ثقافة وفنون

مسألة تخص الفتاة القصيرة

 

بدون زعل.…

بقلم/عبدالحفيظ مريود

كنا قد وقعنا – في طريق عودتنا من الصحراء – على أحجار مختلفة الاحجام والأشكال والصلابة..حوالي ثلاثة كمائن من الطوب، الأسمنت، السيخ وبعض مواد البناء.. ثمة جدول عريض تجري مياهه العذبة باتجاه الشرق، يبدو كما لو أنه يصب في نهر غير بعيد من هنا.. وذلك لأن روؤس أشجار بدأت في الظهور عند خط الأفق.. نميز بعض النخيل والمانجو.. لكننا قررنا أنه يجب أن نفعل شيئا بمواد البناء.. لا يمكن تركها، هكذا، للمارة ومن هب ودب..

شرعنا نبني غرفة ضيقة، ثلاثة أمتار في مترين ونصف.. وقبل أن يبلغ ارتفاعها المترين، قررنا أن نسقفها.. السيخ والخرسانة والأسمنت.. لا يتوجب على احد أن يرفع سقفها.. ستكون هكذا، أقل من مترين.. إذا لم يستطع من أوتي طولا وعرضا وحجما، أكثر منا، أن يدخلها.. لكن كيف نتصرف في مواد البناء الوفيرة المتبقية؟

يجب أن ندفنها.. حفرنا خندقا كبيرا وعميقا وضعناها وأهلنا عليها التراب..

فماذا فعلت الفتاة القصيرة؟

صعد شاب عريض، قوي البنية المنبر وقال : قال رسول الله ( ص) : ” بلغوا عني ولو آية”.. ونزل.. قلنا له “لماذا قطعت الحجر ثلاثة أجزاء؟ فالحديث يقول : بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، و……”… في الصحاح الستة، إلا صيغة مختلفة واحدة هي التي أتى بها مسلم؟ “.. لكنه لم يكن يعرف ذلك.. فقد سبقه شخص ما، لم يعجبه ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج”… كيف نحدث عن بني إسرائيل؟ ولماذا؟ أليسوا هم كفارا ضالين مضلين؟ لقد ورد اسم موسى عليه السلام ١٣٦ مرة في القرءان… وحكي القرءان عنهم أكثر مما حكي عن أي أناس آخرين، بل نكاد نعرف كل شيئ عن بني إسرائيل واليهود والنصارى، من خلال القرءان.. ولقد ورد ذكر عيسى بن مريم عليه السلام ما قارب الثلاثين مرة.. أدق شرائعهم نعرفها من خلال القرءان، بل جزء منها صار شرائع لنا.. “وكتبنا لهم فيها أن النفس بالنفس، و….. الخ”… كل ذلك لماذا؟ إذا كانت اديانا منتهية الصلاحية، ألا يكفي أن يخبرنا الله تبارك وتعالى ذلك، فى جملة قصيرة مفيدة؟ هل يفعل الله – تعالي – العبث؟ لماذا يخبرنا عنهم بالتفصيل، أكثر مما يخبرنا عن الأمم الأخرى؟

لكن الشاب القصير القوي البنية يجهل أنه يجهل…

لأن المصادر التاريخية تجمع ان فتح عمر بن الخطاب للشام لم يكلف المسلمون معارك طاحنة.. القليل منها فقط، اليرموك، بعض الوقت قبل سقوط دمشق، فيما استسلمت أغلب مدن الشام دون قتال، نزولا على العهد العمري بالحفاظ على بيوتهم، أموالهم، أولادهم، تجارتهم، كنائسهم وديرهم وبيوت عبادة اليهود، وأهم من ذلك : حريتهم في الدين والاعتقاد.. فلم يجدوا سببا للقتال لصالح البيزنطيين، فيما تتحقق لهم حياة كريمة.. في ظل الإسلام.

لا شيئ يدعو عمر بن الخطاب لصرف أوامر مشددة للقادة العسكريين الثلاثة، خالد بن الوليد، ابو عبيدة بن الجراح وإبن أبي سفيان بعدم هدم كنيسة او دير أو كنيس يهودي.. كان يمكن للمسلمين تحويلها إلى فنادق خمس نجوم، أو منتجعات سياحية… إذ لا معنى للإحتفاظ بدور عبادة تخص أديان باطلة، والسماح لأهلها بممارسة هذه الاديان الباطلة وقد نصره الله تعالى، وفتح له بلادهم، وصارت تحت هيمنته.. هل ذلك لأن عمر بن الخطاب لا يفهم الإسلام جيدا؟ متواطئ ضده؟ لا يفهم “مقاصد الشريعة”؟ أم لأنه لم يكن سلفيا ملتزما؟

لكن سيجيئ، بعدنا، بالتأكيد، من يبحث عن بقية مواد البناء المطمورة، ويهدم الغرفة الضيقة الواطئة السقف، والتي تعبر عن فقر خيالنا، شح نفوسنا، أمراضنا العقلية، ويهدمها ليبني قصرا فسيحا رحبا، آية في الجمال والبهاء.. لأن ذلك هو بعض جمال الجميل.

* ملحوظة:

الصورة ذات علاقة وثيقة بالموضوع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى