مقالات

سيدات جميلات في برندة جدتي اليسر بت على وحالة حب غراء في ديوان المك نمر

  • بقلم/محمدعكاشة

 

تربيت فى حجر جدتى اليسر بت حاج على.
كانت امرأة وضيئة ذات إشراق.
كنت أرقد الى جوارها واتوسد سريراً أعدته لى.
السرير يلتصق بحائط برندتها الوثيرة والعامرة بالسيدات الجميلات.
كان لها عنقريب ينخفض عن سريرى بضع بوصات ولكنه ملتصق به.
عند المغارب أتلفع ثوبها الذى أشتم فيه رائحة فريدة مثل تلك التى يشمها الراوى فى موسم الهجرة الى الشمال عند لقاء جده فهي خليط من رائحة الضريح ورائحة الطفل الرضيع.
أستلقى وسط (هدهدة الحبوبة) وحكاياتها واحاجى الغول والعنقاء والخل الوفي.
كنت أتظاهر بالنعاس وعين مغمضة واخرى مفتوحة وأذناى تلتقطان دبيب النمل.
سيدات حينا الجميلات ياخذن فى التوافد إليها…يستشرنها في بعض الأمور.
كانت جدتى مشهورة بالحكمة وكنت من تحت اثوابها أنظر إلى (فتنة التوب الأنيق)وأتامل السيقان الجميلة المخضبة بالحناء والأنامل.
أنظر الى السماحة مجلوة بتطريب..أصوات ناعمة..رويانة وعيون واسعة الأحداق وخدود ملساء من أثر النعم.
فى الصباح كنت أعود أركض من المدرسة لألحق (جبنة الضحى) ومقيل سرب الحسان فى الحوش الكبير فجدتي علمتنى من صغرى شراب القهوة.
السيدات عند عودتى يقمن ويأخذننى بالأحضان ويتناوبننى واحدة تلو أخرى ورأسي تندفن فى صدر بين الكواعب منهن والأتراب وهن يقبلننى قبلات عميقة لازلت أحس وقعها وأكاد أسمع أصواتها وصفيرها.
جدتى كانت تقدم لهن رؤية جمالية فى حياتهن فى الزى وطريقة المعاملة مع الازواج والنظافة والحضور وخفة الارواح.
وذات مرة غاب عن أنظار جدتى أحد أقاربى من جهة الوالد فسألتنى عنه.
أجبتها بأنه أصابته لوثة فاعتزل الناس وأصبح يكره النساء ولا يصافحهن.
كلامي كان وقعه غريباً على جدتى.
نظرت نحوي باستغراب وسرحت ملياً ثم قالت:-
(بسسسم الله ياشافى ..آآمحمد ياولدى..
عاد البيابى البنات انشاءالله يابى نعلاتو..يجن ويطقع)
..

ثم في طفولتي صور جمالية أخرى تتزاحم ورجل ذو بهاء.
الضيف يدلف الى المسيد يطلب لقاء الشيخ وتحيته..
المريدون يتقدمونه الى حيث صناعة الطعام فى ركن قصى.
الرجل يرمق شخصا لاتخطئه بصيرة أحد..وجه وضىء.. شديد الوقار وذو ملمح بائن.
الزائر هاله ان الشيخ العارف الذى يقصده يقف مع (الفقرا)بنفسه للاشراف على الطعام.
الشيخ يثقبه بنظره ويرد تحيته بخاطر سمح نديان ثم يقول له=

( خادم القوم سيدهم..واسم الله الأعظم فى الكسرة دى )

ثم..
صيف الفين واتنين عدت من القاهرةالى الخرطوم ورفقائى مجموعة من الكتب التى كم أشقتنى وشقيت بها.
من ضمن ماحملت إليه وهو جالس فى خلوته حزمة كتب للدكتور منصور خالد أهدانيها لدا زيارتى اليه فى مكتبه بمصر الجديدة وهو يتهيأ لكتابة سفره عن جمال أغنيات الحقيبة وسر الخلود وكتاب آخر عن نادي الهلال.
سألنى=والدي= إن كان من ضمنها (الثلاثية الماجديه) قلت نعم فأعطيته اياه..احتفى به على نحو خاص ثم قال:-
حفظ الله منصوراً لحفظه وتحقيقه ميراث جديه الشيخان عبد الماجد والدباغ نلت من علمهم الذاخر نفائس بديعه لينصرف هو الى مطالعة الكتاب لاشباع رغبته وشغفه بالعلوم والمعارف.
مكتبة والدي تتسع تضم من كل علم بطرف.
الفلسفة والتصوف واصول الدين ودوواين الشعر والتاريخ وروائع الادب العالمى وبها تعرفت الى الاستاذ محمود محمد طه الذي قضى قضاء سلطان جائر وقضاة تالفين غير أنه مات ميتة ساطعة وهو صاعد في عليائه يسخر من جلاديه.
ثم..
قبل ثلاثين عاماً يفد=والدي= وكنت بصحبته الى خلوة جدى لأمى الشيخ المقدم عبدالرحمن وديوسف فى مسيدالشيخ دفع الله الغرقان بحي البوستة ليجده يستمع الى العبادى فى رائعته التي تحكي شعراً قصة حب بديعة يقتل طه ودحسين البطحاني شيخ العرب عبدالله ودكين الذي قام مغالبة ينازعه الزواج من بنت عمه ريا بت عبدالله ود اب كبس ليصرعه =البطحاني =يدق عنقه ثم ليستوي للفتك برفقاء شيخ العرب ليجدهم من خوارهم يستنجدون يستخفون من وراء ظهر ريا مستجيرين بها من سيفه الذي يبطش بغير رحمة لينشد طه :-
يا خضرة المفرهدة فوق جروفه نديه
على الواقع وراك انا كيف اشيل يديه
حتى ان كان كتلنى اعفى ليه الديه
دمى ومالى هيلك واقبليه هديه
..
ثم حديث أبي وجدي يومئذ يتراءئ لي في صور جمالية بديعة ترهن الشجاعة بالكرم صنوان يستردف أحدهما الآخر وطه البطحاني بعد انتصاره الساطع لحالة حب غراء ينزل في جوار المك نمر الذي تتطربه مثل هذه الأحوال المفرطه في الحب والندي والشجاعة والكرم لينشده طه في ثبات :-

نمررن يركب الكيك البطر يتحرن
نمرررن يقلب العوقه اب صفوفاً جرن
خلوات صدرو فى علوم الحروب كم قرن
سيفو بينسف الدرع الحديدو مقرن
مو نمر الشدر حاضن فروعو مقيل
دا النمر البضاير الصف محل ما يميل
كل ما اقول شكر القاه فيه قلييل
كفو بيخجل العين السحابه منيل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى