منوعات

فوح القرنفل..أوراق مبعثرة

 

ذاكره قديمة 2011

بقلم/عمر الحاج

1- لم أستطع يا سادتي كتم ما تبقي من شَكلة الصباح مع سائق الركشة لزيادته للاجرة المتعارف عليها متحججا(كل حاجة زادت)، وأنا اتفحص “الجريدة” كاوراق منفستو لسيارة سفرية عابرة ولاحبر يراق بخبر جديد.. أفلح راديو الحافلة في أن ينتزع بعضاً من تجهم الركاب وعيونهم الشاردة تارة والمعلقة باصابع الكمساري تارة أخري مخافة أن لاتوجد فكة.توزعت مجموعة عقد الجلاد علي جنبات الحافلة من خلال الراديو تشيع فرح صباحي برائعة محجوب شريف (تبتبا).

بين التبتبات والهدهده الموسيقية من لدن عقد الجلاد إرتخلت بعض الوجوه قليلا وتحسست أخري مواقع “التمباك” في جيوبها ألامامية أوداخل سترات البرد علي الرغم من تسكع الحافلة وإصرار صاحبها علي الجمع والالتقاط .. لم أكن من أصحاب الحظوة فظفرت بكرسي نص متحرك قياما وجلوسا كنت أُمني نفسي بالكنبة الاخيرة مجاورا للشباك وهي من (المناطق المحررة) حيث لاتخضع لسلطة الكمساري والسائق من حيث كثرة التعليمات. تحايلت ذات الثلاثة اطفال علي (ارتفاع سعر المحروقات) بان وضعت أصغرهم في حِجرها وما تبقي منهم وقوقا بجانبها يتململون وينثرنون ضحكاتهم وهي تحيطهما بنظرات حانية تنسيهم رهق الوقوف بين كراسي الحافلة الضيقة والمتهالكة… وهم يقاسمونني المِقعد

من خلال تسريحة الصغيرات والشنطة المكدسة بدون ترتيب عرفت إنهن (مرقن علي عجل)

 فلاحظت أن ململة الصغار كانت سرعان ما تعيد أمهم من حالة التوهان والشرود التي تنتابها بين الحين والاخر.

إلتصاق الصغيرة برجلي أشعرني بدفء غريب أجلستها علي حجري فالتصقت بي وعيناها تُشع بفرح “مختوف”

كدت ان أسالها (بابا وين) لكن نظرات الام ألجمتني.

إنزلقت مني الكلمات وهي علي حِجري غير مبال إسمك منو يا حلوة ولم تجبني بل رمقتني بمزيد من التحديق وتملصت مني باكية فهمست لها أمها بلغة (التقراي علي ما اظن) فاجابت الصغيرة سعاد ” تمتمت في سري يالله يا سعاد ” فضحكت أمها وأردفت أبوهم سوداني لكن انا أرترية ….

2 – لم أنس ذلك اليوم ونحن نتحلق حول الهاتف الجوال نتلذذ بسماع نص فسيح لا نعلم من كتبه.

انا عندي فكرة اصبرك ……

امسح غبارات المواجع وبي قصيدى اغبرك

عن اى حاجة اخبرك

عن غيمة تبقالا المطر

عن غنوة تبقالا الوتر

عن ناس هلك قلبا الخطر

طول ضلاما مرايا ليك

راجياك تبقالا القمر

عن زول قتل قبلو الارق

تبقالو نوم عز السهر

عن فاطمة والسمحة ام عجن

مراقتن حداثتن

عن صابر الابو والوطن

والعزة فوق اصعب تمن

لم يحتمل (ميوم) ما تبقي من القصيدة فغادر مسرعا ثم عاد مبتسما ولكن دموعه أكدت بان الجرح لم يندمل بعد ( سعيد ) كذلك لم يحرك ساكنا ساعتها لعله تذكر حينما عاد من العمل وهم بنزع ملابسه ثم سأل: (ابوي وين)وياتي الرد إعتقلو ، يلح( ميوم ) بان نكمل سماع تلك القصيدة عن صابر……….. وتلح والدة سعيد علي ان يغادر الي القضارف فهي لم تعد تأمن عليه هنا فالمدينة صغيرة ومن السهولة إلقاء القبض عليك ايضا وانا لا أحتمل فقد ثلاثتكم فابوك فى السجن وشقيقك ربنا يتولاه ويحفظه اما انت فاهرب .

3- بالامس زُرت أمونة بمستشفي التجاني الماحي أصرت أن تكون في كامل هندامها وزينتها فضلت وضع الروّج في مكان عام لاتبالي بمن حولها وهم كذلك ، ثم نظرت نحوىّ بدهشة (انت عارف أنا زمان كنت بقفل باب أوضتي) للزينة والكُحل أما الآن فلا أجد حرجاَ في ذلك حاولتُ تغيير الموضوع “كل سنة وإنت طيبة” عام سعيد فأصرت بان العام الجديد لم ياتي بعدثم صرخت في وجه شقيقتها لماذا لم تخبروني بالعام الجديد بعدها هدأت قليللا مصوبة عيناها نحو الفراغ تعرف يا عمر انو العام الجديد لم ياتي بعد ولن ياتي .وإلتفتت نحوي بصورة مباشرة بتكشيرة كنت أحسبها نصف إبتسامة ثم أسألتني بحيرة من اخبرك إني هنا …….

او اخبرني ماذا حدث ؟

أمونة كانت تعمل بمحل للكوافير مليحة ذات تفاصيل وجمال مميز صغر سنها سر إبتسامتها الدائم تعرفت علي سوسن شابة من ذات تفاصيل امونة مرحة ومحبة للحياة تباهي ملابسها بان لولا جمال جسدها لما بانت تلك الاقمشة الملونة والمطرزة كانت ذات مزاج خاص اعجبت امونة بحياة سوسن الانطلاق الحرية رويدا رويدا إنفصلت امونة عن اسرتها بحثا عن حياة سوسن اتخذت لنفسها غرفة طينية صغيرة بحي طرفي تعرفت علي معاذ اصبح لديها رجل يقاسمها كل شئ.

رفض ميوم ان يحكي عن نفسه شئا وصرخ بان لا احد يعرف اسمه الحقيقي حتي اللحظة وهو يحمل رتبة عسكرية صرخ قائلا الحياة في الغابة أجمل من المدينة والدفاعات أماكن آمنة وتصلح حتي للنوم علي الرغم من صوت زخات الرصاص ورائحة البارود.

فقلت له: أحكي لي عن نفسك

رفض مواصلة الحديث

ثم دفع بجرعة من النشوة داخل جوفه

أجابني

انا ما فاضى ليهم

لكن زمّنا بجي

من هم

وعن اى زمن تحكي يارجل

ترجل د. عادل من سيارته ليلا يحمل حزمة اوراق انزلقت رجله بحفره صغيره فتذكر لينغراد وزوجته هناك عشرون عاما بشرق اروبا والاتحاد السوقيتي ثم دراسات عليافي مجال الغابات ، قبلها موظفا بالغابات طاف انحاء السودان عركته الحياة وتجاربها اختار الغابة طوعا ذات مساء بارد تحسست اقدامه اسمراء ثم هيكوتا ومعسكرات التدريب فالرجل مقاتلا وزراعيا حاذقا.

4- إنتزعتني ململة الصغيرة من قصص ميوم وسعيد وأمونة

والدفاعات و رائحة البارود وقرقعة السلاح وطوابير المقاتلين ووقع احذيتهم

لم تخبرني الام ببقية التفاصيل وانما وضعتها علي عتبة عينيها ككتاب مفتوح حتي و إن اشاحت به …

لم تخبرني بالتوء كاحلها وانما لمّحت ذلك فانا أعرفهم من سمائهم علي رجولهم وكفوفهم وسائر الجسد من اثر النضال وقطعا هي حمّالة للرصاص والمدافع فوق الاودية التي رايت. والمرتفعات التي تحكي قصصهم والاشجار التي ساندتهم والكهوف التي اوتهم … يا الله ……………..ٌ

اخيرا داعبُت الصغيرة واجلستها حجري غير مبال بنظرات امها.. رجعت بذاكرتي للوراء في اول زيارة لوطن التي احتضنها وأُسكنها حجري.

هذا البص إعلان مجاني “لإمر معقد جدا”

وخبز هذا الصباح مصنوع بطريقة بالغة التعقيد.

 المجد والخلود لشهداء ثورة التحرير الارترية..*وكل عام والشعب الاريتري بالف خير*

*عمر الحاج*

*مايو المجيد2022*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى