ثقافة وفنون

في ذكري رحيل صاحب الإنداية

 

بقلم/محمدعكاشة

 

أعوام مضت علي رحيل(صاحب الإنداية) وماتزال سيرته ومساهماته تملأ الأرجاء.
فى ورشة عمل هامة حول قضايا التنوع يثري حياة السودانيين كان ثمت سؤال مفتاحي للورشة لجميع الحاضرين.
والسؤال هو..هل حدث أن تعرضت أو كنت شاهداً أو طرفاً لحالات تمييز على أساس النوع أو العرق أو الثقافة ؟؟ !!
الكثيرون كان ردهم بالإيجاب وكنت وشابة أخرى على العكس مما أثار الإنتباه واستوجب تعليقنا.
الشابة ولدت وعاشت خارج البلاد وهي بذا لقد وجدت نفسها بمنجاة من ثقل الاجابة فى هكذا حالات.
أما حالتى فكانت تختلف نوعاً ما.
فأنا ولدت ونشأت فى أحد أعرق أحياء أم درمان القديمةبل هو (مصهر) وبوتقة ضمت أقواماً مختلفين إثنياً وثقافياً غير أنهم متحدين بينهم بلا تمييز.
ومن جهة أخري وذلك لكوني ولدت فى(مسيد ) بذات الحي يؤمه الناس من كل الجهات سوي أنهم متساوون فيه دون فوارق.

هذا المكان هو حي العباسية.
العباسية التى أقامت سرادق العزاء لرحيل باترس لوممبا وبوب مارلي.
وتفعل مثله عند رحيل جمال عبد الناصر بلامواربة يدعمون الحركات الثورية ورموز الفن تهفو نفوسهم نحو الجمال غض النظر عن الأعراق والجغرافيا.
ثم ..
به = حي العباسية = أتيح لي أن أتعرف الى شخصه العجيب وهو أحد الذين أقاموا به.
تعلمت منه كفاحا معارف جمة.. أصول السودانيين و(أوابدهم ) وتراثهم وأماديحهم.
وكذا الفلكلور..التاريخ..الأدب.. الحكمة وفصل الخطاب.
قبل سنوات ومن خلال منبر صديقنا بكري أبوبكر كتبت احياء لذكراه وحضوره ومكانته فى وطنه.
نكتب وقتها ونقول فى سيرته:-

الرجل المولود فى بلدة المقرن ريفى بربر عام 1940ولم يجد حظه نحو تعليم نظامى متصل يغدو علماً بين الأعلام فى السودان.
فى حى العباسية ونحن جلوس فى خلوة جدنا الشيخ الزين ود الفكى إبراهيم يعرض رجل فى جلباب الانصار والطاقية تشرئب من بين عمامته ينده بصوته الخفيض:-
يا جنيات وين أبوكم الشيخ؟!! ثم هو يدلف كما النسيم ونحن نرقب حضوره وحديثه وبحثه عن أهمية مخطوط هو أحد أهم ميراث جدنا الشيخ الزين فى علم الأنساب وفى التاريخ.
يغدو الرجل الى بحوثه وحفرياته بهمة ناشطه ويعرض جانباً من ذلك في التلفزيون حقبة السبعينات ضمن برنامج (صور شعبية) الذي كان يعده ويقوم بتقديمه.
تمضى السنوات ليلحق الكتف بالكتف لأحظى بصحبته سنين عدداً كافأنى خلالها فيضاً من خبراته ومعارفه وسياحاته فى الآفاق.
الرجل وتعليمه النظامى يقف لظروف ما فى المرحلة الوسطى الا أن ذلك لم يمنع جامعة الخرطوم من أن تجد له وظيفة فى شعبة أبحاث السودان بكلية الآداب للاستفاده من كسبه وفتوحاته فى مجال الفلكلور كاثنوغرافى محقق فى ثقافات أهل السودان ليتصل كفاحه ضمن كوكبة مثرية فى مجالات الحياة المختلفة.
منهم على سبيل المثال الاساتذة عبدالله على ابراهيم..سيد حامد حريز..مصطفى ابراهيم ويوسف فضل.
هيئة الخرطوم للصحافة والنشر فى خدمة جليلة تقوم بإعادة طبع انتاج الرجل فى مجموعات كاملة للاستفاده من علمه.
أعادت طباعة (المسيد) سفره البديع ثم (الإنداية ) فى مباحثه المختلفة وهو يكتب عن المريسة وأحوال السكارى وقتئذ وقد أعد ذلك السفر بعد تطواف ست سنوات فى (الأنادى ) ليخرج بها من مجرد مكان للشرب والندى إلى منتدى معرفى تحصل من خلاله على حصيلة من الروايات والمعارف من مرتاديها فى ذلك الزمان.
خبر عبر ذلك أصول السودانيين وعاداتهم وأسلوب حياتهم وتاريخهم وابداعاتهم .
الهيئة مشكورة تنشر بين الناس كذلك (الشيخ فرح ودتكتوك حلال المشبوك ) وبعض أعماله التى لم ترى النور (ذاكرة قرية) و(بيت البكا) وذا إسهام مقدر لاتاحة كتب ومعارف راحلنا الكبير للناس إحياء لذكراه وتوثيقاً لمنجزاته الملهمه.
رحم الله الباحث الأستاذ الطيب محمد الطيب رحمة واسعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى