
في معظم دول العالم يتم تمويل الرعاية الصحية اما من خلال التامين الصحي او من خلال الضرائب . على سبيل المثال في الولايات المتحدة تقوم الشركات باستقطاع جزء من مرتبات الموظفين من اجل سداد اقساط التامين الصحي للموظف واسرته ، بينما يقوم اصحاب المهن الحرة بشراء وثائق تامين خاصة ، كما يوجد نظام حكومي للرعاية الصحية يمول من دافعي الضرائب ويغطي هذا النظام افراد القوات المسلحة واسرهم. اما في بريطانيا فنجد ان الرعاية الصحية يقوم بها القطاع العام وتمول بشكل اساسي من الضرائب. وبشكل عام تقوم الدول بالاعتماد على التامين الصحي او اموال الضرائب او ربما يكون النظام مختلطا كما هو الحال في الولايات المتحدة. ورغم ذلك صدع ساسة السودان رؤوسنا بمجانية الصحة وهي كما يتضح لنا الان نظرة سطحية للامور وفيها خلط بين امرين هما عدم قيام المريض بدفع تكاليف علاجه بشكل مباشر في المستشفى وهو امر مفهوم وضروري حيث لا يمكن انتظار المريض الذي قد تكون حالته حرجة ليدفع تكاليف العلاج اولا. وبين ان الخدمة فعلا مجانية ، حيث ان ما لا يعرفه هؤلاء الساسة او يتجاهلونه هو ان هذا المريض دفع تكاليف علاجه بشكل غير مباشر ومقدما من خلال الضرائب او اقساط التأمين.
ما هو الوضع المناسب للسودان؟
بعد ان اتضح لنا ضرورة تمويل القطاع الصحي ليقوم بعمله بشكل مناسب يكون السؤال ماهو الوضع المناسب للسودان .
بالنسبة للاعتماد على الضرائب لتمويل القطاع الصحي فهو خيار غير واقعي لعدة اسباب ابرزها ان غياب الثقة بين الممولين والجهات المتحصلة للضرائب جعل التحصيل الضريبي بشكل عام غير كافي لتمويل قطاع صحي جيد ، ايضا تعاني الدولة من الفساد الاداري والمالي وشيوع الترضيات السياسية والجهوية وهذا في الواقع يجعل نظرة الممولين السالبة للدولة وحسن تصرفها في اموال الضرائب محقة الى حد بعيد ، بمعنى اخر حتى لو تم تحصيل اموال للضرائب فهي غالبا ما ستذهب لمصارف اخرى غير الصحة مثل الانفاق الامني والترضيات الجهوية، ودفع مرتبات البيروقراطية المترهلة للدولة ولن ينوب القطاع الصحي من هذه الاموال الا القليل. لذلك يعد خيار اتفاق اموال الضرائب على القطاع الصحي غير واقعي في الوضع الراهن.
اما الخيار الثاني وهو خيار التامين الصحي فهو الانسب ، حيث يمكن للمستشفيات تشجيع شركات التامين على توسيع مظلة التامين الصحي وتوعية الناس بضرورته ، بهذه الطريقة يمكن ان يتلقى الناس خدمة صحية جيدة تتطور مع الوقت دون ان يكونوا مضطرين للدفع لها بشكل مباشر.
اخيرا تجدر الاشارة الى انه يعاب على التامين الصحي تشجيعه على اجراء فحوصات طبية او اخذ ادوية غير ضرورية حيث تقدم بعض المستشفيات على هذا السلوك واحيانا بتشجيع من المريض ، ولتلافي هذه المشكلة لجأت بعض الدول الى تحميل المرضى نسبة من تكاليف العلاج . وبشكل عام فان نظام التامين الصحي ليس كاملًا ويعاني من بعض الثغرات لكنه وبحسب راي افضل الموجود بالنسبة للسودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى