أعمدة

الوفد المصرى فى الخرطوم..نحو صيغة متجددة للعلاقات المصرية السودانية

 

بقلم/أسماء الحسيني

 

«سودانى يا بلد أحبابى، فى وجودى أحبك وغيابى، يا الخرطوم يا لعندى جمالك جنة رضوان، طول عمرى ما شفت مثالك فى أى مكان».. هكذا تغنى أعضاء وفد المجتمع المدنى المصرى الزائر للخرطوم برئاسة السفير محمد العرابى وزير خارجية مصر الأسبق مع الفنان السودانى الرائع سيف الجامعة، فى الأمسية الثقافية التى احتضنها مركز راشد دياب فى الخرطوم بحضور السفير المصرى حسام عيسى والقنصل المصرى أحمد عدلى، والجميع يرتدى الزى السودانى احتفاء بالسودان وأهله.

ومن المدهش أن أغنية «يا وطنى يا بلد أحبابى» هذه التى تغنى بها الفنان السودانى الكبير الراحل سيد خليفة هى لشاعر مصرى اسمه إبراهيم رجب عاش فى الخرطوم، وأكبر الظن أنه كان ضمن البعثة التعليمية المصرية، وكان كثيرون يظنون أن الأغنية لشاعر سودانى لما فيها من تمجيد وحب للسودان والخرطوم.

هكذا تجسدت فى استقبال أشقائنا فى السودان لزيارة الوفد المصرى كل معانى الأخوة والصداقة والمحبة الراسخة بين شعبى وادى النيل.

منذ أول لحظة وطأت فيها أقدامنا مطار الخرطوم، قلت لرفاقى فى الوفد المصرى إن زيارتنا للخرطوم قد نجحت، وذلك بعد أن رأيت فى استقبالنا قامات سودانية رفيعة المستوى تمثل معظم أطياف الشعب السودانى الحبيب، ولكم كانت هناك مفاجأة كبيرة واستقبال دافئ لنا، وقد عبروا جميعا عن سعادتهم وحفاوتهم بقدوم الوفد، ورغبتهم فى تنشيط العلاقات وخلق مصالح حقيقية مشتركة بين البلدين، وفق ما عبر عنه الإعلامى السودانى الكبير على شمو، الذى دعا إلى إيجاد صيغة جديدة للعلاقات الشعبية بين البلدين، بعد فترة من الفتور، مؤكدا حاجة البلدين إلى بعضهما البعض»، فيما قال السفير محمد العرابى إن الوفد المصرى جاء للتعبير عن وقوف الشعب المصرى مع الشعب السودانى فى الفترة الانتقالية الصعبة، مؤكدا حاجة البلدين للوقوف مع بعضهما البعض لمواجهة التحديات المشتركة الماثلة فى الإقليم والعالم، التى تحتم على الطرفين الانطلاق إلى آفاق رحبة فى تلك العلاقات يكون أساسها التقارب الشعبى والمصالح المشتركة، وأن زيارة الوفد للسودان لن تكون مجرد زيارة وتنتهى، بل ستكون حلقة فى سلسلة زيارات وبرامج مختلفة ومحاولات لخلق حوار جديد لتوسيع العلاقات بين الشعبين الشقيقين. وقد أكدت اللقاءات العديدة المكثفة التى عقدها الوفد المصرى خلال زيارته للخرطوم أهمية السعى لخلق وعى بالعلاقات الاستراتيجية المتجذرة بين البلدين، وأهمية فتح آفاق رحبة لحوار جدى على المستوى الشعبى، وهو ما عبر عنه الدكتور الهادى إدريس، رئيس الجبهة الثورية وعضو مجلس السيادة بقوله «مثلما كان ماضينا مشتركا، فإن مستقبلنا يجب أن يكون مشتركا، حيث إن الأمن القومى للبلدين مرتبط ببعضه البعض»، كما أكد الطاهر حجر، عضو مجلس السيادة، أهمية تطوير المعرفة المتبادلة للشعبين ببعضهما البعض، فيما أكد الحاج أحمد أبو بكر، رئيس كتلة النازحين واللاجئين عضو قوى التوافق الوطنى بقوى الحرية والتغيير، «أن الشباب هم من يمكن الاعتماد عليهم فى بناء علاقات أقوى بين البلدين». وجد الوفد المصرى ترحابا كبيرا من أطياف واسعة من القوى السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية التى التقاها، وكان العتاب المشترك بين كل من التقينا من السودانيين هو «لماذا تأخرت هذه المبادرة، وتأخر مجيئكم»، ولسان حالهم المثل السودانى «الما دارك ما لامك» وهو ما يعنى أن الذى يلومك ويعاتبك هو من يريدك ويهتم بك. جاء هذا الترحيب فى ظل ظروف بالغة الصعوبة يعيشها السودان، الذى يمر اليوم بمرحلة حرجة وحساسة، لاسيما بعد قرارات 25 أكتوبر الماضى، التى أدت إلى خلخلة الشراكة بين المكونين العسكرى والمدنى، وإزاحة الأخير من المشاركة فى حكم الفترة الانتقالية، هذه الشراكة التى تأسست عقب الإطاحة بنظام الرئيس السودانى المعزول عمر البشير فى أبريل عام 2019.

