
الفَتاةُ الجَميلةُ وجَريمةُ الإنفصال
بقلم/مُحمّد عُكاشة
ليسُوا بَراءةً من إثمِ (العُنصرية ) بعضُ جَماعاتٍ من النُخبةِ الجَنوبية سَواءٌ غَذّاها = العنصرية = إحِساسٌ مُتطاول من الشُعورِ بالتهميشِ تجِاه شَعبهِم من قِبلِ حُكوماتُ الشِمال ومُثقفيها أو لرُبما ما تعَاظمَ من وعَيّ بأن الشَعبين عَالمين مُختلفين في كل شيء ولكن وحَدَ بينهُما عَبرَ التاريخ ظَرفُ المكان وحُدودُ الجُغرافيا وتخطيطُ الاستعمارِ الإنجليزي فبعضُ هَؤلاء يَعتبرونَ الجنوبً (إفريقانياً) صِرفاً لاشُبهةَ به..ثقافةً وجِذرّاً إثنيّاً ودياناتَ وكريمُ مُعتقدات.
هذا التَصورُ هوَ ماجعلَ بعضُ هذه التياراتُ النخَبوية الشِمالية تَتخذُه ذريعةً لتوكيدِ مَسعاها بعبءِ جنوبُ السُودان علي شِماله بكُلفةٍ باهَظة علي مَواردِه وأمنهِ ونَهضتِه.
هؤلاءِ يَستدلُونَ ببيّناتَ تَعتسفُ الحقائقَ بأسانيدَ واهية إذ يَحملون علي الناشطين السياسيّين والمُثقفين الجنوبيين إذعانهُم للغربِ وأمريكا أو ارتهانهِم -مثلاً -لمجلسِ الكنائس العالمي ويدللون بذا علي مُعاداتهم لإسلام أهلِ الشمال وعُروبتهم ولكأني بهؤلاء يُريدون لمن يعتقدُ في يَسوعَ المَسيح أن يكونَ لهُ إرتباطٌ بمُنظمة الدعوة الاسلامية أو مُنظمة العَونِ الإسلامي أو لتجدنَ من يَستثيرُ حفيظةَ عامةِ أهلِ الشمال علي الساسةِ الجنوبيين وعِلاقة دولتهِم بإسرائيل ومَزاعمهِا التاريخية حولَ النيل بينما لإسرائيلِ بدولَ عربيةَ خَالصةَ سِفاراتٌ ذاتُ علمٍ به نَجمةُ داؤود يُرفرفُ وبينهما مصالحَ مُرسلة ودائمةَ وأنشطةُ تٍجارية مُتزايدة ومع ذلك لم يفتحِ الله علي أحدٍ من مُناهضي شعبَ الجنوب بشجبِ ذلكَ أو إنتقادِه.
مَسألةُ عُروبتِنا هذه التي يَضعُها بعضُنا علي المَحك بالنظرِ إلي موضوعِ جنوبنا الحبيب حَملناها أكثرَ مما تَحتمل.
عُروبتنا التي جَعلتنا هُزءً لدولةٍ مثلُ لبنانَ أعَراقُ قاطنيها أَخلاطٌ من شراكسةَ وآرمنْ وأتراكْ وهم مع ذلكَ يَحتجُونُ احتجاجاً عظيماً وتاريخيّاً قبلَ عُقودٍ بعدمِ صَلاحيةَ القُطر السُوداني ليكونَ عُضواً في جَامعةِ الدول العربية.
السُودانُ الذي تبني نيابةً عن (العرب ) كل القضايا وقاتلُ بنوهُ في المعاركِ الكُبري ضدَ إسرائيل لا يجدُ سَنداً من أولئكَ في مِحنتهِ وخُطوبهِ المُدلهمة.
الحديثُ بخصوصِ المشاعرِ بين شَطريّ الوطن وشعبيّه يتصلُ بتعليقاتَ وردتَني تحكي عن عِلاقاتَ مُؤثرة إذ ماتزال التشكيلية نجوي تَحزنُ حُزناً يَتجددُ كلَ ما جَدَ بالتِذكارِ جُرحُ إعلانُ الإنفصالِ وهي تُودعُ بعضُ جِيرانها وصديقاتِها في نَهارٍ شاتي غَدا لافحَاً كحَرِ السمُوم.
ذاكَ يومٌ في حياةِ الأستاذة نجوي ويومٌ آخرً أحَزنني وأنا أكتبُ حِينها :-
صَباحٌ باكرٌ بعد أمسيةٍ مَاطرةَ يَرنُ هاتفى لأردَ قبلَ النَظرِ إلي من المُتصل.
يَصلنُي صَوتُ العزيزةِ (أداو ) رخَيماً فَرِحاً كعَادتها دائماً تبعثُ السُرورَ فيما حَولها وتَفيضُ بالحيّوية عَذبةٌ كنبعٍ رقراق.
لم تُمهلنُي لتُقدمَ إعتذاراً عن الاتصالِ فى مِثلِ هذا الوقت سوي أنها سوفُ تُقلعُ الآن الي مدينةِ جوبا ربُما بصورةٍ نهائية وهي بذا تودُ تَحيتى وتوديعي.
(أداو) الجَميلةُ مِثالٌ بديعٌ لفتاةٍ دينكاوية مُثقفةٌ وُلدت وترعَرعت في الخُرطوم وكانت فى تفَصيلاتِ حياتهِا جِسراً بينَ أقاليمِ السُودان المُختلفة
فهي فضلاً عن عربيّتها الفصَيحة تعرفُ طَرفاً من لهجاتِ الدناقلة والهدندوة وتحفظُ بعضُ أشعارِ الهمباته ومُعظمُ أغنيات مُحمَد وردى وتحرصُ علي سُودان مُوحد وفقَ أُسسَ جديدة أو بغيرها.
تُسافرُ (أداو) يومَذاكَ إلي مدينةِ جوبا ومنها إلي جُونقلى والغَمامُ راحَلٌ.. والحَمائم.