هل انتم مدمنون ؟ أم لعلكم تسطلون؟؟

أد/ علي بلدو
في خضم ما تمر به بلادنا المنكوبةْ ببنيها و بناتها, و ما تعانيه هنا و هناك من بلايا و احن و ازمات متلاحقة و ضغوط معيشية طاحنة نائت بحملها العصبة أولي القوة من المواطنين و المواطنات و هم ينتظرون مواعيد عرقو’ب تلك التي وعدها لاخيه بيثرب, و ما الخرطوم عنها ببعيد!
ووسط كل ذلك نستشرف ذكري اليوم العالمي لمكافحة المخدرات و الذي خصصته الامم المتحدة و منظمة الصحة العالمية لتذكير العالم بخطورة هذا الامر , و الذي لا يختلف عليه اثنان او ثلاث, و للتنبيه للمستجدات الخطيرة للغاية في هذا المجال المنسي و المُغيب و الذي لا يتذكره الناس و المسئولون الا لماما.
لقد آن الاوان ان يعلم الجميع ان السودان قد تحول لدولة مستقر في تجارة المخدرات , بعد ان كان دولة معبر و طريق لغرب افريقيا او دول الخليج و اوروبا, و كما ان المخدرات اصبحت سلعة رائجة و تحظي بالحماية حتى من المسئولين و يتم ادخال حاوياتها جهاراً نهاراً و ودون ان تتم محاكمة احد, في ظل انهيار دولة القانون و الغيبوبة المتعمدة للمنظومة العدلية التي دخلت فيها سابقاً و لا تزال!
بل و أصبحت هنالك مصانع للمخدرات المستحدثة داخل البلاد و أصبح التوصيل يتم حتى عن طريق الديلفري و أكثر من ذاك.
كما أنه قد أزفت الآزفة ليدرك الناس ان خمس و ستين بالمائة من الناتج الافريقي من البنقو يتم انتاجه في السودان و ان الخرطوم كعاصمة حضارية كما يزعُمون تستهلك لوحدها نصف هذه الكمية, بما يمكننا و بكل ثقة ان نطلق عليها العاصمة المسطولة و بامتياز, و كأن لسان حالها يقول’ كما قال شاعر قلعة الموت المسطول سابقاً :
ذات ليل زرته فوجدته سهل العريكة رائقاً في المجلس
و مُدامةً تشفي القلوب براحها و ببسطها للانفس
و سل المجرب للامور و خلني من قول ذاك الراهب المتلمس
و اذا هممت بصيد ظبي نافر فاحرص بان يرعى حشيش القنبس
و كما أن علينا ان نصدع بان هنالك مدمن او مدمنة في كل بيت و اسرة بشكل او باخر, و لكن يتم التغطية علي الامر خوفاً من العقاب او الملاحقة القانونية , و خوف الفضيحة و السترة و الوصمة الاجتماعية.
و ايضاً الذهاب لفروع الطب العام جهلا او تجاهلا للامر دون اللجؤ لمستشاري علاج الادمان و المراكز المتخصصة علي قلتها.
تأتي الذكرى هذا العام و حواء السودانية قد حققت المساواة تماماً مع ادم السوداني في حالات الادمان و التعاطي و خاضت غمار الامر من الشيشة و البنقو و الخرشة و الكريستال ميث و الكحول بنسبة تقترب من واحد لواحدة.
و كما تميزت بادمان مستحضرات التجميل و التخسيس و التسمين و حبوب الجمال و التكبير و التصغير و البياض و غيرها مما ادى لمضاعفات خطيرة من تشوهات جلدية و فشل كلوي و انتشار السرطان
و كذلك و المضاعفات النفسية خصوصا اثنا شهر العسل و ازدياد حالات ذُهان شهر العسل و الاضطرابات النفسية الحادة اثناء هذه الفترة الهامة لكل عروس و عريس مما يؤدي للقلق و الهياج و الانتحار و القتل و الاختفاء في ظروف غامضة و غيرها’ و يكفي أن نقول انه من كل عشرة زيجات في بلدنا الحبيب ينتهي المطاف بثلاث منهن علي طاولة الطبيب النفسي بسبب الادمان.
و نشير هنا الي انتشار حبوب الهلوسة و الخرشة في مدارسنا الثانوية و الجامعات و المعاهد العليا, و لجؤ البعض للسرقة و النهب و القتل لتوفيرها لاكمال المثلث اللعين او التاءات الثلاث تعاطي –ترويج – تجارة, و كذلك انتشار ظاهرة الحمل غير الشرعي و الخيانة الزوجية و التي يكون غالبا الادمان و الرغبة في توفير المادة المخدرة سبباً فيها.
يقترب يونيو من الانتهاء و الكثيرون اتجهوا لادمان شراب الكحة و البنزين و السيلسيون و النوكرين’ و كما ادمن البعض المسكنات و حبوب الحساسية و الصداع و مضادات الالام العصبية و اصبحوا يزورون الروشتات و يدعون المرض للحصول عليها.
و من نافلة القول ان نذكر انه ظهرت لدينا اشياء جديدة مثل الهيروين و الكوكايين و المورفين و كما انواع جديدة لنج مثل الكاليبسو و اللورد و البوص و غيرها’ و كما تنامت ظاهرة ادمان المخدرات الرقمية, و ادمان الانترنت و المواقع الاباحية و التي ادت بدورها لبروز مشكلة العجز الجنسي لدي الرجال , و البرود الجنسي لدي النساء.و ادمان العادة السرية لدى الطرفين.
و كما يبرز امر مستحدث و هو إدمان اللايفات و الخروج بفيديو كل دقيقة الشتم و الهتر و الرد على لايفات الآخرين َ و التجريح و فاحش القول مما رفع من وتيرة التنمر و خطاب الكراهية و العنصرية و تغذية روح العنف المجتمعي و بث الفتنة بكل ما تحمله من خطورة على الأسرة و المجتمع و تهدد السلام و قبول الاخر َ و روح التعايش و التضامن.
كما ندق ناقوس الخطر لدخول طلاب مرحلة الاساس كفئة جديدة مستهدفة في عالم الادمان الذي لا حدود له’ و في ظل غياب تام للجهات الرسمية و التي اختزلت المكافحة و العلاج و التاهيل في احتفال كئيب و رتيب يُقام كل عام بنفس الوجوه و نفس الكلمات الجامدة و بنفس العقلية التي لا تتعدى اللافتات و المطبقات الجاهزة و غير المناسبة لواقعنا و كذلك توزيع التي شيرتات و الكابات في الشوارع الرئيسية خوفاً من المشقة ,وغيرها من الانشطة المحدودة بيوم واحد استأثرت به النوائح المستاجرات’ بعد ان توارت النائحة الثكلى بعيداً بدمعها الثخين. و يتم فتح الأبواب و القنوات و الإداعات لناس زولنا و زولتنا و صاحبي و صاحبك، ممن لا يعلمون الكتاب الا اماني و ان هم إلا يظنون و لأنهم لا يعلمون ان الظن لا يغني عن الحق شيئا.
لا غرو ان يصبح ربع شبابنا مُدمناً في ظل عدم وجود ادارة خاصة بالوزارة المعنية, و لا عجب في ذلك اذا علمنا بغياب اي منهج للتوعية بخطورة المخدرات في مدارسنا و جامعاتنا’ و سيزول تعجبنا فوراً ان نمى لعلمنا أن الغالبية العًظمى من الجهات و المنظمات التي تتقدم لنيل الاوطار في احتفالات هذا اليوم ,ليس لها علاقة بالامر من قريب او بعيد سوى تجارةً يرجونها و سفراً قاصداً و مغانم كثيرةً ياخذونها!
و الحق ما أقول لكم ان من شرب الشيشة فهو كيشة و انه لا فرق عندنا فيما بلغنا حديثاً بين من يتعاطي البنقو و الشاش و بين من يتعاطي السجائر
و العمارى غير الجيد’ بل ان متعاطي البنقو اقل خطراً لكونه يتخفى بدلااً من التدخين السلبي و الذي كلف الدولة اموالاً طائلة في كتابة اللافتة الشهيرة ( ممنوع التدخين) فقط ناهيك عن معالجة باقي الاثار الطبية و البيئية.و انه لا ضرر و لا ضرار و لا تلقوا بايديكم الي التهلكة و لا تيمموا الخبيث منه تتفقون.
و اخيرا و ليس اخراً و في ظل تنامي اعداد المدمنين و المدمنات و السُكارى و المساطيل و المسطولات, و في ظل ما نراه و نسمعه و نشاهده في ساحاتنا الاعلامية و الرياضية و قنواتنا الفضائية و اذاعاتنا’ و ما نراقبه في المعترك السياسي و ما يدور بين الفرقاء و الشركاء المتشاكسون’ و وسط كل ذلك كان لزاماً علينا ان تساؤلنا عليهم و عليكم ايضاً قرائنا الكرام و قارئاتنا الكريمات’ و نرجو ان نكون شفافيين في ذلك’و لكن هل انتم مُدمنون أم لعلكم تسطلون!!