وقد انشطر المكون المدنى إلى عدة مكونات، بعضها مع المكون العسكرى، وبعضها الآخر يناصبه العداء، وانعكس ذلك على تيار القوى المدنية، الذى عجز عن تقديم قيادة مدنية موحدة، لكن مع ذلك استمر هذا التيار فى التصعيد والتظاهر فى الشارع، أما المكون العسكرى فما زال يواجه تحديات داخلية وخارجية، مع مخاوف كبيرة من تعدد الحركات المسلحة فى السودان، وعدم اكتمال عملية السلام. ويغذى تعقيدات المشهد السودانى العناصر الإسلامية التى تسعى الآن لاستغلال المشهد للقفز على السلطة فى السودان من جديد، ويضاف إلى ذلك التدخلات الدولية والإقليمية فى إطار التنافس المحموم على النفوذ فى القارة الإفريقية والبحر الأحمر والمنطقة العربية وحوض النيل. وفى هذا المشهد المعقد، تواجه مصر فى علاقاتها مع السودان تحديات على جميع الأصعدة، وهو ما يحتاج إلى جهود جبارة لمواجهة حملات عدائية ممنهجة للنيل من علاقات البلدين والشعبين ومصالحهما، ومن هنا كانت أهمية تضافر جهود كل المخلصين فى البلدين لإحباط هذه المخططات العدائية، ومعالجة كل قصور قائم، وإزالة كل سوء فهم، لتحريك المياه الراكدة فى مجرى هذه العلاقات المهمة بين البلدين، والدفع من أجل تعزيز العلاقات، والأهم العمل لتجنيب السودان الانزلاق فى السيناريوهات الصعبة غير المرغوبة. هناك أدوار كبيرة يمكن أن تسهم فيها مصر الرسمية والشعبية من أجل دعم استقرار وسلام ووحدة السودان فى هذه المرحلة الفارقة، بدعم توصل الأطراف لتوافق وطنى عبر جهودها المنفردة أو بالمشاركة مع الجهات الدولية والإقليمية التى تضطلع بدور الوساطة فى السودان، والمساعدة فى إكمال مسيرة السلام فى السودان، وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية فى الفترة الانتقالية.

لا شك أن الوفد المصرى عاد من الخرطوم يحمل رسائل مهمة جدا للداخل المصرى، مثل تلك التى حملها للشعب السودانى بشأن العلاقة مع مصر، وأهمها ضرورة الاهتمام بالتغطية الإعلامية العميقة والشاملة لأخبار وقضايا السودان فى وسائل الإعلام المصرية بما يتفق مع وزن السودان وأهميته لمصر، والدفع بمبادرات المجتمع المدنى المصرى تجاه السودان ووضع برامج تفصيلية لها للتفاعل مع نظرائها فى السودان، والتخطيط لاستقبال وفود شعبية سودانية فى مختلف المجالات. أهم الرسائل التى حملها الوفد المصرى من السودان هو ضرورة الرهان على الشعب السودانى، والتوجه إلى كل قواه الحية، كما يحتاج الشعب السودانى فى هذه المرحلة العصيبة لتحرك الوزارات والجهات المعنية بتطوير التعاون والعلاقات بين البلدين، والتعجيل بإكمال مشروعات الربط الكهربائى والسكك الحديدية، وتقديم تسهيلات لحركة التجارة بين البلدين، وتخفيف الإجراءات والقيود التى تشجع وتسهل التبادل التجارى والاستثمار وحركة البشر بين البلدين، وإعداد برامج مكثفة للتبادل الثقافى والإعلامى والرياضى والشبابى بين البلدين، وإعداد برامج تدريب نوعية متخصصة فى كافة المجالات لأبناء الشعب السودانى، والاهتمام بحل مشاكل السودانيين فى مصر، وقد كان لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسى، بإعفاء السودانيين المقيمين فى مصر من غرامات مخالفة قانون الإقامة أثر إيجابى كبير وملموس، يجب البناء عليه، فالعلاقات الشعبية المصرية السودانية هى أرض خصبة جاهزة للنماء والعطاء، ولكنها تحتاج إلى الرعاية الكاملة والمستمرة من كل الأبعاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى