مقالات

افول نجم الصحوة الإسلامية

 

الحلقة الثانية : شخصيات الهمت نشؤ وانتشار حركات الإسلام السياسي

بابكر عثمان

شهد العام 1979 تحولات كبرى في العالم، ففي هذا العام اجتاح الاتحاد السوفيتي أفغانستان لمناصرة الانقلاب الشيوعي الذي جرى هناك وما استتبع ذلك من نشؤ ما عرف لاحقا بحركة الجهاد الإسلامي، وفي هذا العام أيضا انتصرت الثورة الإسلامية في ايران ، حيث نشأ عنها نظام متشدد يقوده أصحاب العمائم السوداء، وبعد نحو شهر من ذلك الانتصار التاريخي وفي 26 مارس 1979 تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد، على اسم منتجع رئاسي في ولاية مريلاند بالولايات المتحدة وهي اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والتي نتج عنها عزل مصر عن محيطها العربي، كما تم عزلها عن قضية فلسطين المحتلة ، اما في بريطانيا وفي ذلك العام نفسه صعدت الى رئاسة الوزراء السيدة مارغريت تاتشر والتي اطلق عليها لقب المرأة الحديدية، بسبب قمعها للنقابات العمالية الأمر الذي نتج عنه بث روح جديدة للرأسمالية الغربية.

في خضم هذه التحولات الكبرى صعدت في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي الى الواجهة الحركات الإسلامية والتي رأت ان الوقت ربما بات مناسبا لإحياء الخلافة الإسلامية.
وهنا يجب الا يغيب عن بالنا شخصيات عديدة لعبت ادوارا محورية في صعود هذه الحركات التي تحولت لاحقا الى تنظيمات مسلحة وتؤمن بأن السبيل الوحيد لإحياء الخلافة الإسلامية يكمن في الجهاد المسلح .

سيد قطب

ومن هذه الشخصيات يبرز اسم الشيخ حسن البنا والذي أسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928 ويقال انه كان يتلقى عونا ماديا من المخابرات البريطانية، ويطلق عليه في ادبيات الاخوان المسلمين ( الامام الشهيد ) ثم برز أيضا سيد قطب والذي انتقل من الاعجاب بالماسونية في مقال كتبه في مجلة التاج المصري في 23 ابريل 1943 بعنوان ( لماذا صرت ماسونيا ) وهو مقال يعبر عن آراء سيد قطب في الماسونية حيث يقول انها تمثل الرجولة والانسانية وتدفع بالإنسان الى عمل الخير ، كان ذلك قبل انضمامه الى جماعة الاخوان المسلمين

قام سيد قطب لاحقا بوضع الأساس الفكري لما يمكن ان نطلق عليه التطرف الإسلامي بكتابه المسمى ( معالم في الطريق ) وهو كتاب وضعه وهو في السجن في ستينات القرن الماضي ، حيث دعا من خلاله الى قيام دولة إسلامية ووصف حال العالم بأنه يعيش في جاهلية شبيه بتلك التي سبقت الإسلام ، ويبدو ان سيد قطب تأثر كغيره من قادة الحركات الإسلامية آنذاك بالزعيم والمفكر الإسلامي الهندي الشهير أبو الأعلى المودودي.

عبدالله عزام

ومن الشخصيات البارزة أيضا والتي صعد اسمها في الثمانينات هو الدكتور عبدالله عزام وهو فلسطيني من قطاع غزة ولد في قرية تابعة لبلدية جنين عام 1941 وانضم مبكرا الى جماعة الاخوان المسلمين في الأردن وعمل أستاذا في الجامعة الأردنية مطلع السبعينات ثم انتقل الى جامعة عبدالعزيز في جدة في أوائل الثمانينيات ومنها الى الجامعة الاسلامية في باكستان ومن هناك تقدم باستقالته وانضم الى حركة المجاهدين الأفغان كأول مجاهد عربي، وأنشأ لاحقا مكتب خدمات المجاهدين، في مدينة بيشاور الباكستانية لاستقطابَ الشباب العربي المتطوع للجهاد في أفغانستان، إضافة إلى استقبال ونقل المساعدات الصحية والغذائية لإيصالها إلى اللاجئين، وكذلك إيصال المساعدات اللوجستية للمجاهدين في ميادين القتال.، ليصل الأفغان العرب مع نهاية الثمانينيات الى نحو 15 الف مجاهد وكانت تلك الاعداد المهولة هي النواة التي تشكلت منها فيما بعد منظمة القاعدة بقيادة أسامة بن لادن و ايمن الظواهري، ويقال ان الخلافات دبت بين عبدالله عزام من جهة وايمن الظواهري من جهة أخرى عقب انتهاء الحرب الأفغانية ورحيل الجنود السوفييت في فبراير عام 1989 حيث رأي عزام ان الجهاد يجب ان ينتقل الى فلسطين ولكن وقبل نهاية ذلك العام انفجر لغم في سيارته ليرحل فورا بمعية اثنين من أبنائه، وحتي اليوم لم يعرف على وجه الدقة الجهة التي دبرت مقتله ولكن تأثيره استمر طويلا فحركة حماس في فلسطين أسمت الجهاز العسكري للحركة مطلع التسعينيات في الضفة الغربية بـ”كتائب الشهيد عبد الله عزام”، ..ورغم أن عبدالله عزام يعتبر من ابرز الشخصيات التي شكلت ما يسمى بالمجاهدين وكان يمزج بي الفكر والعمل ولكنه وضع من وجهة نظره الأساس الفكري للعمل الجهادي بقوله ( لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يقوم بدون حركة إسلامية تشب على نار المحنة وينضج أفرادها على حرارة الابتلاء ) ولكنه يحذر من ( أن حمل السلاح قبل التربية الطويلة للعصبة المؤمنة يعتبر أمراً خطيراً لأن حملة السلاح سيتحولون إلى عصابات تهدد أمن الناس وتقض عليهم مضاجعهم.)

وهذا ما حدث بالفعل ، وقبل ان نخوض فيما قامت به الحركات الإسلامية المسلحة بعد ذلك، لنتوقف قليلا في الحلقة القادمة للتذكير بسيرة اثنين من الرجال الذين قادوا وألهموا حركات الإسلام السياسي خلال التسعينات ومطلع الألفية الجديدة وهما الدكتور حسن الترابي والشيخ أسامة بن لادن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى