رسالة البرهان فاقت رسالة الغفران

أوتاد
أحمد الفكي
من أرض الحضارات حيث البجراوية شمال سودان العز و الكرامة و الفخر و التاريخ أحد أبرز شواهد حضارة كوش ومروي العريقة وقف فخر الأمة السودانية رئيس مجلس السيادة الإنتقالي القائد العام لقوات الشعب المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان من داخل معبد الأسد حيث الرمزية التاريخية و السياسية موجهاً خطابه بمناسبة العيد المئوي للقوات المسلحة و الذكرى الواحد و السبعين لسودنة الجيش فكان الخطاب إحتفالاً بعيد الجيش الذي توشح بالإنتصارات المدوية على مليشيا آل دقلو الإرهابية .
عندما نقول أرض الحضارات نذكر إهرامات السودان التي أبصرت النور قبل إهرامات الجيزة و عندما نقول أرض الحضارات نذكر على سبيل المثال معبد الأسد ذلك الإرث الذي يتجاوز الألفي عام .
إلى القراء العرب عامة و أهل السودان خاصة جاء في الميثولوجيا المروية يرجع تاريخ معبد الأسد إلى أكثر من 2000 عام، إذ شُيّد في عهد مملكة مروي القديمة تكريماً للإله أباداماك، إله الحرب والحماية .
وقف البرهان و من خلفه خلفية الجدار المرسوم فيه أباداماك برأس أسد وجسد إنسان ، رمزاً للشجاعة والقوة والبأس العسكري، وكان المعبد مركزاً روحيًاً وعسكريًاً مهمًاً في زمن الملوك الكوشيين الذين حكموا وادي النيل الأوسط وهذه أول رسالة البرهان لمن يفهم مغزاها .
لم يكن اختيار مكان إلقاء الخطاب
عشوائياً بل عن فهم و بعد نظر يُجسِّد قمة الذكاء العسكري حيث معبد الأسد يُحاكي عقيدة مقاتلة شرسة، وتوثّق انتصارات عسكرية على مدى قرون، مما جعله أيقونة معمارية وحضارية ذات بعد عسكري واضح.
فكان الاختيار محمّلًا برسائل سياسية وعسكرية إلى الداخل والخارج ، أبرزها :
ربط الحاضر بالماضي و التأكيد على أن الجيش السوداني امتداد لسلسلة طويلة من القوة والسيادة، وليس جيشًا وليد اللحظة .
رسالة أخرى هوية حضارية مستقلة : الإشارة إلى أن السودان أمة ضاربة الجذور في التاريخ ، لا تختزل هويتها في بعدها العربي فقط، بل هي وريثة حضارة نوبية أفريقية عظيمة .
رسالة ثالثة تحفيز المؤسسة العسكرية و تذكير الضباط والجنود بأنهم أحفاد محاربين أسطوريين لا يعرفون الانكسار ليس مرتزقة مأجورين .
رسالة رابعة للمجتمع الدولي فحواها دعوة للتعامل مع السودان كدولة صاحبة إرث حضاري عريق، ورفض أي محاولات لتهميشها أو التقليل من مكانتها.
رسالة البرهان فاقت رسالة الغفران في الوقت الحالي لأبي العلاء المعري التي كتبها رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي أخذ منها دانتي الكوميديا الإلاهية لأنَّ رسالة البرهان رسائل في رسالة من أمام معبد الأسد، حيث نُقشت الانتصارات على الحجر قبل آلاف السنين، أراد البرهان حفظه الله في عيد الجيش أن يوجّه للعالم رسالة مفادها أن الجيش السوداني سيظل الصخرة الكؤود التي تتحطم عليها المؤامرات ، تمامًا كما فعل أجداد مروي وكوش في مواجهة الغزاة عبر التاريخ .
*آخر الأوتاد :
يُعجبني أداء الفنانة هاجر محمد حسن لأغنية نحن في السودان نهوى أوطانا لعميد الفن الراحل المقيم أحمد المصطفى ” طبَّبَ الله ثراه” التي تقول كلماتها :
نحن في السودان نهوى أوطانا
وإن رحلنا بعيد نطرى خِلانا
نطرى جلساتنا في ضفاف النيل
والسواقي تدور في سكون الليل
القماري تعيد لحن كالترتيل
والوتر يشدو والطبيعة تشيل
النغم مفرح والحبيبة تميل
توحي ألحانا
نطرى نجوانا وحبنا العذري
تلقاه فوق أم در في ربوع بحري
العواطف دين و الجمال فطري
تلك أوطانا و حبها الخالد يجري في دمانا .