
قبيلة دغيم قبل ظهور الثورة المهدية:
بقلم/محمودمادبو
قبيلة دغيم من اوائل القبائل التي لعبت دورا عظيما في الحركة التحريريه (الثورة المهدية) بقيادة الإمام المهدي وتركت تاريخ ناصع بالتضحيات واستشهد ابناءها بالألاف في شيكان وأبو طليح وكرري وأم دبيكرات، وتأثيرهم الكبير منذ بداية وقيام الثورة المهدية وتحرير السودان تحت قيادة زعيمهم وصاحب رايتهم الخليفة علي ود حلو (خليفة الإمام المهدي الثاني) حتى نهايه الدولة المهدية . هذه القبيلة العربيه التي نزحت من شمال غرب الجزيرة العربيه وهاجرت الى دوله مصر مع الفتح الاسلامي بقيادة الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه في سنه 639م.
ذكر اهل الانساب ان دغيم تنتمى لمجموعة قبائل قضاعة العربيه التي كانت تعيش في مناطق الحجاز قبل الإسلام. في مصر استقرت دغيم اولا على ساحل البحر الاحمر والان لها وجود في صعيد مصر في قريه تحمل اسمهم ‘قرية دغيم’ بجنوب مدينة قنا. وكانت قديما من القبائل التي توفر الحمايه للحجاج وتساعدهم العبور الى مناطق الحجاز. ذكر الرحاله ابن بطوطه انه في عام 1325م قابل جماعه من عرب دغيم وسافر معهم لمده 15 يوما بالجمال من ادفو الى مدينه العطواني. ولقد ذكرهم ايضا الرحاله القاسم بن يوسف التجيبي اثناء رحلته لطريق الحج من قوص الى عيذاب (ساحل على البحر الاحمر) حيث ذكر انهم تولوا حمايته وشؤون سالكيه. دخلت القبيلة الى السودان عبر السودان الشمالي والشرقي قبل القرن الرابع عشر وفي بلاد البجة كانت من ضمن القبائل التي ساهمت في ترحيل الحجاج الى مناطق الحجاز وعندما تحول طريق الحجاج من الصحراء الشرقي الى سيناء مما اثر عليها اقتصاديا ومعيشيا مما اتضطرت بعدها الرحول غربا بحثا عن المراعي في مناطق عطبرة والجزيرة واخيرا النيل الابيض وهم اصلا رعاه ابل وعندما استوطنوا بعدها باواسط السودان تم تغير رعيهم حسب البيئه الى رعي الابقار بدلا من الابل.
يبدو بعد فترة قصيرة من ذلك تمكنت القبيله بدخول الحدود النوبيه في عهد المماليك وانشأت إمارة عربيه بشمال السودان تسمى بإمارة دغيم التي نشأت في شمال النوبه وكان احد امراءها يسمى الشيخ علي بن ابراهيم الدغيمي ضمن ٨ امارات عربيه في اراضي النوبه (والشيخ علي هو جد الخليفة علي ود حلو الاحدى عشر) – هو ” علي بن محمد الحلو بن إدريس بن حامد بن قيدوم بن ادريس بن حامد بن محمد بن محمد قنديل بن حمد بن علي بن عثمان بن علي بن ابراهيم الدغيمي”. لذلك نجد في منطقه حلفا منطقه تحمل اسمهم “حلفا دغيم”. ومن ضمن اهالي حافا دغيم اسرة ابراهيم احمد من مؤسسي حزب الامة واسرة الإداري داؤود عبداللطيف وكانت الاسرتين تربطهم علاقه اجتماعيه مع آل الحلو.
واثناء رحله دغيم الى عطبرة تركوا قوما منهم اشتهروا بدغيم اتبرة وما زال في منطقه القضارف لهم وجود في مناطق ود الحوري والشوك.
يروي الاستاذ عبدالمحمود ابو شامة (صاحب كتاب من ابا الى تسلهاي) ان جزء كبير من القبيله لقد توجهت الى غرب السودان اولا ولقد سبقت الهجرة الى الغرب قبل استقرارهم وانتشارهم في اواسط السودان، مستشهدا بوجود قبر جد الخليفة علي ود حلو (محمد القنديل) في ضواحي شمال الفاشر بشمال دارفور. يبدو ان محمد قنديل كان من زعماء القبيله الذين كانوا ضمن قادة الهجرة المستمره بين الغرب السوداني والمغرب العربي حيث ان ذكر الرئيس الليبي معمر القذافي ان قبيلة دغيم ضمن القبائل المشتركة بين ليبيا والسودان، وهذا يثبت حديث ابن خلدون حيث ذكر ان اغلبيه فروع قضاعة هاجرت الى الجه الغربيه لصحراء مصر.
عند دخول دغيم الى مناطق النيل الابيض وجدوا من القبائل الرئيسيه التي سبقتهم في الهجرة، من ضمنهم قبيله الشانخاب الجعلية التي وصلت هذه المنطقة في القرن السادس عشر مع قبائل الجمع ودار محارب وكنانة. استقرت دغيم في المنطقه تحديدا الضفه الغربيه من النيل الابيض من شمال قريه الشور إلى قريه السبعه جنوب كوستي. ولقد تصاهرت مع قبيلة الشانخاب واندمجت وتحالفت مع الشانخاب الحمر واصبحت تتبع اداريا الى مشايخه (اصبحت عموديه اثناء الحكم الثنائي) الشانخاب حتى بعض الاحيان تعتبر فرع من فروع الشانخاب الحمر بعدما تحالفت في القرن السابع عشر القبيلة بقيادة الشيخ قيدوم ابن ادريس الدغيمي ‘جد الخليفة علي ود حلو الثالث’ مع خشم بيت القناطير “البيت القيادي” من الشانخاب الحمر.
اما فروع دغيم الاربعه الرئيسية هي:
١ دغيم القناديل (البيت القيادي) – جدهم محمد قنديل
٢ دغيم عيال هشابة
٣ دغيم ود كفلى – جدهم سليمان ود كفلي
٤ دغيم العبياب – جدهم محمد العبي
من الواضح ان القبيلة كانت لها المكانه والاثر القيادي الديني وسط القبائل تحديدا وسط الشانخاب. وتغيرت اسلوب حياتهم من رعي الإبل الى رعي الابقار نتيجه إختلاطهم بالشانخاب وتأثروا بطريقه معيشتهم وتحديدا البيئة الجديده وكانوا يرتحلوا بماشيتهم في الصيف من كوستي (حاليا) غربا الى ضواحي الجزيرة ابا اما في الخريف لا يبعدون كثيرا من النيل ومن ضمن مواقعهم اثناء الترحال منطقه ام دبوكة واغسل وغيرهم من المناطق. وكانوا مشهورين وسط قبائل المنطقة بتربيه الخيول العربيه.
فكانت القبيلة تحت قيادة خشم بيت آل الخليفة علي ود حلو فرع (القناديل) احد فخوذ دغيم واشتهروا بالزهد وبتعليم الدين ولعل المكانه الدينيه ساعدتهم في الانضمام بسهوله وسط الشانخاب وجعلتهم مقبولين بين القبائل وتوارثوا القناديل هذه المكانه الدينيه والقياديه أبآ عن جد، وكلهم ينتسبون الى الجد الاكبر المشترك (محمد القنديل الدغيمي) الهو الجد السابع للخليفة علي ود حلو.
ولقد جاء احد زعماء دغيم يسمى حامد ود قيدوم (ابن قيدوم بن ادريس صاحب التحالف بين دغيم والشانخاب) وكان تقريبا اول من تحالف مع قبائل الشلك النيليه باعتبارة زعيم ديني بين القبائل مما سهل لقبيلة الشانخاب والقبائل المجوارة العربيه الاخرى ان تستفيد من العلاقة التي اسسها مع قبيلة الشلك التي كانت لها تأثيرها وقوتها في المنطقه من فاشودة الجه الجنوبيه.
وتنقلت وتوارثت زعامه دغيم الادارية والدينيه من القناديل تحديدا من ذريه حامد ود قيدوم ثم ذهبت إلى ابنه إدريس وبعدها الى حفيدة محمد الحلو (صاحب إسم عائلة الحلو ووالد الخليفة علي ود حلو) الذي تربى تحت رعايه عمه حمد جقير بعد وفاه والده ادريس مبكرا وانجب محمد-الحلو سته من الذكور (من ضمنهم الخليفة علي ود حلو) واثنين من البنات، وكان اكبرهم الضواها ود محمد-حلو – الذي استلم الزعامه بعد وفاه والده وهو اول شخص في زمنه من القبيله تمكن من اداء فريضه الحج واتوفى قبل الدعوة المهدية . ثم خلفه شقيقه الإمام ود محمد-حلو الذي استقبل الإمام المهدي في منزله واتفق هو وإخوته على طلب المهدي في اصطحاب شقيقهم علي ود محمد-حلو كأستاذا في خلوته بالجزيرة ابا.
لقد عانت القبيله مثل كل اهل السودان من مظالم حكم الباشوات الاتراك اثناء التركيه، منها تشردت عوائل كثيرة نتيجه للمعاله القاسيه والضرائب الفادحه من اعمال الباشي-بزوق. ولقد هاجرت عدد من العوائل من فرع القناديل من دغيم الى اقرباءهم في نهر عطبره بسبب الحادثة المأسوية التي ارتكبوها جنود الاتراك على شباب القبيله بعدما مقتل احد ضباط الباشي-بزوق الظالم في جمع الضرائب. واشتهرت الحادثة بإسم (أولاد الرسن).
و رواها الاديب صديق الحلو في قصه (أربعون في الرسن) حيث قال ان بعدما ادركت السلطات الحكم التركي بمقتل الضابط فقد ارسلت ﻗﻮﺓ ﻣﺪﺟﺠﺔ ﺑﺎﻟﺴﻼﺡ فتم اعتقال اربعون من اعز ابناء دغيم وربطوهم بحل طويل “رسن” ورسلوهم لمصيرهم المجهول ولم يرجعوا بعدها الى ديارهم مرة اخرى . يقول الاستاذ الصديق ان “ﺍﻗﺘﻴﺪﻭﺍ ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺎﺩ ﺍﻟﻌﻴﺮ ﻟﻤﻜﺎﻥ ﻣﺠﻬﻮﻝ ﺑﻜﺘﻬﻢ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻜﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ. ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻨﻮﺍﺕ ﺍﻧﺘﺰﻉ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﻨﺼﺮ ﺛﺄﺭﺍ ﻟﺸﺒﺎﺏ ﻛﺎﻥ ﻗﺪ ﻫﻠﻚ. ﺍﺳﺘﺒﺸﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺧﻴﺮﺍ . ﺍﻣﺘﻸﺕ ﺻﺪﻭﺭﻫﻢ ﺑﺎﻻﻣﻞ ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻟﻮﺍ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ .. ﺍﻭﻻﺩ ﺍﻟﺮﺳﻦ. ﺣﻴﺚ ﺭﻓﺮﻓﺖ ﺍﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﺍﻟﻄﺎﻫﺮﺓ ﻓﻮﻕ ﻗﻮﺯ ﺍﻟﺘﺮﻛﻲ. ﻫﻨﺎﻙ ﻧﻘﺸﺖ ﺫﻛﺮﺍﻫﻢ ﺍﻟﻌﻌﻄﺮﺓ ﺑﺎﺣﺮﻑ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ.” فقد كانت دغيم من اوائل اذا لم تكن اول قبيلة ناصرت المهدي من مقرها وايدت المهدي اثناء دعوته وثم ثورته حيث استشهد من رجالها ٩ من الشهداء من ١٢ شهيدا في اوائل معارك المهدية (معركه الجزيرة ابا) وكانت القبيلة الرئيسيه وصاحبه المهام في التصدي على حمله انقاذ غردون في معركه ابو طليح تحت قياده اميرهم وشيخهم الامير موسى ود محمد-حلو واستشهد اغلبيه واعظم فرسانها في هذه المعركه مع حلفاءهم من قبائل الشانخاب وكنانه ومن اقرباء آل الحلو فقط سقط اربعه منهم قائد الحمله موسى ود محمد-حلو وشقيقه الإمام وابناء عمومتهم. وكما اشار ماكمايكل ان معركه ابو طليح فقدت دغيم مجموعه كبيرة من رجالها.
المصادر:
١ كتاب الخليفة علي ود حلو – صاحب الرايه الخضراء (تأليف الاستاذ عبدالرحمن ابراهيم الخليفة علي ود حلو)
٢ كتاب Travels in Nubia (تأليف J.Burckhardt)
٣ كتاب من أبا الى تسلهاي – حروب حياة الإمام المهدي (تأليف الأستاذ عبدالمحمود ابو شامة)
٤ مقال ﻗﺼﺔ ﻗﺼﻴﺮﺓ – ﺍﺭﺑﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺳﻦ (كتابه الصحفي والأديب الأستاذ صديق محمد-احمد الخليفة علي ود حلو)
٥ كتاب تاريخ العرب في السودان (تأليف السير هارولد ماكمايكل)
٦ كتاب مستفاد الرحله والاغتراب (تأليف الرحاله القاسم بن يوسف التجيبي)
# صالون الظافر الثقافي الأدبي الفني
#محمود مادبو