السر محمدعوض..نحنا حافظين لي ودادك

بقلم/محمدعكاشة
خُرطوم الستينيّات والسبعينيّات كانت لا تنامُ ولا تعرفُ التثاؤب ولا تخشي ( الفقر ) حين كانت العلاماتُ التُجارية ماركةً مُسجلة من المنشأِ وضدَ كل مُحاولات التقليدِ الزآئفة.
عام 1929 ميلادية في العاصمة السويسرية قامَ فيرناندو دروز ( جوفيال ) يُؤسسُ لشركةٍ تخصصت في صناعة الساعات بصورةٍ مُبهرة بتصميمٍ علي قدرٍ عالٍ من الجودة والمتانة والجمال.
صَديقنا محمد عفيفي مايزالُ وإخوته حتي يومنا هذا يعتبرونَ ببراءةِ (التوكيل) لساعاتِ جوفيال بمحلهم الكائنِ قُبالة سوق نمرة إتنين.
حينَ قُمتُ أعبرُ الصف الخامس إلي الفصلِ السادس بالمدرسة الإبتدائية إستعداداً للإنتقال الي المرحلة الوسطي أهداني والدي في إشارةٍ عميقة ساعةً ماركة ( جوفيال) ولقد غابَ عني وقَتذاك معني ( الإشارة ) المُلهمةُ بيّدَ أنني طفقتُ ( أتنططُ ) في حالٍ من الفرح والسرور والساعةُ بيدي اليسري تلتمعُ في العتمَة مثلُ اليَراعة.
والدي يقفو هديتهُ هذي بالحضِ علي ( القراءة) ومُزاولةُ الإطلاع بمكتبة أم درمان المركزية لأستثمرَ ( الوقت) وأيامُ الإجازة فيما يفيد.
مكتبةُ أم درمان المركزية كانت ببطنِ سوق أم درمان شمالِ قُبة والدنا الشيخ دفع الله الغرقان وجنوب دكان ( أولاد ملاح) وكانت حدائقَ غناء وارفةُ يتَفيأُ ظلالُها ( التواقون ) الي المعرفة إذ تضمُ جنباتها أمُهات الكُتب في كل المجالات وتستقدمُ آخرَ إصداراتِ المطابع في القاهرة وبيروت.
مكتبةُ أم درمان المركزية للإطلاع ( العام) غَدت في حقبة (الإنقاذ) ودولة المشروع ( الحضاري) أثراً بعد عينٍ وأضحي مكانهُا ( جخانين ) لمحلاتِ بيعِ الخَردوات ومرتعاً للباعةِ الجائلين.
المكتبةُ كانت واحدةً من مصادرِنا للمعرفة ومثلهُا الإذاعة السُودانية من ( هنا أم درمان) علي أثيرِ موجاتها المُختلفة.
مَطلعُ التسعينيّات أخطو في ( بلاط ) الصحافة السُودانية ظالعاً متُعثراً علي حدِ شعرِ سَيّدنا وشاعرنا محمد سعيد العباسي غيرَ أني كُنتُ مُثابراً علي طريقتي ليأخذَ بيّدي الاستاذ صلاح الفاضل أرسد مُدير الإذاعة وقتُها الي مكتبِ الأستاذ ذوالنون بشري بُغيةَ العملِ معه في إذاعة البرنامج الثاني وكان بتقديرهِ = صلاح الفاضل = أن الإبداعَ الإذاعي رَدِفِ لمثلِ إتجاهات ما أكتبهُ في الصحف من مقالات.
وجدتُني مسرورِ بثقةِ الاستاذ صلاح الفاضل وهو يدفعُ بي إلي أضابيرِ الإذاعة وهي تستهويني من ( زمن الصبا) ومن قبلِ مُطالعةِ مصفوفته ( الأُذنُ تعشقُ قبل العينِ أحياناً) زُبدةُ تجاربه وخبراته الإعلامية.
الأستاذ ذوالنون بشري يبشُ بوجهِ زائريه ويقتربُ منهم بأدبه الجَم وبمعارفهِ الواسعه وذكاءهِ المُتقد فأنا لم أرَ مثيلاً للرجل في حُب القراءة والإطلاع والإقبالِ الجِدي علي ( الكتابة) شعراً ونثراً.
ذو النون بشري يقرأُ ( إمرأة خيدع ) أولي مُحاولاتي لكتابةِ القصة لألفاهُ ينشرُ مقالةٕ مثلُ ( الخرائد ) هي في مقامِ الإحتفاءِ بما أكتبُ ويقدمُ نقداً للقصة يحفزُ جهدَ المُقل.
ثم من عندهِ نستحثُ الخُطي إلي (حضرة ) الأستاذ السر محمد عوض صنوهُ وصديقُه الأثير.
ذوالنون بشري والسر محمد عوض تتلامحُ شخصيتِيهما في متلازمةٍ مُبدعة عبرَ السنوات فكلاهما مولعِ بكتابة الشعر ومُطالعة الأدب وهما يتزاملانِ بمدرسة الإرسالية الأمريكية ثم ليلتحقا في العام 1961م بالاذاعةِ السودانية يجتازانِ مدخَل الخدمة باختباراتِ الصوت والقُدرات والرغبةِ في إرتياد الآفاق.
الأستاذ السر محمد عوض أخذَ يَدبُ في مجالِ العمل الإذاعي مَرعياً بإهتمام رؤساءه أمثال خوجلي صالحين والتاج حمد يرقي صاعداً ليجعل من مُهمة ( التنسيق والمتابعة) عُنصراً مُهماً في الضبط والتخطيط للعمل الإذاعي إضافةً الي تمهُره في الاعداد والتقديم.
السرمحمد عوض يترددُ إسمه عبر أثيرِ الإذاعة السودانية ليتخذَ (من الارشيف) ومن إبداعاتِ البرامج ما يَشحذّ بهِ ( ذاكرة الأمة) لا تُوهنهُ كلالة ولا يشغلهُ شاغل.
السر محمد عوض الإذاعي ( المرموق ) يكادُ كثيرٌ من الناس لا يعرفونَ أنهُ شاعرٌ غنائي مُجيد تغني له حسن عطية وعبد الدافع وخليل اسماعيل بل وحينَ دوزن الملحنُ علاء الدين حمزة بعضُ أشعاره برعت أم بلينة السنوسي فتاةٌ واعدة ذاتُ صوتٍ عذب تشدو بكلماته (نحنا حافظين لي ودادك ) وتُشجي المسامع.
الرعيلُ الأول من المُبدعين السودانيّين في الإذاعة أمثال السر وذوالنون وقرشي محمد حسن وقرشي الطاهر ومحمد طاهر وضوالبيت وعلم الدين حامد وعُمر الجزلي هم (عُتقاء) وماركةٌ مُسجلة مثلُ ساعة (جوفيال) عراقةً وجمالاً وغنيً وثراء.
رحمَ الله السر محمد عوض رحمةً واسعة.