تقارير وحوارات

عندما يُغرد السفير الامريكي خارج السرب

عندما يغرد السفير الامريكي خارج السرب!!!
بقلم/ مهدي مبارك
لم يعهد عن الولايات المتحدة الأمريكية التناقض في التعبير عن المواقف بين مسؤوليها في القضايا الدولية، قد تكون التصريحات متدرحة وفق صفة ودرجة المسؤول المعني او الجهة الاعتباربة مثل الكونغرس، البيت الأبيض، وزارة الخارجيه… الخ لكنها في النهاية تبدو متطابقة الي حد بعيد وتعبر بصورة جلية عن الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية.
اللافت في الأمر السفير الأمريكي في الخرطوم جون غودفري، قد خالف على ما اعتقد ارث ونهج إدارة حكومته فيما يتعلق بالتعاطي مع قضية الحرب المستعرة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع في الخرطوم .
في تغريدة له عبر حسابه الرسمي بمنصة “إكس” (تويتر سابقًا)،قال غودفري إنه “على الأطراف المتحاربة، التي أثبتت أنها غير صالحة للحكم، إنهاء الصراع ونقل السلطة إلى حكومة انتقالية مدنية”.
تغريدة السفير اعتبرتها وزارة الخارجية السودانية ب(انها تتنافى مع الأعراف والقواعد الدبلوماسية ولا تساعد على الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد) .
واضافت (إنها طالعت “باستغراب واستياء بالغ تغريدة للسفير الأمريكي في الخرطوم، تحدث فيها عن طرفين متحاربين في السودان، وأن كليهما لا يصلح للحكم”، مشيرة إلى أن هذا التعليق الذي وصفته بـ”غير اللائق”، يمثل خروجا على الأعراف الدبلوماسية وقواعد التعامل بين الدول والاحترام المتبادل لسيادة كل منها الآخر فقط، ويتنافى -كذلك- مع مقتضيات الكياسة والمهنية الدبلوماسية.
واعتبرت الخارجية أن تعليق السفير الأمريكي، (يعبر عن “عدم احترامه” للشعب السوداني واستقلاله، بتنصيب نفسه وصيا عليه يحدد له من يصلح أو لا يصلح لحكمه) .
التغريدة احدثت بطبيعة الحال استياءا شديدا في البلاد علي المستويين الرسمي والشعبي ما حدا بوزارة الخارجية الرد عليها بلغة دبلوماسية خشنة على خلاف ما كان متبعا علي ردود فعلها السابقة تجاه الولايات المتحدة والتي كانت تتسم بالليونة والضعف تحاشيا لأي صدام دبلوماسي مع دولة مثل امريكا معروف عنها يدها الباطشة في المحافل الدولية.
مشكلة السفير الامريكي الذي تسلم مهامه في البلاد قبل عام ونيف، اي بعد تولي البرهان للسلطة انه لم يكن لدية المعرفة الكاملة بحقيقة الأوضاع السياسية والامنية في السودان كما انه ارتمي في حضن ناشطي الحرية والتغيير ما جعله ينظر للامور بصورة مغايرة تمامآ عن الواقع ، فكانت معركته خلال العام السابق ضد الجيش الموصوم وفق رؤية قحت بأنه جيش الإسلاميين والفلول ولذا كان من أكبر الداعمين للاتفاق الإطاري الذي كان أحد اهم أهدافه تمكين الدعم السريع وجعله بديلا للجيش الوطني وهو الأمر الذي قاد الطرفان الي نقطة اللاعودة ما ادي الي اشتعال الحرب بينهما. السفير الامريكي يبدو أنه كان يغرد خارج سرب حكومته او من نسج خياله، حيث تفاجأت الأوساط السياسية السودانية وقادة مليشيا الدعم السريع والمجتمع الدولي بفرض الإدارة الأمريكية عقوبات علي القائد الثاتي للدعم السريع ما نسف رؤية سفيرها بالخرطوم الذي كان يساوي بين الجيش ومليشيا الدعم السريع ، فهل كان السفير علي دراية تامة قبل أن يطلق تغريدته في الهواء الطلق بأن حكومته كانت تخطط لفرض هذه العقوبات ام لا؟ وهل نقل ملف السودان من الخارجية الي البيت الأبيض يعد اعترافا بفشل وزارة الخارجية الأمريكية وفشل سفيرها في مهمته في السودان.
ما يعضد فرضية الفشل هذه هو ما أشار اليه الخبير والمبعوث الامريكي السابق للسودان كمرون هدسون بالقول أن المسؤولية عن أي أخطاء أميركية يجب أن تقع أولا -وقبل كل شيء- على عاتق وزارة الخارجية، من الواضح أنهم أساءوا تقدير مدى قربهم من التوصل إلى اتفاق في المقام الأول، وهذا يدل على سوء فهم أساسي لما كانوا يتعاملون معه)، كانت هذه اول الملاحظات التي ابداها العديد من الخبراء الامريكان واعضاء في الكونغرس بشأن تعامل وزارة الخارجية الامريكية مع الملف السوداني، ولم يسلم السفير الأمريكي لدى السودان جودفرى من انتقادات حادة لفشله في التنبؤ بوقوع الحرب، بينما لامه آخرون لتمسكه بصيغة الاتفاق الإطاري، والذى تم وصفه بانه يمثل فئة محدودة من القوى المدنية السودانية
لا شك ان الولايات المتحدة الامريكية تعلم حقيقة ان ميزان الحرب يشهد تحولا في جميع أنحاء البلاد لصالح القوات المسلحة السودانية في الخرطوم و دارفور ومناطق أخري، وانها تدرك جيدا ان عمليات الجيش السوداني لقطع الامداد عن قوات الدعم السريع بدأت تأتى ثمارها، في اتجاه الحدود مع افريقيا الوسطى و شاد و ليبيا الا ان السفير جود فرى ولا سباب غير معروفة كان يراهن على صيغة الاتفاق الاطارى ولم يذهب خياله الى ابعد من شعار بعض القوى الموقعة على الاطارى (الاطارى او الحرب)، ولذلك لم يتمكن من التعامل مع فرضية الحرب لا سيما بعد ان اصبحت واقعا ، ليأتي قرار نقل ملف السودان من الخارجية الى البيت الابيض دليل واضح على فشل السياسة الامريكية في السودان فهل باتت ايام السفير الامريكي في الخرطوم معدودة؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى