الدكتورمنصور خالد..لو لم أكن امدرمانياً لماعشقت الحقيبة
في حضرة الحقيبة
• عرفت أنك تعد كتاباً عن حقيبة الفن، ما هى طبيعة علاقتك بالحقيبة، هل تنبع من ام درمانيتك أم تتذوقها باعتبارها فناً راقياً وأصيلاً؟
– الاثنان معاً، فلو لم أكن أم درمانياً لما عشقت الحقيبة، لانها نشأت في ام درمان، وان كان كثير من الشعراء الذين اسهموا في رفدها من خارج ام درمان. صحيح انا اعد في كتاب عن الحقيبة الآن وتعود فكرته والعمل فيه الى عهد بعيد مع المرحوم البروفيسور على المك، فقد كان صديقاً عزيزاً لي، وهو رجل فنان ومحب للموسيقى والغناء والفنون بصورة عامة وعاشق للحقيبة بشكل أخص، ولدىَّ تسجيلات قيمة ورفيعة شارك فيها المك مع المرحوم الفنان عبدالعزيز محمد داؤود واتمنى ان تكون جزءاً من الكتاب الذي آمل ان أنجزه متى ما فرغنا من سخف السياسة؟! يضحك.
* هل مادة الكتاب متوفرة تماماً بالنسبة لك؟
– نعم كل مادة الكتاب متوفرة لدىَّ، أما فكرته فقد كانت أساساً عبارة عن عمل توثيقي يشتمل على التسجيلات الصوتية، وثانياً النصوص الشعرية وشروحها، وثالثاً فذلكة عن الظروف، والملابسات التي قيلت فيها هذه النصوص. وقد بدأنا بحديث عن المائة أغنية الخالدة.. ولكن تكشَّف لنا بعد قليل ان اختيارنا هو اختيار ذاتي به شئ من العسف. وان الاغاني الجديرة بأن تخلَّد أكثر من مائة أغنية، لذا قررنا أن نبدأ بالمائة الأولى ثم نتبعها بأخرى الى ان يقضى الله امراً كان مفعولاً.
* هلاَّ كشفت لنا عن بعض من هذه المائة الأولى؟
– أغلب الاغاني لصالح عبدالسيد ابو صلاح، والبنا وسيد عبدالعزيز وعبيد عبدالنور، ومحمد بشير عتيق، وعبدالرحمن الريح، والمساح، وقليل من القصائد لبطران.
* كثير من شباب الفنانين الآن وقليل من كبارهم قاموا بعمل معالجات موسيقية وادائية لاغاني الحقيبة، هل استمعت لهذه النماذج، كذواق وعاشق للحقيبة ما رأيك في تجربتهم هذه؟
– استمعت لبعض منها، فالمعالجات تختلف من تجربة الى اخرى، بعض منها في اعتقادي كان ناجحاًً جداً فلا يمكن أن نوقف التطور في أى شئ. ولكن بعض هذه المعالجات مسخ الاغاني في تقديري مسخاً كاملاً.. وقد دار حوار بيني وبين المرحوم على المك ثم بيني وبعض الاصدقاء لاحقاً حول ايهما الانجع، هل نسجل اغاني الحقيبة بنفس الطريقة التي كانت تؤدى بها في الماضي ونستخدم نفس الآلات الموسيقية التي كانت مستخدمة في الماضي. أم نطورها حسب العرف السائد الآن، وربما كان في كلا وجهتي النظر وجاهة، فاذا اردنا ان نلجأ للخيار الأول لن نزيد عن كوننا وفرنا للمكتبة الموسيقية نسخة اضافية لما هو موجود فيها، واذا لجأنا للخيار الثاني وهو خيار التطوير الموسيقي سنجعلها اقرب الى اذن المستمع المعاصر، واتفقنا في نهاية الأمر ان ننوِّع في التسجيل، بان نبقى على طبيعة بعض الاغاني الاصلية، ونلجأ لإستخدام الاسلوب الموسيقى الحديث في البعض الآخر.
بوتقة ام درمان
• كذواق للحقيبة وباحث فيها، هل أنت من انصار المدرسة التي تعتبرها جوهر الخبرة الغنائية السودانية؟
– لابد لنا عندما نريد ان نتحدث عن الخبرة الغنائية السودانية ان نحدد أولاً ماذا نعني بالسودان! بلا شك الحقيبة هى جوهر الخبرة الغنائية للسودان الشمالي النيلي. وانا هنا استثني شرق وغرب وجنوب السودان.
* لكن بعض المثقفين من هذا النطاق الجغرافي الذي حددته يقولون إن الحقيبة هى معبر عن ثقافة ام درمان فقط ويرفضون فكرة انها تعبر عن السودان الشمالي النيلي؟
– ليس هناك شئ مجرد اسمه ام درمان.. ام درمان هى البوتقة التي اجتمعت فيها كل قبائل السودان واعراقه، واذا نظرت الى الحقيبة من هذا المنظور الاثني ستجد انها كانت تعكس من خلال الايقاعات حساً موسيقياً لمجموعات معينة، فمثلاً مجموعة الموردة واغلبهم ينحدر من اصول زنجية كان ايقاع موسيقاهم يختلف عن ايقاع واداء مجموعة حي العرب، وكذلك عن مجموعة ابوروف وغيرها وهكذا.. من هذا المنظور تجد أن اغاني الحقيبة تعكس ليس التنوع بالنسبة للسودان الشمالي النيلي ككل وانما حتى التنوع داخل السياق الام درماني المحدود.
* هناك من يعتبر الحقيبة تجلياً من تجليات الثقافة العربية الاسلامية المستعلية في السودان، بناء على هذه الرؤية ألا تعتقد ان احتفاءك الزائد بها فيه تناقض مع مشروعك الفكري الرامي للانتصاف للمجموعات السكانية الأخرى؟
– اقول بكل بساطة إن الانتصاف للآخرين لا يعني الغاء التاريخ والواقع، فالحقيبة واقع تأثرت به انا وتأثرت به مجموعات كثيرة ويمكن ان تتأثر به ايضاً هذه المجموعات الاخرى التي احاول الانتصاف لها. تماماً كما تأثرت الموسيقى في الشمال بالايقاع القادم من جبال النوبة أو من الجنوب. فالتمتم يعود اصله لجبال النوبة، وموسيقى الجيش «المارشات» اغلبها جاء من الجنوب.
بتصرف من جريدة الصحافة