تقارير وحوارات

معاوية الزبير..وما العيبُ في حُب الحياة؟

معاوية الزبير

وما العيب في حب الحياة؟

بقلم د.نجاة محمد علي

أدهشتني غضبة البروفيسور محمد عبد الله الريح ضد الصديق معاوية الزبير بسبب نعيه للراحلة نعمات حمود. العبارة التي أشعلت نيران غضبته هي وصف معاوية للفقيدة نعمات بحبها للحياة. لكن ما الذي يزعج في أن نصف شخصاً بحب الحياة؟ وما العيب في حب الحياة؟ لا بد إن ما أغضب البروفيسور الريح هو أن حب الحياة في رأيه، كما في رأي الكثيرين، هو مرادف للانغماس في ملذاتها، مرادف للهو وربما للمجون. تاركاً جانباً كل المعاني النبيلة التي تحملها هذه العبارة التي تعبر عن حقيقةٍ أكيدة، هي حقيقة الحياة والموت. حقيقتان مشتبكتان، أو حقيقة واحدة مزدوجة الوجه، تلازمان البشر من لحظة الميلاد إلى لحظة الرحيل.
للمفارقة العجيبة في هذه الحكاية أن البروفيسور محمد عبد الله الريح متخصص في علم الحيوان، أحد علوم الحياة؛ علمٌ يعرفنا بمدى ارتباط الكائنات بالحياة وحبها لها. ولا بد أنه شاهد، كشخص عادي، وكعالمٍ متبحرٍ في علمه، كيف يبكي الحيوان حينما يُساق للذبح أو حينما يُساق وليده، خوفاً من رحلةٍ إلى العدم وخوفاً من الفقد ومن الغياب. فما هو هذا الشعور؟ إنه حب الحياة. حبٌ لا يمكن نعته عند الحيوان بالترف ولا باللهو ولا المجون. فما أعظمه من شعور يتقاسمه معاً ساكنو هذا الكوكب.
حينما كنت طالبة، اعتدت أن أصطحب أطفال إخواني لزيارة أماكن يجدون فيها المتعة والفائدة. بين تلك الجولات أخذتهم يوماً لمتحف التاريخ الطبيعي. فرأينا بروفيسور الريح يصف للزوار، في شرحٍ شيقٍ مبسطٍ وجاد في الوقت نفسه، تكوين وأشكال وصفات الكائنات التي يضمها المتحف. رأيناه ينزل إلى حوض كبير ويرفع ثعباناً بين دهشة الحضور وخوفهم وفضولهم. ما هو السر في هذا الاستغراق في تقديم المعرفة وتسهيل الوصول إليها وتنوير الناس بحقائق العلم؟ إنه شكلٌ من أشكال حب الحياة بما تضم من بدائع الخلق.
اشتهر البروفيسور محمد عبد الله الريح باسمه ككاتب ساخر، حساس محمد حساس. كاتب يتقن هذا الفن الذي يقوم على رصد أحداث الحياة وإبراز مفارقاتها بصورةٍ يمتزج فيها خيال العالم بدقة المشاهد ورؤية الناقد. فما سر هذه القدرة على نشر الطُرفة اللطيفة وإسعاد الناس بها؟ إنه حب الحياة بجعلها ألطف بالبشر.
لحب الحياة أشكال تختلف، وكان لنعمات حمود منها نصيب وافر. التقيتها في شتاء عام 2016 في النادي العربي بالشارقة أثناء معرض لعدد من الفنانين التشكيليين. فرأيناها تستقبل الناس ببشاشة وترحاب وابتسامات صافية. لم أعرف لحظتها إنها من المسئولين بدائرة الثقافة بالشارقة، بل ولم أعرف ذلك إلى أن قرأت نص البروفيسور الريح الذي ينتقد فيه كتابة معاوية عنها ويشير فيه إلى وظيفتها. لقد كانت تتعامل مع الناس بأريحية وترحاب، فتظنها من شدة لطفها وبساطة تعاملها مواطنة سودانية ترحب بزوار المدينة التي تعيش فيها دون أن ترى إشارةً واحدة تدل على مكانتها في إدارة الدائرة. من يلتقي نعمات يشعر بمدى حبها للناس، وحب الناس هو شكلٌ من أشكال حب الحياة. عرفت إنها كانت مريضة ولكنها كانت حريصة على أن تزور أحبابها، فأرهقت جسدها بالسفر و”استنفذت رصيدها بإهمال شديد”، كما كتب معاوية. فما أجملها من امرأة وما أعظم حبها للناس وللحياة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى