أعمدة

شغال فواتح

 

أوتاد
أحمد الفكي

بقدرٍ من الله كان لي شرف التَّعرف بواسطة البرلماني الضليع الأستاذ عبد الله بابكر محمد علي على الأديب و الباحث مربي الأجيال إبن الدرادر الأستاذ المهدي عبد الماجد صاحب كتاب دوحة الكواهلة الذي يقع في ألف صفحة و هو سِفر إضافة حقيقية للمكتبة السودانية ، قد رحل عن دناينا الفانية صباح الأربعاء ١٣ أغسطس ٢٠٢٥ قد كان سمح الخصال رجل مجتمع بكل ما في الكلمة من معنى مهما كتبت لا أوفيه حقه اكتفي فقط بالعنوان أعلاه لانه كان مواسياً صاحب كل مصيبة ، حيث حدثنا صهره الأستاذ عبد الماجد رفيق دربه منذ الطفولة عن مناقبه فمن ضمن ما ذكر قال : ( كان له ولد صغير تم تسجيله في المدرسة الإبتدائية و اثناء فقرة تعارف بين التلاميذ و معلمهم كان الأستاذ يسأل كل تلميذ عن اسمه و عمل والده منهم من يقول أبوي شغال نجار ، طبيب ، مزارع، تاجر ، فلما جاء دور إبن الأستاذ المهدي سأله المدرس أبوك شغال شنو ؟ أجابه الصغير ( ابوي شغال فواتح .) فأصبح موقف من المواقف الطريقة التي تُحكى عن مدى مشاركته ( شيل الفاتحة ) مواسياً في بيوت العزاء وهو زعيم قوم و تلك واحدة من مناقبه .
كتب عنه البروف إبراهيم قرشي رثاءً أنقله لك عزيزي القارئ كما هو دون تصرف فقال في الفقيد المهدي عبد الماجد أستاذ الأجيال :
( اللهم ارحم أستاذ الأجيال وحمال الأثقال اللزوم الكفال الكريم المفضال ، زين الرجال ، زينة أهله ومانع رحله وباذل فضله الأستاذ المهدي عبدالماجد.. الذي ضاعف رحيله الحزن وأوجع فقده الفؤاد ..وأجرى الدمع سخينا…فقد كان نسمة عليلة في حياتنا وقصة جميلة في تراثنا وسيظل ذكرى نبيلة في قلوبنا…
والله لولا أن لنا في رسول الله أسوة لبكيناك بكاء الخنساء وليلى الأخيلية ومتمم بن نويرة وابي ذؤيب الهذلي وكعب الغنوي واضرابهم…ولقلنا لشجر (الدرادر) : إنت مخدِّر والمهدي متحدِّر…؟ وجزى الله القائل خيرا :
إذا قبح البكاء على فقيد رأيت بكاءك الحسن الجميلا
ولكنهم قالوا :
لعمرك ما بالموت عارٌ على الفتى
إذا لم تصبه في الحياة المعاير
فلا الحيّ ممّا يحدث الدّهر سالمٌ
ولا الميت إن لم يصبر الحيّ ناشر
وكلّ شبابٍ أو جديدٍ إلى بلىً
وكل امريءٍ يوماً إلى الله صائر
فإن لنا في رسول الله أسوة ..ثم لنا في سيرتك العطرة وذكرك الحسن عزاء…والله لو أذاب الكواهلة أناملهم وصهروا أفئدتهم وسكبوا مشاعرهم مدادا للوفاء بحقك لمابلغوا معشار عشر العشر من الوفاء…نحن امة شفاهية نميل إلى (الونسة) فقط …يقتلنا التواضع السلبي ويذبحنا الاستخفاف بالتوثيق من الوريد إلى الوريد …وفي الراحل المهدي شغف بالتوثيق وهمة حذاء في التقصي والملاحقة…لو علم بفائدة في برك الغماد لسعى إليها حتى يحصلها…وهذا دأب اولي العزم من أهل العلم ؛ فقد كان السلف يركبون الدواب بالأيام والليالي حتى يصلوا إلى عالم يحققون عنده كلمة كما حكى ود ضيف الله عن اجدادك في.الطبقات … وليس بعيداً عنا خبر وفد دنقلا الذين قطعوا مئات الأميال على الدواب مع وعورة الطريق وقلة الزاد وظلمة الليالي ليحطوا رحالهم برهد الجزيرة في منطقة نوارة في مسيد قطب القرآن وخاتمة المحققين في العهد التركي الشريف محمد الأمين الهندي ليققوا على رسم كلمة في كتاب الله العزيز هي قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري (فاكون او فأكن) ثم قفلوا مسرورين غانمين…
كان شيخ المهدي من هذا الطراز..شد رحاله فزار أهله في جبل الحسانية وفي جبال شرق السودان وفي وهاد الجزيرة ورمال كردفان وفي كل صقع سمع بأن فيه بضعة من أهله…حتى خرج بسفر لاتقوم به إلا المؤسسات والفرق والجماعات…
بكى المهدي فابكاني حين راجعت( دوحة الكواهلة) وكتبت تقديمي لها …هذا السفر الذي تجاوز الالف صفحة بجهد قلم واحد وياله من قلم !!!!
أخبرت الراحل المقيم بعرض جهده على العالمين العلمين بروفيسور يوسف فضل وبروفيسور علي شمو وتطوعهما بكتابة تقديم للكتاب..ساعتها أحس الرجل بقيمة مايقوم به وبتقييم الناس له ويقيني أن ذلك هو العوض والمقابل الذي لا يسعى لأكثر منه…فدمعت عينه مرة أخرى…أي طينة من البشر انت أخي المهدي؟؟؟ عليك من الله سحائب الرحمة وشآبيب الغفران.
ثم اعذروني إخواني وأبنائي واهل الفقد الجلل ، فإن عهدي بنفسي أنني تلجمني المصيبة فتعري افراس الكتابة عندي وتسرح جيوشها فألوذ بالصمت حتى يفتح الله…
ومثل المهدي قليل والصبر في مصيبته جليل ومضمار القول فيه فسيح طويل ولنا إليه عودة إن فاسح الله في الآجال…
ولا نقول إلا مايرضي ربنا…فاللهم إنه نزل ضيفا بك وانت أكرم الأكرمين ففي نعيمك المقيم وعطائك العميم وثوابك العظيم حتى تجمعنا به واهله وذريته وعارفي فضله في مستقر رحمتك…
ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم…
إبراهيم القرشي .
وهذا ما كتبه البرلماني الضليع و الرياضي المطبوع الأستاذ عبدالله بابكر محمد علي رداً على بروف إبراهيم القرشي في حق الفقيد :
البروف الحبيب إبراهيم القرشي. ٠٠ لفقيدنا الأستاذ المهدي عبدالماجد الرحمة والمغفرة والعتق من النار ٠٠٠ إلتقيت الفقيد هنا في حائل. ٠٠ حيث جمعني به السكن في عمارة واحدة حيث يعمل إبنه وأبناء من أسرته ٠٠٠ كم كنت سعيد برفقة هذا الرجل القامة ، الكنز الثمين من المعرفة والوعي بحقائق القبائل وتاريخها . أهداني كتابه عن قبيلة الكواهلة الذي وجدت فيه تقديم من علماء أجلاء البروف يوسف فضل ، البروف علي محمد شمو الذي يتواجد معنا هنا في مدينة حائل وكان يسعد بلقاء الأستاذ المهدي كلما جمعتنا به الظروف هنا ٠٠ البروف ابراهيم القرشي ٠٠ كم سعدت بقرأة هذا السفر الذي تحدث عن تاريخ قبيلة عريقة من أكبر القبائل في السودان تاريخها ورموزها مع صور لعدد مقدر من رموز القبيلة الممتدة ٠٠ حتي عندما ذكرت له أنني دنقلاوي قال لي لا توجد قبيلة باسم الدناقلة ٠٠٠ الدناقله منطقه وليست قبيلة أنتم بديرية دهمشية وفرع من قبيلة الكواهلة ٠٠ تذكرت تلك المعلومة التي ذكرها لي الشيخ حسن عبدالله الترابي وانا حديث عهد بالبرلمان عندما تم تقسيمنا في شكل عشرات لتناول وجبة العشاء مع الشيخ في صالونه الأنيق وكان يبحث مع كل نائب عند التعارف عن قبيلته وبلده ودائرته ٠٠ جاء دوري وقلت له اسمي وقبيلتي دنقلاوي ضحك وقال لي انا أعرف قرية الدناقلة زرتها وانا طالب في حنتوب مع د/ الجزولي دفع الله ، أنتم الدناقلة ليست قبيلة أنتم بديرية دهمشية وكذلك أنا ونميري والزبير محمد صالح كلنا بديرية دهمشية الدناقله منطقة سكن وليس قبيلة ٠٠ الأستاذ مهدي سكنت معه في موقع واحد جيران بالشقق لم نفترق أبداً ٠٠ كان في كامل صحته وكامل أناقته وعنفوانه . نحكي ونحكي ولا نفتر من الحكي حكي لي رحلته في البحث عن القبيلة الكبيرة الممتدة ورموزها . ودعم المرحوم إبراهيم هباني له بعربة بسائق حتي جمع مادة الكتاب عن القبيلة حكي لي مقابلته لك وللبروف الفاتح الشيخ وللمرحوم غازي عثمان جادالله والأمير محمد علي يعقوب وكثر من أعيان قبيلة الكواهله ٠٠ هنا في حائل كان زينة مجالسنا ومؤانستنا مع سودانين في قيادة الجاليه كان رجلاً جميلاً مثقفاً عالماً يتحدث فيستمع الجميع له نال محبتهم رغم قصر الفترة ٠٠ كان محباً للسودان أصر على العودة بعد تحرير مدني والنيل الأبيض ٠٠ عاد الي مسقط رأسه قرية الدرادر ولكن المرض أتعبه هنا فبدأ رحلة العلاج بين الدويم ومدني وبورتسودان حتي وصل الرياض لابنه عبدالماجد ودخل مستشفي الشميسي ٠٠ ثم الي حائل مع ابنه عامر محل نسكن معاً وكان المرض يشتد عليه والقلب عليل حتي دخل مستشفي الملك سلمان التخصصي ثم مستشفي الملك خالد لغسيل الكلي ولكن اشتد عليه المرض وفارق الحياه ٠٠وسط أحزان عمت الجميع فقد ترك في كل من عرفه أثراً حزناً و ألماً وجرحاً عميقاً ٠٠ أمس تم قبر جثمانه الطاهر الثرى هنا في مقابر صديان في حائل وسط حضور مهيب من السودانين في جالية حائل وجاء أهله من كل أنحاء المملكة لحضور أيام المأتم في حائل ٠٠ للفقيد الرحمة والمغفرة والعتق من النار وتقبله الله قبولاً حسناً واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء الأبرار والصالحين . أُعزِّي البروف إبراهيم القرشي وكل من عرف هذا الرجل الجميل المهدي عبدالماجد ٠٠٠ إنَّا لله و إنَّا إليه راجعون .
* آخر الأوتاد :
تصحيح معلومة إذن دنقلا و الدناقلة منطقة وليس قبيلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى