في الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية

_
بقلم / محمد عكاشة
في مقر حزب المؤتمر الوطني الكائن وقتذاك بشارع البلدية شمال مبنى سفارة الإتحاد الأوروبي قام رئيس الحزب الدكتور حسن الترابي بالدعوة إلى اجتماع عاجل.
جاء يسعي إليه رئيس الجمهورية ووزراء حكومته وقادة الحركة الإسلامية ومجلس الشوري.
على المنصة الرئيسة جلس الأستاذ المحبوب عبدالسلام لإدارة جلسة الإجتماع وعلي يساره دكتور الترابي الذي بدأ غاضباً وهو يجيل النظر يتفرس وجوه المؤتمرين من أمامه كأنه يحصيهم عدداً ويمنيهم حساباً عسيراً بل قام إلي زمرة من المتأخرين عن الميقات جاءوا يمشون علي إستحياء فزجرهم زجرة واحدة.
في الصف الأول جلس عمر حسن أحمد البشير وبكري حسن صالح وعلي عثمان وقادة جهاز الأمن وبعض الوزراء والمستشارين بغير ألقاب وإنما فقط بصفة بطاقة عضوية المؤتمر الوطني الذي يرأسه الدكتور حسن الترابي.
الإجتماع كان صباحاً باكراً ولقد كان مغلقاً محاطاً بسياج (أمني) كبير ولم يتم السماح لغير عضوية الحزب (المعدودين) بحذفار بالدخول سوي مصور تلفزيون السودان ولدقائق معدودة فقط قبل بداية الإجتماع لأخذ لقطات لخبر تتم صياغته لاحقاً.
الإجتماع فيما يبدو كان حاسماً في مراجعة مسيرة الحكم ومحاسبة الحاكمين بأمره والإجتماع وملابسات ظرفية أخري تتعلق بالفساد واستغلال النفوذ مهد الطريق لإنتفاضة تولي كبرهاعشرة من قيادات الحركة الإسلامية بإصدار مذكرة بالونة إختبارتكشف الطريق لإزاحة الدكتور الترابي عن المشهد السياسي وقادت إلى انشقاق الحركة الإسلامية فريقان يختصمان وإلى جماعة تعتزل بشعاب ضاحية المنشية و أخرى تلوذ بباحة القصر الجمهوري والملك العضوض.
اختلف الناس مع الدكتور الترابي أو وافقوه الرأي إلا أنه كان أكثر شجاعة من بعض (تلاميذه) ممن هم على(اليمين) يحلفون يتحرون الكذب يتنكبون الطريق ينكرون صلتهم بإنقلاب الحركة الإسلامية في الثلاثين من يونيو ويتبرأون من المظالم التي وقعت تعذيباً وقتلاً للنفس التي حرم الله في بيوت الأشباح وفي حرب الإبادة الجماعية بإقليم دارفور.
الدكتور حسن الترابي هو أول من قال بفساد دولة المشروع الإسلامي مطلع التسعينات حين أدلى بتصريحات صحافية بأن الفساد قد استشري بين المسؤولين الحكوميين وحين سأله سآئل عن نسبته = الفساد = أجاب بطريقته الساخرة:- ( تسعة.. غير أن هناك صفر.. أهو علي اليمين أم علي الشمال..لا أكاد أجزم) وهو إذ يستصدر مقالته فهو يتقصدها وتفعل فعلتها ليقوم هؤلاء يتلاومون يلووون رؤوسهم.
الدكتور الترابي في الخمس سنوات الأولي من حكم الإنقاذ كان مشغولاً بالتأسيس للمؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي جر علي أهل السودان المصائب فهو يتطلع إلي قيادة العالم (أجمع) وبظنه كان يفعل بدعوة الجماعات الاسلامية ومعارضي الأنظمة يستضيفهم بالخرطوم في رائعة النهار وحينها كان يمسك بإدارة الدولة علي عثمان طه وعوض الجاز ونافع علي نافع وهم يخفون عنه كثيراً من الأمرثم ليتنبه الرجل يستفيق من غيبته حين غامر هؤلاء دون علمه بمحاولة بائسة لإغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عملاً عبثياً لاجدوي من وراءه فقام الترابي يجمع (حوارييه) ضحي يستعيد ولايته بإعفاء قادة جهاز الأمن والمخابرات ليقصي نافع علي نافع إلي وزارة الزراعة وينسب إليه القول حينها بأن لوكان به نفع فليفعله في إطار تخصصه ثم ليدفع بآخرين إلي البعثات الدبلوماسية في الخارج مثل مطرف صديق ثم هو يقوم بتقسيم جهاز الأمن وتحديد مهامه إلي إدارة للأمن الداخلي أختار لها اللواء الهادي عبدالله وإدارة للأمن الخارجي أوكل مهامها إلي اللواء الدابي وهو يعتبر أن الجهاز يكاد يجر البلاد إلي المهالك.
الدكتور الترابي منذ حادثة مبارك قام يباشر بنفسه إدارة الدولة وصار بتدخلاته المباشرة عبئاً علي التنفيذيين ذوي المصالح فأخذت تتنامي الاحتجاجات ضده بداخل أروقة (النظام) وفي مخابئ (التنظيم) ولقد كان الإجتماع المشار إليه فاتحة المقال هو إحدي الدوافع لإستكمال حلقات (التآمر) علي الرجل والتي أفضت إلي المفاصلة الشهيرة في شهر رمضان عام 1999م وإلي سجن الدكتور الترابي ذاته ولكنه حين خروجه طفق ينقض غزله عروة عروة ليكون أول من طالب الرئيس البشير بتسليم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية في ندوة جماهيرية مشهورة في ضواحي الخرطوم وهي متداولة مبذولة في الوسائط.
الطريق إلي محكمة الجنايات الدولية مهد له وأقام الحجة عليه الدكتور الترابي قبل سقوط البشير ليروق الآن لمولانا أحمد هارون وهو في محبسه (الرغيد) يكتب مرافعته يحتج علي محاكمته داخلياً يرتضي الإذعان إلي قضاء المحكمة الدولية عوضاً عن المحاكم الوطنية يستغل ذكاءه بالإشارة إلي نظرائه (المحتملين) لذات الطريق من شركاء حكومة الفترة الإنتقالية غير أن محكمة الجنايات الدولية ليست جمعية خيرية تنتقر المطلوبين بالرغائب الشخصية والأمنيات.
مرافعة هارون تصدر ومن يناط به العمل علي رد المظالم ورعاية الحقوق يتداول الناس خبراً بشأن تقدمه بطلب إستقالة يرهن بقاءه بمنصبه بذهاب لجنة إزالة التمكين وهو بحكم وظيفته وعلمه القانوني يعلم دستورية اللجنة وعدالة عضويتها ومهامهاوهي قد توصي بإقالته حال عرقلته مسار العدالة الانتقالية غير أن الرجل مثل هارون يقوم مناورة مكشوفة لماقام به من دور ومهام.
إجازة وإنشاء مفوضية العدالة الانتقالية والإسراع بإصلاح المنظومة العدلية والإقتصاص العاجل لشهداء الإبادة الجماعية بدارفور ولضباط رمضان ومجزرة فض إعتصام القيادة العامة طريق لابد منه قبل تنكب الطريق إلي لاهاي.
_____________
صحيفة المواكب
السبت 8مايو2021م