السبب فى ” السرير”..المسكوت عنه فى العلاقات الجنسية( 1)

بقلم/الدكتور فخرالدين عوض حسن
كان والدى رحمة الله عليه وغفرانه، مصلحا اجتماعيا، يصلح بين الناس فى صمت، وابدا لا يحكى الاسرار، حتى لاقرب الاقربين، مثلا عندما كان يذهب للصلح بين زوجين، ويمكث وقتا طويلا ويعود مرهقا، ان سألته والدتى لا يرد عليها، فقط يتوضأ ويذهب لينام .. فهو دوما على طهارة، وحتى عندما يذهب للنوم يتوضأ قبلها، والطريف انه بعدها لا يتحدث، ويسبح حتى ينام …وان اجبره امر على الحديث، فانه يعيد الوضوء ويرجع لسبحته حتى ينام.
وفى سرير نومه، وتحت مرتبته تقبع عصاة الحرامية، وعلى الكرسى القريب منه تستلقى عمامته جاهزة مع الطاقية، وجلابية الصلاة معلقة على الكرسى، ويرافقه فى سريره ثلاث، مسبحته فى يده، وبطارية وساعة تحت مخدته.. لانه يكثر من الاستيقاظ للنظر للساعة عبر البطارية العتيقة، خوفا من ضياع صلاة الفجر ..
وكان يضحكنى ابن عمى التوم محمود وهو يردد: والله عم عوض ده من كثرة الوضوء يكاد يظلط جسده ….
والله لم ارى احد يحسن الوضوء مثل عم عوض..
وكان الشتاء قاسيا على اقدام والدى، فتتشقق جداول، وخرائط دامية فى اقدامه، ولا يجدى معها الفازلين الذى تحرص والدتى على ان تضعه له كل مساء.
وبمناسبة ساعة ابي، فهو قد تعود ان تضيع منه على الدوام، عندما يذهب للوضوء فى مكان وينساها.. اما حذاؤه فان له قصص طريفة جدا، فانه دوما يعود من المسجد حافيا بسبب سرقة الحذاء، وهذا امر كان يؤرق منام والدتى، فاختارت له ارخص الاحذية، وايضا تمت سرقتها، فتفتق ذهنها عن فكرة طريفة، وهو ان يذهب والدى للمسجد بسفنجة كل ” فردة من بلد” اى بلونين مختلفين!.
نعود لساعة والدى، وهى رغم وفاته منذ اكثر من عشرة سنوات، لازالت تقبع فى دولابه مع المسبحة وغيرها، اما مصاحفه ضخمة الحروف، فقد ورثها اثنان، شقيقى مبارك، حيث يقرأ فيه يوميا صباحا كما كان يفعل والدى، والثانى زائدا عصاته الخيزرانية لا يفارقان غرفة نومى..
وتانى نرجع للساعة، وكنت ايامها اعيش فى مانشستر، فارسلت لوالدى ساعة جميلة واضحة الارقام، وارسلنا برفقتها بطارية اشتراها له ابنى عمرو الذى فاقت محبته لجده كل الحروف والتعابير …
وعند وصول الساعة لامدرمان، كعادته فرح بها والدى، واجزل وافاض فى الدعاء لنا، اما اخوتى فقد ضحكوا كثيرا واقسموا باننى اشتريت الساعة من الدلالة وبسعر زهيد ..وهم يعرفون حبى للدلالات، وهذا امر موروث فى عائلتنا منذ القدم، فقد كان جدى حسن “تية” يشترى كل تمر جنائن دنقلا وضواحيها، مما يغضب صناع الخمور البلدية فى “البان جديد” من دنقلا حتى الدبة، فقد كان جدى يمنع بيع التمر لهم وان دفعوا السعر اضعافا، وفى الاعوام التى يشترى فيها التمر كان كل رواد البان جديد ينامون باكرا ويدعون على جدى ..واهاليهم يدعون الى جدى، وكفتهم راجحة عددا، واما الدواخل فانها بيد احكم الحاكمين ..
وقد حكت لى عمتى صفية، بان جدى اصابه العمى على كبر، وكانت حواسه قوية جدا ..لدرجة ان العاملين معه كان يشكون بانه ليس كفيف ..لانهم كانوا احيانا يحاولون البيع لزبائن من “البان جديد” وهم يدخلون خفية ويتحدثون بالاشارات ..ولكن فجأة يسمعون صوت جدى: لا يا والد ..
وكان يعتقدون انه له سحرا يخفيه فى “طربوشه”..وهو رجل زاهد عابد ..وتنبأ مبكرا وهو يخاطب جدتى الكنزية، ام الحسين احمد ابوهلالى: عارفة يا حجة ولدك عوض سوف يطلع زول مبروك ..وشقيقه عبدالعال هو البركة ..ردا على جدتى التى كانت تشتكى له من “شيطنة” عوض، الذى بهدل سوق مدينة دنقلا فى صغره!!
ونعود للساعة واه من الساعة، فقد سخر اخوتى من الساعة القادمة من انجلترا وجزموا باننى اشتريتها من دلالة وبسعر زهيد ..وقد صدقوا فى الاولى وجانبهم الصواب فى الثانية، فانا فعلا اشتريتها من دلالة/مزاد معظم رواده من اثرياء الانجليز ..واشتريتها بعشرون جنيها استرلينيا، الجنيه ينطح الجنيه، وهذا المبلغ كان يساوى وقتها مرتبى لمدة خمسة ايام بلياليها فى محطة البنزين فى مدينة
Stoke-on-Trent
ستوك اون ترنت بانجلترا، حيث كان يدير المحطة صديقنا عماد، ويساعده صديق غربتى احمد عبدالعظيم “العربي”، كل منهما 12 ساعة يوميا، واستلم العمل ايام عطلة الجامعة اى السبت والاحد “الويكند”..وتكلفنى تذكرة القطار ذهاب وعودة من مانشستر، ما يقارب نصف مرتبى الاسبوعى!!.
كان العمل فى محطة البنزين، التى يديرها فقط شخص واحد، وتتكون من مغسلة سيارات ومحل تجارى، يحوى كل شئ حتى السندوتشات والحليب والصحف، وخارجه فحم وحطب تدفئة وازهار وغيرها، اضافة الى مضخات البترول ..كل ذلك يديره شخص واحد ..والطريف ان معظم الزبائن فى محطتنا من كبار السن، والواحد فيهم يدخل اليك للونسة والمزاح ..واهل ستوك اون ترنت لغتهم الانجليزية مختلفة جدا ..فمثلا تحيتهم مختلفة وهى: ترااا وليس هالو ..
وتدخل اليك العجوز لتضع فى تنك السيارة بترول بمبلغ ثلاثة جنيه استرلينى، كلها “بنسات” اى فكة من الفئات الصغيرة، تأخذ وقتا فى عدها .. ورغم ان العمل شاق ومرهق الا اننى واحمد كنا نبتسم للزبائن ونمزح معهم ..عكس زميلنا عماد والذى اطلقت عليها زبونه صاخبة: الرجل الشقى ..
the miserable person
ومن الاحداث الطريفة فى محطة البترول، وما اكثرها، دخلت الى يوما حسناء انجليزية تتراقص، وقد جاءت بسيارة فخمة مكشوفة تنطلق منها موسيقى صاخبة، وبعد تعبئة خزان الوقود ذاتيا، دخلت الى المحل واخذت كيسا ووضعت فيه عدة اشياء، ولكن الكاميرا امامى كشفت لى امرا جلل، فقد اخفت الحسناء واضحة الثراء، سندوتش بارد داخل صدرها!
وكعادتى تعاملت مع الامر بهدوء، فعندما ناولتنى المبلغ نقدا خصمت منه كل شئ بما فيه قيمة السندوتش، الذى يحتاج ادخاله فى الباركود، ولكنى خصمت سعره، لانى لا اريد ان احرجها، ولكنها اسرعت باحتجاج عنيف بان المبلغ غير صحيح ..
فاجبتها بانه صحيح جدا وعليها ان تذهب بهدوء ودون احراج ..وكان هنالك زبائن اخرون ينتظرون دورهم، فصاحت بصوت مرتفع، فعاجلتها وادخلت يدى بهدوء فى صدرها واخرجت السندوتش، ودفعت اليها بثمنه. فخرجت مسرعة، وكادت ان تسقط متعثرة فى علاقة الصحف!!
وتاانى تانى نرجع للساعة التى اشتريتها بعشرون جنيه استرلينى ( الجنيه ينطح الجنيه)، وفى نهاية المزاد يومها جاءنى مدير المزاد يخبرنى بان احد الزبائن يرغب فى شراؤها منى بمبلغ ثلاثون جنيه، فرديت عليه اننى لا اقبل اقل من 120جنيه ،،،فسخر منى، وعاد مرة اخرى يعرض مائة جنيه استرلينى، فخرجت مسرعا الى سيارتى خوفا من
” الفتنة” ..وانا خبير بذلك فى المزادات ..وارسلتها لوالدى، والذى يعرفنى واعرفه جيدا ..ونظر للساعة وقال لاخوتى: نعم انها من الدلالة، ولكنها غالية الثمن، وهى من فخرالدين وهذا يجعلها اغلى ساعة فى الوجود ..وقطعت جهيزة قول كل خطيب ..
وسوف احكى لكم يوما عن جنونى وعشقى وهوايتى فى المزادات / الدلالات والتى جعلتنى فيها خبيرا ..واستفدت منها كثيرا ..وفيها كثير من “علم النفس” والاثارة والتشويق…ورحم الله الوطنى الباذخ حسن دندش وافاض فى رزق ذريته ..وبدر المحيا ..بدرالدين الخليفة بركات الذى سار فى درب جدوده تقيا ورعا ..وفى درب خاله وطنية ..ومهنة.
دلقت كل هذا المداد وقد كان فى ذاكرتى امر واحد وهو ان والدى وهو يعود مرهقا مهموما بعد الاصلاح بين الناس، كان يرفدنى بعدة نصائح وتوجيهات ..تحتاج الى “اللبيب بالاشارة يفهم” ..فمثلا كان يقول: شوف يا فخرالدين يا ولدى، معظم المشاكل الزوجية فى السودان سببها ” السرير”، ولكنهم لا يقولوا الصراحة لان تربيتنا فيها حياء غير مطلوب فى مثل تلك المواقف، ويصبحوا ” يلفوا ويدورا” بعيدا عن مربط الفرس، ويبحثوا عن اسباب ومبررات ” شماعات” اخرى تزيد من الفتق، وبالتالى يصعب رتقه. وبسبب هذا السرير وعدم الوضوح والصراحة، تكمن كوارث اسرية ومأسى..
لقد كان والدى محقا، فعندما انهمكت فى معارك الحياة ودروبها وسراديبها رايت ما يقوله واقعا يعيش بيننا ..واحيانا مثله والحية التى تعيش تحت مخدع الزوجية.
قبل فترة ليس بالقصيرة،،حكت لى اخت عزيزة عن معاناتها، فاخبرتنى، بان حبها للجنس يفوق المعتاد، وقد تزوجت من رجل “بارد” الاحاسيس والمشاعر، وحتى عباراته تتساقط كالثلج من لسانه، ويشخر باكرا ..مما جعلها تعيش فى بؤس عظيم، فان الطلاق “عيب” فى مجتمعها، وذكر السبب ” قلة ادب”، وان تخرج باحثة عن ما تفتقده فى منزلها “حرام” وزنا ..
واخيرا حصلت على الطلاق بهدوء ..وتزوجت باخر على امل ان تعيش معه فى سعادة وحبور ..وذهبت اليه خارج السودان حيث كان يعمل فى وظيفة مرموقة ويسكن فيلا فاخرة ..ذهبت اليه بحنتها ودخانها ..وفى صحبتها الخمرة والطلح والدلكة ..والصندل والصندلية.
وكانت الكارثة، فان الرجل “شبعان موت”، والغريبة انه رغم ذلك يحكى لاصدقاؤه عن مغامراته الليلية!! وعن فتوته وشبابه الدائم ..وعضت المسكينة على بنان الندم، وهى تعلم ان الطلاق الثانى مأسأة …وقد اغدق عليها صاحبنا بالذهب والملابس والسيارة وارسلها الى الحج ونصحها بكثرة الصلاة والاستغفار ” لكسر ” لذتها وانوثتها المتفجرة ..
وقصتنا الثانية كانت لشابة تزوجت حديثا، ولا حقها السؤال: اها ما بقيتو ثلاثة “..
” واكلوا لحمها” ..وكمان شحمها
واصبحت هزيلة حزينة
فسألتها والدتها: هل انت حامل يا بنتى
فاجابتها بالنفى
فسالتها مرة اخرى: هل انت مريضة
فاجابت : تسمون يا والدتى الزواج بانه “عقد نكاح” اصحيح هذا ..
فى حالتى لم يحدث هذا العقد الا فى الاوراق ..
وفى الحلقة القادمة احكى لكم عن معاناة الازواج فى “السرير” والصمت القاتل ..ونطرح بعض الحلول بعلمية ومنهجية.
د. فخرالدين عوض حسن عبدالعال
#المسكوت_عنه_والسرير